الدكتور محمد البرادعي أنسب شخص لهذه المرحلة بلا شك، وبلا منافس يذكر، مع كامل احترامنا لجميع الأسماء المطروحة، فإذا أردنا أن نجيب على سؤال لماذا البرادعي؟
نقول وبالله التوفيق إن ذلك لأسباب عشرة:
السبب الأول: أنه رجل دولة من الطراز الأول، وسجله يدل على ذلك، فهو رجل يعمل بالسياسة منذ أربعة عقود، وترأس منصبا دوليا عالميا حساسا وأداره بكفاءة منقطعة النظير.
وهذا من أهم الفروق بينه وبين أسماء أخرى رُشحت لهذا المنصب، فالآخرون علماء يصلحون للابتكار داخل المعامل، أما إدارة الدولة فهذا أمر آخر.
السبب الثاني: أنه وجه معروف على المستوى الدولي ، وهذا الأمر يطمئن كثيرا من القوى الدولية والإقليمية.
السبب الثالث: أنه وجه معروف محليا، وأعلم أن البعض يصنف الدكتور البرادعي كنجم نخب ، ولكني أختلف معهم في ذلك، فالرجل أصبح علما من أعلام مصر بعد حصوله على جائزة "نوبل"، وتجاوزت شهرته دوائر الصفوة إلى كثير من دوائر العوام، وهذا ييسر الحشد له أكثر من غيره من نجوم السياسة اللامعين في النخب فقط.
السبب الرابع: أنه يقف في الوسط من جميع التيارات، ومن جميع القضايا، فلا هو (خميني) يهابه الغرب، ولا هو (خواجة) يتحفظ عليه الفلاح ورجل الشارع البسيط.
السبب الخامس: ابتعاده عن مصر فترة طويلة، وبالتالي لم يتنجَّسْ بخطايا هذا العهد، فلم يُسْتَوْزَرْ، ولم يُسْتَشَرْ في أي خطأ أو خطيئة للنظام وفي نفس الوقت لم ينضم لأي قوة معارضة من أي نوع، فهو مستقل عن الحكومة، وعن المعارضة، ووصوله لمنصب الرئيس لن يعتبر انتصارا لأحد ضد أحد، أو لتيار ضد تيار، بل سيكون انتصارا للجميع، أي سيكون انتصارا لمصر!
السبب السادس: أنه رئيس مدني.
السبب السابع: أنه كبير في السن نسبيا، وبالتالي لن يستطيع سوى أن يكون قائد مرحلة انتقالية، تخرج بها مصر من هذا النفق المعتم، وقد حصّل من المجد قبل توليه الرئاسة ما يغنيه عن طموح دوام المجد بدوام الرئاسة!
ونحن في مرحلة نحتاج فيها رئيسا انتقاليا يهيئ البلاد لمرحلة البناء والنهضة، بمعنى أننا نريد رئيسا يحول مصر لدولة تريد النهوض، أما الرئيس الذي يحقق النهضة فهذا رئيس آخر... لم يأت أوانه بعد!
السبب الثامن: أنه ليس عدوا لأي قوة من القوى العظمى في العالم، فهو لم يعلن مواقف من أي نوع في العديد من القضايا الشائكة، فلا هو من منكري (الهولوكوست) مثلا، ولا هو من مؤيدي النازية، ولا هو ملحد، ولا هو أصولي متشدد، وموقف إسرائيل وأمريكا منه لن يكون بالعنف الذي يمنع ترشحه، لأنه في النهاية ليس صقرا من صقور التشدد ضدهم، وفي نفس الوقت ليس لعبة في أيدي القوى العظمى كما هو حالنا الآن، ومصر تحتاج شخصا بهذه المواصفات لمرحلة انتقال من التبعية المطلقة إلى الاستقلال المحدود، الذي يؤدي بعد ذلك إلى الاستقلال الكامل.
السبب التاسع: حصوله على نوبل، وهذا أمر سيحد من حماقات النظام في التعامل معه، وسوف يُيَسِّرُ الكثير من مهمة القوى الوطنية في إرباك الإعلام الحكومي الذي تورط بالفعل في الإشادة بالرجل بعد حصوله على الجائزة.
السبب العاشر: صفاته الشخصية. فهذا الرجل يُجمع كلُّ من عمل معه على أنه ذكي لدرجة العبقرية، مجتهد لدرجة التفاني، متواضع، حياه الله صبرا دءوبا على تحقيق الأهداف، وصلابة المقاتلين من أجل ما يؤمن به.
هذه مميزات الدكتور البرادعي في رؤيتي المتواضعة، ولكن هناك من يرى أن فيه عيبين رئيسين، هما أنه أمريكاني وهذا كلام غير صحيح جملة وتفصيلا، فالرجل ليس أمريكيا بمعنى الهوى والرؤية، ولكنه أمريكي من ناحية الأساليب الإدارية، وهذه ميزة وليست عيبا.
أن في تاريخه خطيئة كبرى، ألا وهي مسؤوليته عن احتلال العراق، ذلك أنه كان على رأس وكالة الطاقة الذرية حين احتلت أمريكا العراق.
وهذا –مع احترامي– كلام غير صحيح أيضا، فالرجل أُمرَ أن يفتش عن الأسلحة، ولم يكن هو صاحب القرار، وهو –كمسؤول دولي– لا يملك ألا أن يمتثل، وفي نهاية الأمر لم يستجب لكل الضغوط لكي (يفبرك) تقريرا يدين العراق، فأصدر تقريرا نزيها ماكرا، لدرجة أن أمريكا لم تتمكن من غزو العراق بقرار دولي، بل خرجت عن الشرعية الدولية، وغزته بقرار فردي!
أما الإجابة على سؤال: كيف يأتي البرادعي؟
فينبغي أولا أن نتفق على أن جميع الذين تنطبق عليهم شروط الترشح لا يصلحون، وأن شروط الترشح نفسها مسخ دستوري صنعه أناس لهم غرض لا يخفى على أحد، لذلك لست مستعدا لمناقشة أن يترشح الدكتور البرادعي من خلال طريق شرعي بأن يدخل أحد الأحزاب، لأن ذلك لن يحدث، فجميع الأحزاب تحت السيطرة الكاملة المكتملة التامة المتممة.
لذلك... من الممكن أن يأتي ترشيحه عبر جمعية عمومية شعبية تتكون من مئات الرموز المصرية، تطلق مطلب ترشيحه باسم الشعب، وفي هذه الحالة تتوحد المعارضة المصرية خلفه، وتحرك الشارع لخلق أزمة تجبر النظام على السماح للبرادعي بالترشح رغم كل القيود الشكلية
واقرأ أيضاً:
هذا ما أريد أن أقوله للبرادعي/ نبوءة نجيب محفوظ للبرادعي وزويل