أعتبر نفسي من ضمن المتابعين الجيدين لما يصدر من جديد مقالات واستشارات على مجانين، وعادة مع الوقت أجد نفسي قد كونت فكرة عامة حول منهجيات الكتاب المختلفين على الموقع.
ومنذ يومين تقريبا قرأت الاستشارة التي حملت عنوان: "خسران الشرف.. تأملات أولية" كما قرأت رد المستشار د. أحمد عبد الله عليها، وشعرت أنني فهمت قصد المجيب من إجابته التي أراها كانت مقتضبة جدا بحكم قراءتي للعديد من مقالاته وردوده السابقة، وكانت لي بعض التعليقات عليها غير أنني –ولا أعرف لماذا- كانت لدي معلومة اكتشفت خطأها وهي أن الموقع لا يتيح خدمة التعليق على الاستشارات، وعليه أجلت كتابة ملاحظاتي لوقت لاحق.
واليوم قرأت التعليق الذي تقدم به أحد القراء تعليقا على المقال، وكان عنوان التعليق: تنظير جميل، وهو تعليق أختلف فيه صاحبه مع المستشار في نظرته للمشكلة وهنا قررت المشاركة في نقاط:
أولا: الاستشارة نفسها جاءت مقتضبة جدا بشكل جعل أنسب شكل للرد عليها –من وجهة نظري- هو التنظير والحديث العام غير المتعلق بحادثة أو قصة معينة، لكن ذلك جعل الرد الذي لم يحمل تفصيلا كما قلت غير مفهوم للقارئ غير المتابع فلا الاستشارة واضحة ولا المقصود من الرد جاء بشكل مفصل واضح.
ثانيا: أحسب أنني فهمت ما يشير إليه الدكتور أحمد وما عناه من رده حول ما توارثناه من أكوام من الأفكار والمفاهيم والسلوكيات التي ما أنزل الله بها من سلطان والتي ربطناها بمعاني الأخلاق بمبالغة غير متوازنة، غير أنه وضح قصده بعبارات مقتضبة حينما أكد في أكثر من موضع أن تلك المفاهيم اختلطت بأخرى هي مفاهيم دينية أصيلة ثابتة في ديننا لكن المشكلة في اختلاط ما هو صحيح بما هو غثاء ومبالغة لم ينزل الله بها من سلطان.
ولأن المستشير لم يوضح لنا ما عناه بسؤاله عن فقدان الشرف ونظرة المجتمع بدا أن خلافا واضحا بين رأي الدكتور أحمد وبين صاحب التعليق الذي قال إن رفض المجتمع "لمعصية" الشرف بمعنى: فعل الزنا هو أمر مطلوب ومؤكد شرعا وهو مالا خلاف عليه، غير أنني أحسب أن المستشار الدكتور أحمد كان يتحدث في منطقة أخرى وتنظير آخر ربما لم يكن هو الأنسب لإجابة مثل هذا السؤال غير الواضح.
نعم، وصم معصية الشرف في حد ذاتها ورفضها كسلوك هو من صميم قناعة المؤمن، لكن تعريفاتنا لما نسميه معاصي الشرف وكيفية رفضها مع إقرار قواعد أصيلة في ديننا كقاعدة الستر على غير المجاهر مثلا –في حال كنا نتحدث عن مرتكب الزنا مثلا- أو حرمة التعيير لمن عوقب على فعله بل واعتبار معير ابن الزنا قاذفا له يوجب عليه حد القذف، وفهم أن أبواب التوبة مفتوحة وأن هناك فارقا بين حق المجتمع في الحفاظ على صحته وسلامته بعدم إشاعة الفاحشة ومعاقبة المجاهر بذلك، وبين أن من يحاسب المذنب كفرد هو الله عز وجل وهو من يقبل توبته أو لا يقبلها، هذا إن كنا نتحدث عن الفعل الأبشع وهو جريمة الزنا.
ويتضح هذا المعنى في الحادثتين الشهيرتين اللتين حدثتا في عهد النبوة حينما عوقبت الغامدية –رضي الله عنها- لارتكابها جريمة الزنا واعترافها بذلك بل وإصرارها على التطهر من الذنب بإقامة الحد عليها، ورغم أن عقوبتها كانت علنية يشهدها المجتمع كله إلا أن العجيب حينما يبدي عمر رضي الله عنه امتعاضه منها يمنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ويعلن أن توبتها لو وزعت على أهل المدينة لكفتهم!!!!!
ويتكرر الأمر نفسه عند عقاب ماعز رضي الله عنه للجريمة نفسها، فيسبه بعض الصحابة فيرفض رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلهم في موقف معبر تحار في فهمه الأفهام للوهلة الأولى.
فالأمر متوازن بين الحزم وعدم التسامح مع "المجاهرة" بما يهز أخلاق المجتمع وقيمه وصحته بل واللفظ القرآني كان واضحا في ذلك "ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله" مع وضع شروط شديدة الصعوبة بل تقترب من الاستحالة ليتحقق معنى المجاهرة التي توجب العقاب الشديد، وبين أن الأصل هو الستر وفتح الأبواب والمخارج للتوبة وحسن الظن بالمؤمنين فليس العقاب هدفا في حد ذاته بل هو وسيلة نلجأ إليها حينما تكون هي الحل الناجع للحفاظ على حق المجتمع.
ولم نسمع يوما أن الشرع فرق في هذه الأحكام بين الرجل والمرأة مثلا بينما شاع في مجتمعاتنا اعتبار مثل هذه الأفعال بالنسبة للرجل "هفوة" أما بالنسبة للمرأة فهي جريمة قد تؤدي إلى القتل وهو نموذج واضح للمفاهيم والممارسات الجاهلية التي سادت مجتمعاتنا في تعاملها مع الجريمة الأبشع وهي الزنا.
لكنني مازلت أظن أن الدكتور أحمد لم يكن هذه هي النقطة التي تشغله وإنما يشغله أكثر هو تعريفاتنا لما نعتبره جرائم في حق الشرف وما اعترى هذه التعريفات من موروثات لا علاقة لها بصحيح الدين.
أعلم أنني لم أخرج أنا الأخرى عن دائرة التنظير وهي الدائرة الوحيدة المتاحة في حال سؤال عام وردود وتعليقات أكثر عمومية.
لكنني في النهاية أهمس في أذن الدكتور أحمد لأقول: أنني أختلف معك تماما أن الاختيارات المتاحة أمامنا في وطننا العربي السعيد هي التكيف أو الانتقال أو الانقراض. وأن هناك خيارات أوسع أمام من يعيش في هذه الأوطان التي أؤمن بأننا سنطلق عليها يوما بصدق:
الوطن العربي السعيد
تحياتي
26/10/2011
واقرأ أيضًا على مجانين:
أولادنا في رمضان1 / تجربة 2003 / مغامرات في هيئة الأمم (2) / زينة المرأة ليست للإغراء مشاركة1