حدثتكم من قبل عن جمال الطبيعة ورحلتي إلى قارة الكابتن كوك "أستراليا" ولكن السفر لا يقتصر على مشاهدة المناظر الطبيعية ولكنه من أهم طرق التواصل مع البشر.. وإن كان السفر مع العائلة ووسط العائلة يمنع التواصل مع الآخر.. لذلك تظل خبرتي بالأستراليين قشرية للغاية ولكن حتى لو كانت قد أتيحت لي فرصة احتكاك لظلت تلك مجرد خبرة شخصية بحتة والدليل القوي على ذلك هو اختلاف رأي أختي المحجبة والتي تعيش غرب أستراليا عن رأي زوجها الطبيب المصري الذي يدخل بيوت أسترالية أي يخترق قلب القلب.
أما عن رد أختي على سؤالي حول طبيعة التعامل معها كامرأة مسلمة عربية محجبة وهل تعاني من عنصرية ما أو عنف مادي أو معنوي فقد أجابت "بالنسبة لي في الشارع والأماكن اللي باتردد عليها وكما لمستِ بنفسك مش باحس بحاجة.. الناس هنا بشر فيهم الكويس والوحش والمتفتح ويفهم والغبي وقيسي على ذلك.. يمكن أنا حظي أحسن من غيري وماواجهتش مواقف كره (ربنا يستر) بس محمد رأيه مختلف"، ومحمد طبعا يبقى جوز أختي أميرة.. والحكايات مابتخلصش فقد تعمدت تذكير أميرة بحركة البائع الشاب بأحد محلات الساندويتشات المنتشرة عبر العالم والتي لا أهواها على الإطلاق وصاحبها الذي قرر أن يبيعنا الساندويتشات بقرف لأن موعد إغلاق المحل قد حان وفي نفس اللحظة دخلت أسرة شقراء فتغير أسلوب البائع الأشقر ودبت فيه الحيوية وكان ردها أننا لا يجب أن نتجاهل في الوقت ذاته كثرة طلباتنا وعدم حسمنا أو لكاعتنا هكذا أسميها فوافقتها على الفور.. مع عدم تجاهل عنصريته تجاهنا..
موقف آخر سمعته من أختي الكبرى أثناء رحلة عودتها إلى القاهرة عن رجل كان يجلس خلفها وعند توقف الطائرة القصير بمطار دبي وعدم مغادرة المسافرين لها تبادلت حوارا مع هذا الشاب الذي وصفته بأنه كان يضع حلقا في أذنه وحكى لها عن أخيه الذي أسلم وردت ببساطة وتلقائية "فري جود" فما كان من الشاب إلا أن رد عليها بحدة "أنا أكره المسلمين" فتدخلت ابنتها معتذرة بأن أمها لم تقصد جرحه وتضامن معه بالنظرات شابان آخران بينما وعندما تدخل زوجان أستراليان في النصف الثاني من العمر لفهم ما حدث طيبا خاطرها ولاماه على فعلته..
بصراحة بشكل عام لم نتعرض أثناء رحلتنا لمظهر من مظاهر العنصرية رغم أنني كنت في أغلب تحركاتنا غير المحجبة الوحيدة في الشلة والجميع من سن خمسة عشر لستين محجبات مصممات على الصلاة في الحدائق والمتنزهات وكنت كثيرا ما أحس أني ضمن حملة تبشير ودار بخلدي كثيرا كيف أننا أصبحنا باحثين عن التمييز فانتشار الحجاب داخل بلداننا العربية أصبح نوعا من الفرز الطائفي أما في الخارج فأحسسته تأكيدا للآخر بأننا مختلفون وكأننا نرمي بأنفسنا إلى دائرة الفصل عن الآخرين فنحن نقول لهم طول الوقت إحنا مختلفين عنكم.. إحنا مش منكم ومع ذلك لم نتعرض لسخافات جسيمة على الإطلاق وربما كان السبب وراء ذلك اتباعنا للآية الكريمة "لكم دينكم ولي دين".. أكتب ذلك وصوت الميكروفون غير المرخص يصفر قبل الآذان في عمارة تسعون في المائة من سكانها مسيحيون وعلى المعاش في جامع مبني على أرض مغتصبة يملكها مسيحي ولا يوجد رئيس حي أو محافظ يحرك ساكنا.. وبحكم المفارقة أتساءل "ألسنا عنصريون؟ ألا يتم التمييز ضد الأقباط في مصر؟" كما أتساءل أيضا هل قوة الأذان بارتفاع صوت وضخامة الميكروفون؟ أم أن كلمة الله ستصل بالحكمة والموعظة الحسنة؟
اقرأ أيضاً:
سألوني:مصر وحشتك؟/ مصر أم الدنيا