أبحث عن الاستقلالية!
أنا الآن متزوج وعندي بنت وولد... والدي توفي وأنا عندي 6 سنوات وتربيت مع أخين يكبراني ب11، 13 سنة، كانت أمي عطوفة علي جدا وهي أكثر من قام على تربيتي، تخاف علي، تطلب مني اجتناب ما يثير مشاعر غضب إخوتي, حيث أن أخي الذي هو أكبر مني مباشرة كان غضوب بشيء من الضرب, وأخي الآخر كان يربي بالسخرية والضرب على القفا، ولكن عندما كبرت كانوا يشجعاني على تحمل المسؤولية فبدأت العمل وأنا عندي 16 عشر عاما وكنت أدفع مصاريف معهدي.
ولكني حتى أثناء فترة عملي كنت منتج, وكثيرا ما كان أصحاب العمل يستغلوا طاقتي حيث أني صاحب قوة بدنية رياضية وكنت أحرج من مطالبتهم بها، وكنت أتشفى منهم عندما أتخلى عنهم في وقت حاجتهم إلي وأذهب أعمل عند غيرهم (كنت أعمل في مجال الفراخ)........
وأعتقد أهم وقت في اضطرابي عندما دخلت الجيش, حيث أني كنت أحب الأعمال القيادية حتى تعين علي أعمل حكمدار الفصيلة, وكان مطلوبا مني إدارة العساكر, فبعد فترة تخليت عن دوري إلى أحد زمايلي, وكنت متميزا إلا أني تعبت وخفت على علاقتي بزمايلي، وهذا أول مرة أحب أن أكون ذيل.
واستمر الحال في جيشي على هذا الحال, وبعد تسعة أشهر تزوجت وأنا متبقي لي سنة وخمسة أشهر على انتهاء الجيش، وقاموا إخوتي وأمي وزوجتي على تعمير بيت أبي, وتزوجت مع أمي في نفس الميعاد الذي اتفقت فيه مع عمي، وكنت قليل الحيلة جدا حيث أن جيشي كان طويل في فترة أجازته.
وكنت في جيشي أمر بحالات اكتئاب كبيرة جدا، أبكي، وأشتكي، وقل فيها عزمي.
وطول فترة الجيش كانت أمي متولية المصاريف على زوجتي وزوجتي كانت معها فلوس فكانت تستخدمها أيضا.و،و،و،و...
والمختصر حيث أن جميع ذكرياتي تدور حول هذا الفلك وما أريده الآن هو التغيير.
وأنا الآن قد اكتشفت من خلال القراءة أني أصبحت شخصية تجنبية، اعتمادية..
ومستعد للعلاج مهما كانت مرارته ومدته.
حيث أني قد تألمت من إحساسي أني أندمج بالآخر بشكل أني بعد ما ينتهي بعض الحوارات أشعر أن عقلي قد غيب أثناء الحوار، سريع الاستفزاز فكيف أتصدى للمستفزين، كيف أستطيع الاعتراف بقيمي وأفكاري ولا أبالي بغيري, كيف تقل حساسيتي من مضايقة الآخرين وأطالب بحقوقي من غير شعور بالألم والخوف من قطع علاقاتي.
وما هي المهارات التي أنا محتاجها،
وكم مدة علاجي بالضبط حتى أصل إلى شخصية الاستقلال الفكري والعاطفي.
29/11/2016
رد المستشار
أهلا وسهلا بك أخي الكريم،
أنا فخورة بأن رسالتك كانت أوضح، وأدق، وأصدق من كثير ممن تراهم أنت أفضل منك!، وفخورة بأنك تقرأ، وتتعلم عما يزعجك هنا عندنا في موقعنا النفسي, وسأكون صريحة جدا معك وأبدأ معك وأقول: أنه حتى ينمو الطفل، ويكبر نفسيا بصدق يحتاج، ويتعرض لمواقف وخبرات قد تكون مؤلمة أحيانا، وقد تحمل مخاطرة أحيانا، وقد تحمل مواجهة أحيانا؛ في مناخ يساعده على مواجهة خوفه، وقلقه، يدعمه،
ويبث روح الثقة فيه؛ ليكبر ويستقل نفسيا!، فإن لم يتعرض لهذا النمو وفي ظل مثل هذا المناخ يثبت الإنسان عند مراحل نفسية ضعيفة النمو حتى ولو بلغ الستين من عمره! فيظل حبيسا في خوفه، ويرتعب دوما من تغيير الأشخاص الذين تعود عليهم، ويخاف أحيانا تغيير الأماكن بل والأشياء التي تعود عليها!.
ويبدأ من هنا التجنب، والبقاء في مربع الأمان الذي لم يعلم غيره، حتى لو سيتنازل عن وجوده الحقيقي كما يريده كل يوم!، وكلما مرت الأحداث وعجز عن الخروج من مربع الخوف كلما زاد الألم والغضب، وكلما وجه الإنسان غضبه لنفسه بمعاقبتها من الاستفادة من فرص التغيير والنجاح، وعاقب من حوله عما يتصوره أذى يصل منهم إليه!، وانظر كيف كان أقصى ما فعلته لمن كانوا يؤذونك هو تركهم وقت احتياجهم دون مواجهة؛ لأنك لم تتدرب عليها من قبل، وظللت تنظر لنفسك باحتقار ودونية دون أن تدري أن هاتان النظرتان هما مناخ "الاكتئاب" الذي يعتبر من أول ما تتعرض له الشخصية التجنبية نفسيا، والتي تظهر بوضوح في نبرتك، وبكائك، وانسحابك، وسرعة استثارتك، إلخ.....
والآن سأرد على تساؤلاتك، فأقول لك: الحل الأمثل هو تواصلك مع طبيب نفسي يعالج علاجا أحب أن أسميه أنا علاجا متكاملا؛ يقدم لك فيه علاجا للأفكار الخاطئة التي عششت برأسك تماما للدرجة التي لم تعد تناقشها، أو تتخيل خطئها مثل أنك لا تقدر، ولا تستطيع المواجهة، وعلاجا نفسيا للتخلص من آثار الخبرات القديمة بتفاصيلها، وعلاجا سلوكيا للتدريب على المواجهة، ومهارات التواصل مع الآخرين في علاقات متساوية، وكذلك علاجا دوائيأ مضادا الاكتئاب لن يقل عن 6 أشهر وستجد تحسنا كبير جدا بإذن الله، وأتوقع أن تحسنك سيكون أعلى؛ لأنك ترغب في التغيير وهو أصدق ما تحمله رسالتك لنا، وحتى تتمكن من الوصول. لهذا المعالج يمكنني أن أقترح عليك عدة أمور تبدأ بها:- أول خطوة على الإطلاق ليتحقق تغييرك أن تقبل ما حدث في حياتك منذ ولدت حتى تلك اللحظة!، وقبولك هذا لا يعني "إطلاقا" موافقتك على ما حدث، ولا الاستسلام لما حدث، ولا أيضا "الشجار الداخلي" مع ما حدث سواء ما تحدثت عنه معنا، أو لم تتحدث مهما كان!، ولكن قبولك يعني أنك تقبل تماما بأن ما حدث قد حدث؛ لأنك كنت غير واع أصلا، وكنت أصغر إخوتك، وكانت والدتك تجتهد قدر اجتهادها، وأن ما حدث قد حدث.. ورغم صعوبة هذا النوع من القبول كما أوضحته؛ إلا أنه بوابة التغيير الحقيقي بلا جدال!.
- دراستك، وقراءاتك، وجسدك الرياضي يصرخون بأعلى صوت أن لديك قدرات وإمكانيات لكنها لم تفعل؛ فظلت محبوسة كامنة، لكنها موجودة، ووجودها هو حقيقة شخصيتك بلا تجنبية مزيفة لبستها سنوات وسنوات؛ فلتحررها باستخدامها، وتفعيلها في صورة أنشطة تفعلها مع نفسك يوميا؛ كاالرياضة، والقراءة في مساحات متنوعة، وحضور ندوات، وصالونات ثقافية، الخ.
-المعركة الكبرى الثانية هو "التخلص" من الأفكار الخاطئة التي صدقتها من كل قلبك للأسف للدرجة التي تجعلها أفكار مقدسة لا تقترب منها..مثل.. أن الناس مؤذية، مستغلة، تقهر غيرها!؛ فلا أحد يؤذينا، أو يهيننا، أو يؤلمنا أي نوع من الألم إلا إذا "سمحنا" نحن بذلك!؛ فلتتدرب بشكل متدرج متراكم بأن تقول "لا"، ولكن لا تجعلها "لا" متهورة غاضبة،ولكن اجعلها "لا" مسؤولة هادئة مستقرة، وتحدى نفسك بأن تستمر في تنفيذها بمنتهى الإصرار المهذب!، مثال آخر..... فكرة خاطئة أخرى أن الرفض، وعدم الموافقة لما يقوله، أو يفمر فيه، أو يتصرفه من حولنا؛ تجعلنا نخسر علاقاتنا؛ فالعلاقات التي تنتهي بسبب أننا اختلفنا، أو نريد لوجودها الحقيقي أن يتنفس يعود لطريقتنا غير المقبولة مثلا في ذلك- فالبشر لا يتناغمون مع التجريح، أو الإهانة، أو الغضب، أو التجاهل، أو العند، أو القهر، ولكنهم يتناغمون مع النقاش الناضج الحاسم-، أو أنها لم تكن علاقة حقيقية من الأساس فتركها أفضل!، ولو كانت علاقة قريبة لا يمكن قطعها؛ فرفضك، والتعبير عما تريده بنضوج غير مهزوز سيجعلها باقية وتنضج، وتصح.
-كل مرة تخاف فيها من المواجهة تحدى نفسك وواجه، ولكن كما أوضحت، يمكنك التدرج من بداية صغيرة، فالأكبر، فالأكبر.
-خوفك، ونظرتك لنفسك هي سجنك الحقيقي الأعظم؛ فالبشر لا يتعاركون طوال الوقت، ولا يبحثون عن ضحايا، ولكننا نحن من يفتح لهم هذا الباب بطريقة تفكيرنا التي تؤثر على تصرفاتنا؛ فيسهل ابتلاعنا؛ فلتتحرر من خوفك ولتختبره، وستجده أقل بكثير من هذا البعبع الذي نتصوره.
هذا ما يمكنني أن أقترحه عبر السطور، حتى تتمكن من التواصل الأفضل، والأدق مع معالجك..... هيا ابدأ.
التعليق: السلام عليكم أخ أحمد رجب
كثيراً ما نفتقد في هذا العالم لأناس مرهفي الحسّ، لا يحبون العُنف والمواجهة. وأعتقد أنك منهم
ولكنّا بحاجة أيضا إلى عدم ترك المساحة خالية للذين لا يستحقون المبادرة ويسيئون استغلال الفرص، وهُم كُثر. ولعلّ كثرتهم نابعة من اقتحامهم للمهمات دون تأنيب للضمير أو تحسس من نظرة الآخرين
أعلم ثِقل الألم الذي يشعر به المرء عندما ينظر لنفسه ولا يجدها ترقى إلى معاييره الخاصة، وأعلم أيضا ذاك الألم الذي ينتج عن محاولة تغيير الآليات والطُّرق التي تشكلت وتعاملت بها النفس مع نفسها والناس والعالم منذ نعومة الأظافر... فالألم أنواع ولكن ألم مذاق وشدة معينين..
ويكاد يكون ألمٌ يحيى بموت الآخر والعكس. المعاناة مع الناس جرّاء نظرتك لهم ولنفسك متفاعلة معهم، يقتات على "ضريبة" الأمان الذي نسعى إليه بالتعامل بطُرقنا القديمة الخاطئة. أمّا ألم التغيير والخروج من دائرة المألوف "تفكيرا وسلوكا" فهو يقتات على تلك الراحة التي نشعر بها بعد التصرف طبقا للقواعد القديمة، وكل مُقاومة كما تعلم تستدعي قوة مضادة، وهذا حتى في الجانب النفسيّ.
فإن كان الألم لا بدّ منه ولا يمكن أن ندحره بكل أشكاله، فينبغي أن نختار أي الآلام أكثر ضرراً علينا على المدى البعيد. فألم التغيير لن يُضاهي ألم الفشل في المستقبل مثلاً، وكأنّ ألم التغيير شعور يأتي قبل جني الثمار، أما الألم الناتج عن التصرف بالمألوف والبقاء في دائرة الأمان، يأتي بعد انتهاء الموقف والهروب منه من أجل راحة منشودة و"مؤقّتة" !
أعلم سهولة تسطير هذه الأحرف، علمي بصعوبة تطبيقها عملياً في الحياة اليومية وبعقلية هي نفسها "الناصح والمنصوح" "المذنب والمربّي" ! لذا لا بد من الاستعانة بمختص نفسي كما تقدّمت بذلك الأستاذة بدران، يقدم لك برنامجاً ويعزز ثقتك ويؤكد لك أن ما تمرّ به في مرحلة التغيير شيء عاديّ وأن الناس مهما ظهرت عليهم القوة والجلَد فإنّ لهم نقاط ضعف كما لنا نقاط ضعف وفقك الله ورزقك ثقة تشعر بلذّتها