المواسم الأربعة هذه هي الترجمة الحرفية للفور سيزونز الذي دخلته في مدينة إسطنبول بدعوة من مديره الذي هو مصري من مؤيدي البرادعي وجمعية التغيير. تفرجت على الفندق الذي هو تحفة معمارية ذات حوائط رخامية وأرضية أثرية بتصاميم فنية مبهرة. استغربت كثيرا عندما علمت أنه كان قديما عبارة عن سجن متوسط الحراسة مخصص للجرائم البسيطة والمعتقلين السياسيين وسجناء الرأي، حجراته تطل نوافذها الواسعة علي البوسفور وجامع السلطان أحمد (الجامع الأزرق) وآيا صوفيا. ولكن عندما تغيرت المواسم في تركيا محملة برياح الحرية أصبح السجن فندقا فاخرا ومع ذلك لم يسقط من الذاكرة ماضيه الذي يتردد ذكره بنوع من الاعتذار.
المواسم في القاهرة لا تتغير منذ أكثر من ثلاثين عاما. أحمد دومة نزيل مصري في فندق الموسم الواحد شديد السوء فهو يجلس في غرفة فاخرة يشاركه فيها أعداد كثيرة ومتنوعة من الحشرات، الأرضية الفاخرة مفروشة بالمياه الملوثة، محبوس حبسا انفراديا في فندق القطا الجنائي الفاخر شديد الحراسة والذي يديره مصري أيضا ولكن من مؤيدي الاستقرار لأن التغيير من وجهة نظره ليس إلا قلة أدب وسوء رباية.
أحمد دومة شاب صغير نحيف البنية قصير القامة كان يهتف مناديا بالحرية في ميدان التحرير. في ذلك اليوم كنا كمصريات مع التغيير نتقدم الشباب محاولين تكوين ما يشبه الحاجز بينهم وبين جنود الأمن المركزي في مسعى لاقتناص حق الخروج بمسيرة سلمية إلي مجلس الشعب ضد تمديد حالة الطوارئ فإذا بالجنود يهاجموننا ويلقون بنا على الأرض وهاتك يا ضرب في الشباب وعندما تمالكت نفسي ولملمت أشيائي ووقفت على قدمي التي دهستها أحذية الجنود الثقيلة رأيت ضابطا في حالة هياج شديد لأن كوعه قد أصابه خدش ثم أشاهد في يد ضابط آخر خيزرانة مكسورة كانت صارية لعلم مصر والتي من المفترض أنها أداة الجريمة.
ثم أفاجأ بالمخبرين يجرجرون أحمد دومة فأمسك بفانلته القطنية المبللة بالعرق وهم يحاولون جذبه وتهدئتي كذبا بدعوي أنه لن يصيبه مكروه فتتمزق أصابعي ألما من شدة الجذب فأتخلي عنه ويقبض عليه ليصبح نزيلا في فندق الموسم الواحد بتهمة الاعتداء على ضابطي شرطة وإثارة المارة.. وتعطيل المرور!.
وهكذا تظل مصر أسيرة الموسم الواحد حتى إشعار آخر ولكن ليس إلى الأبد وسيأتي يوم تحصل مصر فيه على مواسمها الأربعة مهما طال الوقت، سيأتي يوم لن نضطر فيه للفرجة على البلاد الأخرى إذا ما أردنا أن نستمتع ولو لساعات قليلة بنسمات الحرية الخالية من الطوارئ والقوانين الاستثنائية تلك القوانين جعلت من مصر كلها دولة استثنائية.
اقرأ أيضاً:
تحت خط الفقر/ آه يا دستوري..