شكوك دينية، وألم في الرأس، وضياع عمر.
السلام عليكم ورحمة الله؛
جزاكم الله خيرًا على كل ما تقدمون.
أريد أن أبدأ بطفولتي، فقد كان عندي خجل شديد في التعامل مع الناس، وكان وجهي يحمر، وتأتيني رجفة عند الحديث أمام الناس، ومع المراهقة بقيت هذه المشكلة حتى ولو كان تعاملي مع صاحب محلٍ أو سؤالا في المدرسة، وفي هذه الفترة كان يأتيني وسواس قهري في الوضوء والصلاة، دخلت مرحلة الثانوية العامة، ولم أنجح في الفصل الأول، لكن منّ الله عليّ وأنهيت الثانوية بتفوقٍ في المواد العلمية بعد أن نجحت في الفصل الثاني، ثم درست الدبلوم سنتين، وفي خلال هاتين السنتين لم أدرس أبدًا، وكنت أرتبك عندما أقوم بشيء عمليٍ أمام زملائي.
ومرت السنتان، وأقبل الاختبار الشامل لكل المواد التي درستها خلال السنتين، ومنّ الله عليّ بالتوفيق بعد دراسة في أيام الاختبارات، وكان معدلي في هذه السنة الأول على المملكة، ثم جسرت، ودرست الهندسة الميكانيكية، وهنا مذ دخلت الجامعة وإنجازي صفر، تسيطر علي دائمًا أفكار بموضوع الاختلاط، فأشعر أنني لا أستطيع التعامل مع الجنس الآخر، وإذا رأيت مَنْ يكلم فتاةً من زميلاته، أشعر بالضيق، وأضع نفسي مكانه، فتأتيني أفكار بأنني لا أستطيع الحديث مع النساء؛
وأحيانًا تأتيني أفكار بخوفي من اختلاط زوجتي مستقبلا بالرجال، وخوفي من خيانتها لي ومن كلام الناس عنها، وكذلك بناتي، وأخشى أن أكلم زميلاتي ولا يتقبلنني، أو أخشى من كلام الناس عني، ثم أخشى أن أخرج مع فتاة ويتكلم عني الناس، وأحيانًا أقرأ لبعض العلماء ممن يحلّ الاختلاط، فأخشى أن أقع في الكفر إن استحللته، مع العلم أنني عشت في بيئة محافظة، فلم يكن فيها اختلاط أبدًا، فلم أسلم يومًا على بنات خالاتي وعماتي، حتى كنت أخجل من خالاتي وعماتي.
وقد وقعت قبل سنة في حب فتاة، ولم أحظ بالقبول، فصرت أشعر بالنقص إذا كلمَتْ زميلا لها، أو أضافته صديقًا على وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبحت أتابعها في اليوم على وسائل التواصل الاجتماعي عددًا هائلا من المرات يوميًا، وأصبحت أغار عليها إن رأيتها تلبس ضيقًا.
وأيضًا خلال فترة الجامعة صار عندي تغير في الفكر الديني، فأحيانًا أقرأ للملحدين، وأحيانًا لأصحاب الديانات الأخرى، وأحيانا للفرق والمذاهب الإسلامية، وتأتيني شكوك كثيرة، وقبل أسبوعين تقريبًا أتتني شكوك في وجود الله تعالى، وخلال هذه المدة أصابني ألمٌ فظيعٌ في الرأس نغص علي نومي وحياتي، ثم خف قليلا، خلال فترة الجامعة كانت تأتيني أحيانًا حالات خجل، بحيث أرتجف عندما أكلم زملائي، وأحيانًا كنت أتحدث على مسرح أمام 80 طالبًا وطالبةً بتميزٍ، صدقًا إن أجمل وقت عندي هو وقت الرياضة، فعندما أجري أشعر بفرحٍ وسرورٍ وثقةٍ عارمةٍ، وبعد التوقف تعود الأفكار، وما إن تعود الأفكار يرجع معها ضعف التركيز والتشويش.
وعند الدراسة تأتيني هذه الأفكار، فلا أستطيع التركيز، وإن لم تأتِ هذه الأفكار يكن تركيزي ضعيفًا، وصرت قليلا جدًا ما أدرس، وأشعر بعدم القدرة على مجاراة التخصص، وأنني لا أملك وقتًا ولو كان عندي يوم كامل، وكثيرًا ما أغير في كتابة خطتي اليومية، لكنني لا أنفذها، فأراها فاشلة، ثم أعيد كتابتها وهكذا، وأريد أن أذكر أنني خلال فترة المدرسة كنت أمارس العادة السرية بطريقة تؤثر كثيرًا على دراستي.
أما عن التاريخ المرضي للعائلة، فوالدي _رحمه الله_ تُوفِي وأنا ابن ست سنوات، كان يعاني من اضطراب ثنائي القطي، وأخي الوحيد البالغ من العمر (20 سنة) يعاني من ذهان حادٍ، ذهبت إلى طبيب نفسي، وشخص حالتي بالوسواس القهري بعد جلسة استمرت ساعة ونصف، وقال لي: ليس عندك أعراض ذهانية، ووصف لي دواء (فافرين 50 ملغ 3 أيام ثم 100 ملغ) لمدة شهر، ثم أراجعه،
أريد تقييمًا لوضعي، وللتشخيص،
جزاكم الله خيرًا، اعذروني أحبتي على الإطالة.
25/06/2015
رد المستشار
السلام عليكم أخي الكريم، شاكرون لك تواصلك معنا على شبكتنا، واسمح لي بأن أنقل لك تحيات أستاذنا الدكتور (وائل أبو هندي) الذي وضع هذه الاستشارة بين أيدينا، آملين من المولى عز وجل التوفيق والسداد بإرشادك فيما يخص شكواك، ويبدو أن الشكوى هنا منذ مدة بعيدة، وعلى مراحل (خجل اجتماعي في الطفولة– وسواس الوضوء والطهارة في المراهقة – قلق الأداء، وساوس متنوعة في المرحلة الجامعية – غيرة مع تعلق في فترة الجامعة – قلة الثقة بالنفس بسبب طبيعة الأفكار الوسواسية وشكوك وسواسية – أوجاع جسدية محتمل أن تكون نتيجة القلق والضغط النفسي)؛
مع الانتباه للسيرة المرضية عند العائلة، وتشخيص طبي حديث بالوسواس القهري، ويبدو أن القصة المرضية التي سردتها واضحة، لكن لا شيء يمنع من الحصول على رأي طبي ثانٍ، وعمل بعض الاختبارات النفسية التشخيصية؛ بهدف الوقوف على أبعاد التشخيص النفسي لمشكلتك، كون أن هنالك سيرة مرضية للأسرة، فمن باب الاحتياط يجب التأكد من مدى احتمال وجود اضطراب مزاج، وخاصة نوبات زهو (أو هوس) على طول فترات حياتك، فهذا يساعد في تفاصيل العلاج الدوائي والنفسي.
ومن الاختبارت التشخيصية التي ننصح بها اختبار يدعى SCL-90 وهي قائمة أعراض نفسية، تساعد في تشخيص أعراض الاضطراب النفسي عمومًا، إضافة إلى اختبار MMPI الذي يساهم في التعرف على الدلالات التشخيصية المرضية، فرغم التشخيص الطبي كما قلنا موخرًا، لكن من المهم من باب الحرص فحص اضطراب المزاج.
أما بالنسبة للقلق الاجتماعي فهو ذو شكلين، الأول قلق في المواقف الاجتماعية مرافق بالخجل، والخوف، وأعراض جسدية، وتكون الأفكار المترتبة على تلك المواقف أفكار غير عقلانية في تحليل الموقف الاجتماعي، أما النوع الثاني فالفرق فيه أن الأفكار تكون وسواسية، والفكرة الوسواسية هي فكرة ملحة ومزعجة، ليست ذات أساس لكنها تعود وتتكرر بشكل مزعج لصاحبها، والتعرف على جذور الأفكار كونها وسواسية أو لا عقلانية مهم في طريقة العلاج النفسي المعرفي السلوكي، والذي يعتبر من أهم المعالجات المهمة، والناجعة في مثل هذه الحالات.
أما وساوس الطهارة والوضوء، فهي وساوس دينية الهيئة، لكنها لا تفترق عن غيرها من الوساوس القهرية، من حيث كونها وساوس مرضية لها نفس الوعاء الذي تصدر منه، وهو الوسواس القهري، ومرة أخرى فالعلاج السلوكي المعرفي يلعب دوراً كبيراً في علاج هذه الوساوس، حتى وساوس الشك وغيرها، حتى موضوع التعلق الزائد مع التحقق من مواقع التواصل بشكل متكرر، فهو غالبًا ما يكون ضمن السلوكيات القهرية.
إذًا ما تحتاجه _أخي_ إعادة التشخيص بدراسة تشخيصية تفصيلية، ومتابعة العلاج دوائيًا ونفسيًا؛ للحصول على أفضل وأسرع النتائج بإذن الله.
لك منا كل التحية، ولا تتردد في التواصل معنا؛ للاطمئنان على متابعاتك العلاجية.