الهوس والخوف من أمور مختلفة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،
بدايةً سُعدت جداً حينما علمت بموقعكم ، وأكتب استشارتي وكلي أمل أنني سأجد منكم ما يريحني
أولاً أنا فتاة عزباء جامعية ، الحمد لله أعيش في جو أسري رائع تسوده المحبة والمودة والاهتمام والاحترام ، مدللة ومحظوظة بامتلاكي كل ما أتمناه ، وبعد عدة أيام سأتخرج من أفضل التخصصات الصحية الذي طالما تمنيت أن أدرسه ، لا أعلم متى بالضبط بدأت معاناتي مع الهوس ، ولكنني خلال الفترة الماضية - قرابة سنة - بدأت أشعر بهوسي قد أشتد.
ابتدأ بهوس الأمراض ، فكما ذكرت أنا طالبة تخصص صحي هذا ما جعلني ملمة بالكثير من الأمراض وأعراضها وأسبابها ... الخ ، فكلما ظهر عليَّ عرضٌ ما أتخيل أنني مصابة بمرض خطير ومزمن ، وأبدأ بتخيل أعراض أخرى وأشعر بها حقاً من شدة تخيلي! وما إن أتناسى الموضوع يختفي ، فأحاول إقناع نفسي بأن هذه الأعراض كلها وساوس فعندما انشغلت عنها اختفت فيجب علي أن لا أضخم الأمور ، ولكني وللأسف سرعان ما أعاود التفكير بأي عرض صغير يصيبني والبحث عنه ومعرفة أي الأمراض الخطيرة التي تنتمي لها تلك الأعراض , في خلال عدة أشهر عانيت من وساس الإصابة بـ ( مرض السكري، أمراض القلب ، التصلب اللويحي , الإصابة بفايروس زيكا ، اللوكيميا ) !!!
وحالياً أنا أخاف من السكري كثيراً، فلا أستطيع أكل الحلوى كما السابق، أخاف أن أصاب بالسكري إن أكثرت ، وأخاف من مرض النقرس ولا أكثر من اللحوم وآكل أقل من حاجتي بكثير ,
في فترة سابقة تدربت في المشفى وعانيت من خوف من الإصابة بالكبد الوبائي ( رغم أخذي تطعيماته ) والإيدز وأي مرض قد يستمر معي بشكل مزمن ... أنا متعبة من حالي هذا ، متعبة جداً جداً وأُريد حلاً لنفسي !
كما أنني أيضاً أعاني من هوس الموت ، أحياناً أراقب تنفسي وضربات قلبي عند النوم، وعندما أفعل ذلك أهلع وأشعر أنني لن أستطيع الشهيق وسأموت .
ما دعاني لكتابة استشارتي، هو أنني أعيش حالة هوس أخرى ، وهي الخوف من الحرائق، أخاف من أن تنفجر الأجهزة الكهربائية وأنا نائمة ، وأستيقظ وأنا بين النيران، لربما هوسي هذا مرتبط بحادثة حريق بسيط حدث في منزلنا قبل ثلاث عشرة سنة.
كما أنني أخاف من فقدان أهلي، من أن أخطأ خطأً فادحاً، أراقب نفسي كثيراً ويؤنبني ضميري حتى على صغائر الأمور، أنهرني بشدة إن تصرفت تصرفاً غبياً، أو تسلمت ورقة امتحان ذا درجة منخفضة، أشعر أنني فاشلة ومكتئبة وحزينة ، ولا أستطيع أن أخرج نفسي من دوامة تأنيب الضمير والتفكير دائماً ما تسيطر علي أفكاري السلبية، عقلي دائم التفكير يمنعني من النوم العميق، فأنا جدياً لا أذكر متى آخر مرة نمت فيها بعمق لعدة ساعات متواصلة.
أشعر أنني أقل مستوى من غيري من الفتيات من حيث الجمال والحظ والرزق رغم أنني وكما قلت بداية استشارتي أنني محظوظة بامتلاكي كل ما أتمنى ، لكني لا أعلم ماسبب هذه الأفكار!
لم أراجع أي دكتور نفسي سابقاً ، خلال الفترة الماضية وإلى الآن أعاني أحياناً من كثرة تبول، عملت تحليل السكر والبول وأخبرتني الدكتورة أنني مصابة بالمثانة العصبية بسبب التوتر والقلق وطلبت مني أن أريح أعصابي وأهدأ ، وصفت لي دواءً ولكنني لم أخذه توقعت أنه حينما يكون الأمر نفسي أستطيع ضبط أعصابي والتخلص منه ولكنني كنت مخطئة على ما يبدو.
كما أنني أعاني من الإمساك والغازات وأحياناً عدم هضم البراز جيداً بواسطة القولون، فوصفت لي الدكتورة ( أزيماك، دوسباتالين ريتارد، أيوكاربون الطبي ) ولكنني لم أستفد منهم فأخبرتني دكتورة أخرى عرضت عليها مشكلتي أن ذلك بسبب التوتر والقلق.
أنا متعبة، أرجوكم أرشدوني ماذا أفعل ؟!
10/5/2017
رد المستشار
أشكرك "أنوار" على لجوئك لموقع الشبكة العربية للصحة النفسية الاجتماعية، وثقتك في القائمين عليه، فإن هذا السرد الواضح والبين لطبيعة المعاناة التي تعانينها والتي سردتِ أعراضها بتفصيل حسن يعين على الوقوف على حقيقتها يبيِّن أنك بحمدِ الله فتاة لديك الفهم، ولديك الإدراك الجيد والحسن لطبيعة ما تمرين به، إنك في حقيقة نفسك تدركين تماماً أن هذا الذي لديك إنما هو أمر لا علاقة له بأسباب عضوية، فأنت سليمة معافاة بحمدِ الله من الناحية العضوية فلا مرض لديك لا في قلبك ولا لديك أي بوادر ولا لديك أي آثار على أمراض خطيرة فتاكة كالسرطان وغيره، وأنت مدركة هذا تماماً لاسيما وأنه يفهم من كلامك أنك قد أجريت بعض الفحوصات في هذا الشأن، ولكن لديك شعور بالخوف من هذه الأمراض، لديك خوف أن تصابي بمرض السرطان فيفتك بك وتنتهي حياتك بعد ذلك، وإن لم تصرحي أيضاً فلديك شعور عام بالخوف من الأمراض مطلقاً لاسيما الأمراض الفتاكة والأدواء التي يخشى منها ويحذر منها، وبعبارة أخرى: لديك الخوف من الموت..
فالذي لديك في الحقيقة هو نوع من المخاوف من المصائب، سواء كانت هذه المصائب في البدن كالخوف من الأمراض أو كانت مصيبة الموت نفسها أو كانت ربما مصائب أخرى لم تشيري إليها في كلامك، وهذا قد يكون واقعاً وقد لا يكون، والمراد أن جنس المخاوف هي التي لديك، وهذا له سبب قد حمل عليه، فإذا عرفت السبب فإنك بإذن اللهِ سوف تتوصلين إلى فائدة عظيمة سنشير إليها بعد سرد السبب الذي أدى هذه الحالة التي أنت فيها.
فأصل ذلك أن تعلمي أنك في الحقيقة فتاة مؤمنة بقضاء الله وقدره وتعلمين في حقيقة نفسك أن كل الأمور بيد الله عز وجل، ولكن لديك شعور لطيف، بمعنى أنك لا تحبين الضرر لأهلك ولا تحبينه كذلك لنفسك، وهذا قد نما فيها حتى وصل إلى شيء من الخوف من الوقوع في الأمراض الخطيرة، فثبت بهذا أن الذي لديك هو مجرد وساوس نشأ من شعورك المرهف الذي يجعلك حساسة تتحرزين من هذه الأمور، فأنت لا تحبين أن تقع عيناك على هذه المناظر، وفي نفس الوقت لا تحبينها لنفسك ولا لأحبتك من أهلك مثلاً، فنما هذا الشعور في نفسك وتأصل حتى صار مخاوف وحصلت الاستجابة لها بالفعل.
فالسؤال هنا: هو هل شعورك الآن بأن لديك أوراماً سرطانية هل هذا الشعور سيدفع عنك حصول هذه الأورام لو قدَّرها الله؟
فحلُّك إذاً هو أن تقفي على حقيقة واضحة تضعينها في قلبك ونفسك: إنها أوهام ووساوس يلقيها الشيطان لأجل أن يفسد عليَّ حياتي، لأجل أن يزلزل يقيني بالله، لأجل أن يجعلني بعيدة عن ربي، لأجل أن يفسد عليَّ إقبالي على الله تعالى وإقبالي على مصالحي في الدنيا فاستسلمت أنا بذلك فحصل ما حصل فهي نزغ من الشيطان وقد وقع لي استجابة لها وكان علي أن أقاومها وأن أتصدى لها بأمر عظيم: إنه التوكل على الله... فتذكري - وأنت الفتاة المؤمنة – هل يستطيع أحد في هذه الدنيا أن يدفع عنك ضرّاً أراده الله بك، أو نفعاً أراد الله أن يوصله إليك؟! إن الجواب بيقين: كلا لا أحد يستطيع .. إذاً فعلام الجزع وعلام الخوف من أمور لم تقع أصلاً ولا دليل على وقوعها بل كل الشواهد تدل على عدمها ولله الحمد؛
ولذلك قال تعالى: { قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:51]، فلن يصيبك إلا ما قد قدَّره الله لك، فلا يغني حذرك من القدر، فلا يغني حذر من قدر.
وأيضاً فقد أرشدك إلى أن تفوضي أمرك إلى من يتولاها وهو ربك؛ ولذلك قال: { هُوَ مَوْلانَا }[التوبة:51]. ثم أرشدك إلى أصل عظيم ألا وهو التوكل على الله،
فقال: { وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِالْمُؤْمِنُونَ } [التوبة:51]، وها هو نبيك - صلوات الله وسلامه عليه: {واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك. رفعت الأقلام وجفت الصحف} أخرجه الترمذي في سننه..
وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر جليل عظيم: {احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة. قد جف القلم بما هو كائن، فلو أن الخلق كلهم جميعاً أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يقضه الله لك لم يقدروا عليه، أو أرادوا أن يضروك بشيء لم يقضه الله عليك لم يقدروا عليه. واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً }.
فتأملي كيف نبه النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى أن مقام التوكل يدفع مقام الخوف من المصائب والخوف والتوجس منها وبذلك بأن يعلم العبد أن ما أخطأه لم يكن ليصيبه وما أصابه لم يكن ليخطئه؛ ولذلك ختم النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث العظيم الجليل بهذه اللفظة: {واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك}.
فلابد إذاً من أن تحققي النظر في حقيقة هذه المخاوف وهذه الوساوس التي تعرض لك وألا تستجيبي لها، فدواؤك هو معرفة أنها من نزغ الشيطان ومن استرسال النفس الأمارة بالسوء، ثم بعد ذلك مضادة هذه الوساوس وعدم الالتفات لها، واسألي نفسك: ما الذي سأجنيه من هذه المخاوف فلو كان الخوف دواءً لأخذناه ولعملنا به ولكنه ليس هو دواءٌ بل هو داءٌ... وها أنت ترين بحمدِ الله غيرك من الناس يعيشون حياتهم طبيعية، بل إن بعض من يمرض بهذه الأمراض يعيش حياته سعيداً راضٍ بما قسم الله تعالى به، مع أنك بحمدِ الله لا دليل أبداً على أنك مصابة بشيء من هذا الأمر، فتذكري أن التوكل على الله جل وعلا هو دواؤك، وأن الغفلة عن ذلك هو الداء والاسترسال مع هذه الوساوس هو الاسترسال مع الشيطان ومع نزغ النفس الأمارة بالسوء، فقد عرفت الداء وعرفت الدواء، فلم يبق إلا أن تضادي هذه الوساوس وأن تحقريها ولا تلتفتي إليها، فأنت تعرفين أنها أوهام وأنها ستجعلك من المريضين نفسيّاً، فهل رضيت لنفسك بالاستسلام لهذه التوهمات حتى تحكمي على نفسك وأنت عارفة بطبيعة وضعك أنك مريضة نفسيّاً؟! فلابد إذاً من أن تخرجي من كل هذه الأوهام وألا تلتفتي إليها.
إن عليك أن تدركي تماماً أنك بهذا الأسلوب سوف تعيشين في دائرة مغلقة تدورين في الخوف من الأمراض والخوف من الموت حتى تعيشي حياتك تعيسة كئيبة، ولكن إن خرجت من هذه الأوهام فستجدين أنك انطلقت انطلاقتك الرحيبة - بإذن الله جل وعلا – ولن تنطلقي إلى ذلك إلا بالقرب من الله بعد التوكل عليه كما تقدم، كوني قريبة من الله، فها أنت تصلين وتحافظين على صلاتك، ها أنت تستغيثين بربك وتدعينه أن يثبتك وأن يشرح صدرك وأن يملأ قلبك إيمانا وحكمة وتوكلاً عليه: { رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ }[الممتحنة:4].
وأوصيكِ ببعض الأدعية على سبيل المثال لا الحصر:
(رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري)،
(يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)،
(اللهم إني أعوذ بك من البرص والجنون والجذام وسيئ الأسقام)،
(اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن اغتال من تحتي)،
فهذا هو سبيلك.
وأيضاً فعليك بالصحبة الصالحة، وممارسة الرياضة اللطيفة التي ترفه عن نفسك كرياضة المشي، وهذا لابد منه في هذا الوقت للتنفيس عن طاقاتك النفسية فتبدئين في الأسبوع الأول برياضة المشي لمدة نصف ساعة ثم تزيدينها في الأسبوع الثاني إلى أربعين دقيقة وتستمرين على ذلك وكلما أمكن الزيادة شيئاً ما فهذا أفضل، حتى توصلينها إلى مدة ساعة ليكون ذلك نوعاً من التغيير ونوعاً من العطاء دون خوف ودون أن يقع في نفسك أنك قد تمرضين وأنك قد تسقطين، فلا التفات إلى كل هذه الأوهام.
فاعرفي أن الوهم ليس له علاج إلا بأن يعرف أنه وهم وأن يطرح ولا يلتفت إليه، فألقيه وراء ظهرك وأقبلي على ربك، وقد عرفت الداء والدواء، والله يتولاك برحمتِه ويرعاك بكرمه، ونسأل الله عز وجل أن يشرح صدرك وأن ييسر أمرك وأن يجعلك من عباد الله الصالحين وأن يوفقك لما يحب ويرضى وأن يعيذك من شر الشيطان ووساوسه ومن شرور النفس وهواجسه، وبالله التوفيق.
واقرئي أيضًا:
وسواس المرض
طيف الوسواس OCDSD وسواس المرض Hypochondriasis