بادرتني صديقتي المخرجة المتميزة ذات الوقت المشحون فهي تُدَّرِس في الجامعة الأمريكية وتصنع أفلاما وتقارير وهي كذلك أم وكم أتمنى أن نعمل سويا، بادرتني بمكالمة خاطفة تسألني فيها عن مدى علاقتي برئيسة إحدى القنوات باتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري فأجبتها بأننا قد اجتزنا سويا دورة إعلامية بوزارة الخارجية وأتصور أنها تقدرني كما أقدرها ولكن لماذا؟ فعرضت علي أن نتقدم من خلال شركة إنتاج خاصة للتلفزيون المصري بفكرة برنامج فهم يدفعون أفضل من القنوات الخاصة لأنهم قد اعتادوا على سداد مبالغ كبيرة على هذه البرامج خلاف المرتب الرسمي.
وكانت إجابتي دون تفكير أني لن أعمل في التلفزيون المصري إلا بمرتبي الذي لا يتجاوز الألف جنيه شهريا وبأني قد أبلغت الأستاذ أسامة الشيخ بذلك وكذلك الأستاذ عبد اللطيف المناوي عندما تقدمت له بفكرة برنامج إخباري فتجاهله وتجاهلني. كما أني أدعوها وأدعو كل الإعلاميين المصريين الشرفاء إلى الامتناع عن المشاركة في عملية النهب المنظمة لأموال الشعب المصري وكلي قناعة بأني لا أكره الفلوس ولكني لا أستحل الحصول على أموال طائلة من منح أتت للشعب المصري الذي يعيش أكثر من نصفه تحت خط الفقر أو أنتزع حق زملائي الذين لم تتوفر لهم فرص عمل في قنوات فضائية وهم يعتصمون ضد الظلم والعسف.
وأنه أكرم لي أن أحصل على مرتب معقول من قناة خاصة على أن أرتع في فساد نهب المال العام. فشكرتني على تبصيري إياها مقتنعة بما ورد في حوارنا وكل يوم أتأكد من صواب رؤيتي عندما أعلم مثلا أن مذيعة شابة انتقلت للعمل في التلفزيون المصري بأضعاف الأجر الذي كانت تحصل عليه من محطة "أو تي في" التلفزيونية التي يملكها رجل الأعمال الشهير نجيب ساويرس. ألا يثير ذلك الإسراف الكثير من علامات الاستفهام؟ ألا يستحق مراجعة ومراقبة ومحاسبة من الأجهزة المعنية؟
أليس من حقنا كشعب ومن حقي كموظفة بقطاع الأخبار وبموجب الاتفاقية الدولية لمحاربة الفساد التي وقعت عليها مصر وصدق عليها برلمانها ونشرت بعد طول مماطلة في الجريدة الرسمية في مارس من عام ألفين وسبعة والتي نصر على تفعيل بنودها وألا تظل حبرا على ورق والتي تنص على "تيسير قيام الموظفين العموميين بإبلاغ السلطات المعنية عن أفعال الفساد عندما ينتبهون إلى مثل هذه الأفعال أثناء آداء وظائفهم، ووضع تدابير ونظم تلزم الموظفين العموميين بأن يفصحوا للسلطات المعنية عن أشياء منها ما لهم من أنشطة خارجية وعمل وظيفي واستثمارات وموجودات وهبات أو منافع كبيرة قد تفضي إلى تضارب في المصالح مع مهامهم كموظفين عموميين" للمراجعة يمكنكم التعرف على نصوص الاتفاقية من موقع مصريين ضد الفساد.
سيادة المستشار النائب العام، د.جودت الملط وكل مسئول رقابي في هذا البلد ويا سيادة الأمين العام للأمم المتحدة اللهم بلغت اللهم فاشهد.
تلك كانت المكالمة الأولى التي فتحت نار قلبي على ما تعانيه بلادي لكن مكالمة أخرى كانت بردا وسلاما ومنها جاء عنوان هذا المقال فالحلو هو د.محمد هاني طبيب أمراض الكلي الذي كان يشرف على علاج والدي بمستشفى البترول والذي فاجئني أيضا وأنا في عز الزنقة المرورية الليلية بأن أمامه الآن طفل شوارع طالبا العون في رقم تليفون جهة يمكن أن تتولى أمر هذا الطفل بعد أن ارتعب من فكرة إبلاغ قسم الشرطة فأقفلنا الخط على وعد بالحصول على رقم قرية الأمل ووفيت بوعدي وأنا أرأف بحال هذا الطبيب الذي يعمل في مجال أثبتت الإحصاءات العلمية أن العاملين به هم الأكثر عرضة لمرض الاكتئاب النفسي من أن عليه أن ينتظر حتى يأتي المندوب ليستلم الفتى فدعوت له وأقفلت الخط.
وبعدها بعدة ساعات اتصل بي ليبلغني أن الرقم الذي أعطيته إياه لم يرد والمسئولين عن الخط الساخن16000 مطوحوهم فبادرت زوجته بالاتصال بقريبة تعمل في المجلس القومي للأمومة والطفولة وبالفعل نجح مسعاهم وسافر الطفل إلى أهله في المنيا بصحبة مندوب من المجلس. وفي الصباح اتصلت بي الدكتورة زينب زوجة د.محمد هاني لتخبرني أنه مع ساعات الصباح الأولى وصل الطفل إلى قريته وأنها سمعت بأذنيها زغاريد أمه... دمعت عيني فرحا وفخرا بالناس الحلوة إللى ممكن بيهم مصر تتقدم بينا.
اقرأ أيضاً:
هل نحن خرفنا وبنهيس؟/ الحياة لونها مش بمبي خالص