حائرة.... ولا أفهم ما أريد !
أنا امرأة عمري 23 سنة, أدرس في كلية الصيدلة, تزوجت عندما كنت في المرحلة الثانية من الجامعة, وأنجبت طفلة في السنة الرابعة والآن أنا في السنة الخامسة والأخيرة, أنا منذ صغر عمري أحب الالتزام الديني رغم أن عائلتي متوسطة الالتزام. التزمت بالحجاب والجلباب في سن مبكرة خلافاً للجو العائلي العام, وتزوجت عندما كان عمري 19 من شاب ملتزم بالدرجة التي كنت أحبها, إلا أنني خلال هذه السنوات الأربعة من زواجي, بدأت أفكاري تتغير وأصبحت أقل رغبة في الالتزام الديني. وبدأ دور الدين يقل في حياتي بشكل تدريجي رغم محافظتي على نفس الحجاب بناء على رغبة زوجي. تغيرت فكرتي عن الدين والمتدينين وأصبحت أقتنع أن الله لا ينظر إلى التفاصيل (شكل الحجاب ولونه، سماع الأغاني، قراءة القرآن لفظاً، وضع المكياج).
صرت أرى أن التزاماتي القديمة ليست سوى أوهام ومبالغات وتزمت وعدم نضج, هذه الحيرة تجعلني أقضي أكثر وقتي في التفكير في الفراغ, فأحيانا أنظر لنفسي على أنني منافقة تظهر خلاف حقيقتها, وأحيانا في التفكير في كيفية إقناع زوجي بالتغيير وارتداء ما يناسب حالتي الدينية الجديدة. بالنسبة للدراسة فأنا لا أعاني منها رغم إنجاب طفلتي خلالها. أنا قادرة على تنظيم وقتي ولكن أكثر ما يضيع وقتي هو الاستغراق في التفكير في موضوع التزامي الديني ومن أنا بالضبط. والتفكير في حقيقة ما يريده الله من الناس. وكثرة الحيرة والتفكير أثرت جدا على حالتي النفسية وعلى تركيزي واحترامي لذاتي.
أتمنى منكم مساعدتي ولو بكلمة.
وسأكون شاكرة جدا.
8/6/2017
رد المستشار
الابنة السائلة:
الحيرة التي تمرين بها يشاركك فيها كثيرون وكثيرات، وهي قديمة مرت بها أجيال سابقة، ولكنها كانت دائما مكتومة، ومسكوت عنها، واليوم صارت معلنة، وهذا ممتاز حتى نرى الشكوك والتساؤلات تحت مجهر العلم، والمنطق، والفلسفة، وبقية علوم الدنيا والدين!!
حلمت كثيرا، ودعوت إلى تحرير مساحات يكون فيها النقاش مفتوحا حول كل شيء، ولا تتصورين مقدار سعادتي وأنا أرى هذه المساحات تنفتح رويدا رويدا، ومنذ بضعة أشهر تعرفت على مجموعة هدفها أن يعرف الإنسان نفسه، يعرف ربه، وفيها تنطرح الأسئلة والشكوك والانتقادات في إطار إنساني روحاني وجودي لا ينغلق، ولا يستثني، ومن ثم يحضر هذه الجلسات أشخاص متنوعون منهم من يرى نفسه حائرا في اعتقاده، ومنهم من يرى نفسه ملحدا في اللحظة الراهنة، ومنهم من يرى أنه مؤمن يراجع إيمانه، إلخ...
وأتمنى أن تتوسع وتنتشر مثل هذه الجلسات حتى تصل إلى كل أرجاء العالم العربي الذي أراه محتاجا لهذا بشدة.
وحتى تصل هذه الجلسات إلى بلدك سيكون عليك البحث بنفسك، والتشاور والتحاور مع كل من يفيدك التواصل معهم بشأن ما لديك من تساؤلات، وكل سؤال له جواب، والمعرفة هي ترياق سموم الجهل، ولدينا منه الكثير!!!
والتفكير في نفسك، وفي الدين من حيث هو علاقة بينك وبين الله، وما يريده من الناس ....إلخ، هو من أشرف وأنفع وأعمق التفكير على وجه الأرض، وهو بالتأكيد أهم من التفكير في السلع، والماديات، والشراشف، وغيرها.
ما هو الدين والتدين؟! ما هو الالتزام الديني إذاً؟! وما هي السلوكيات التي يسلكها المؤمن الناضج؟! أسئلة مشروعة، ومهمة، وغائبة !!!
وإذا بحثت، ولم تجدي جهة تنفتح للتحاور معك أرجو أن تعودي لنا ثانية، ربما نستطيع أن نجد لك طرفا تتواصلين معه!!
الحديث عن تساؤلاتك يطول، ولن يصل إلى مستوى التفاصيل التي تستحق النقاش المستفيض، ولكنني هنا سأقتصر على الجزئية التي أفردت لها القدر الأكبر من رسالتك قناعتي أن الزي المحتشم المسمى "حجابا" هو تدبير اجتماعي يتعلق بالذوق، واللياقة، وتنظيم حياة المجتمع أكثر منه يتعلق بالحالة الدينية.
لكل مجتمع قيم وآداب ونظم، ومنها ما يسمونه الكود "Dress Code ''مما يتعلق بالزي المتعارف عليه، أو مواصفات الملابس المقبولة للظهور بها في المجال العام، وهذا الكود من المفترض أن يكون موضع توافق عام غير مكتوب ولا مقنن، ولكن بعض الأنظمة تضعه في قوانين حين تمنع التعري الجزئي أو الكلي في المجال العام – مثلا، وهذا الأمر موضع جدال كبير حاليا في أكثر من بلد غربي، وبسهولة يمكنك متابعة هذه النقاشات حول تعرية صدر المرأة، أو التعري الكامل في المجال العام، وهل هي حرية شخصية أم مخالفة قانونية؟!
في كل الأحوال ليس الأمر لدينا بهذا الوضوح، ولا الموضوعية في الطرح!! لأنه عندنا تحول الحجاب إلى علاقة طائفية، وبدلاً من أن يكون مدخلاً للبساطة، والتقارب الاجتماعي، وتذويب الفوارق بين الطبقات الاجتماعية، وشكلاً من أشكال التوافق على الاحتشام المقبول في ثقافة تحترم خصوصية الجسد، وحريته... صار الحجاب موضع نزاع بين من يبالغون في أهميته حتى يكاد أن يكون لديهم من أصول الاعتقاد!! وآخرون يرونه علامة تخلف، وغطاء على العقل!!
وفي هذه البيئة نشأت الشبهة التي لديك، وهذه الحيرة التي انفجرت لدى كثيرات يرتبط لديهن – مثل المحيط الذي حولهن – الزي والملابس بالالتزام الديني، وليس الالتزام المجتمعي، كما أحاول أن أشرح، بحيث أصبح شكل هذا الزي معبرا عن درجة التدين، وهذا عجيب غريب!!
وأصبحنا نرى عجائب أخرى حين صارت نوعية ملابس المحجبات ميدانا للتفاخر والزينة فهذه ترتدي غطاء للرأس صناعة إيطالية، وتلك ترتدي تنورة من باريس، وهكذا، حتى ضاع الغرض الاجتماعي الذي هو أساس تشريع الحجاب كما أفهمه لمصلحة تغطية الجسد بلباس شهرة، وأحياناً بألوان أو خامات أو أسعار تهدم فكرة الحجاب، هذا فضلاً عن أشكال تشف، أو تصف، أو تحدد ما تحتها!!
بناء على ما تقدم أعتقد أنك بصدد تغيير السؤال الذي يحيرك ليصبح كما يلي:
هل أنت مهتمة باحترام فكرة أن يكون للمجتمع نظام ملابس يحترم الاحتشام، ويدعم الاحترام المتبادل، والتقارب الطبقي، وثقافة خصوصية الجسد، أم أنك تفضلين المظهر الإفرنجي، والملابس الغريبة على الموضة، أو ما يراد له أن يكون هو لباس المرأة في كل العالم؟!
لباس الخصوصية الثقافية، والكود المجتمعي موجود بوضوح في الأقطار الأفريقية، وفي الهند، وغير ذلك من أقطار، بينما النساء في أماكن أخرى يخترن أن تكون أجسادهن مساحة للإعلان عن ماركات الثياب، ومستحضرات التجميل بهذا القدر، أو ذاك.
ومقصد الدين من الحجاب هو ليس أن يكون معبرا عن التقوى التي في القلوب، ولا الخشية التي في الصدور بقدر ما أن يكون معبرا عن الثقافة، والانسجام المجتمعي، واحترام خصوصية الجسد، وهي مسائل تكاد تكون غائبة في غمرة الفوضى، والانقسام، ومعارك الصراعات اليومية داخل كل مجتمع عربي. ولا يخفي عليك أن هذه المسائل الغائبة هي أيضاً مرتبطة بالتقوى، والعمل الصالح، ولكن من جانب آخر تماما غير المباشر الذي ربطت به الأفهام والممارسات بين الحجاب، والإيمان، واعتبرته تجلياً مباشرا لروحانية الإيمان، وهو ليس كذلك!!
أردت بكلامي هذا أن أساهم معك في مسارات نضجك بحيث لا يكون الأمر مجرد خروج من أوهام قديمة إلى أخرى جديدة تربط كشف الجسد بالتحرر الفكري، أو بالنضج العقلي، أو بالاعتدال السلوكي!!
أهلا بهذا الحوار بيننا، والذي أعتقد أنه يهم كثيرين وكثيرات، ولعل زوجك يدخل طرفا فيه معنا، وتابعينا بأخبارك.
واقرئي أيضًا:
الحجاب والهوية نص أول مثير مشاركات
الحجاب وانتشار الهوية الشخصية
زوجتي ستخلع الحجاب، لازم أطلقها ؟
محجبة تتساءل: أخلع حجابي أم أبقيه؟
هل رفض الحجاب مرض نفسي؟
في بلاد العري: غريبة تسأل عن حجاب م
هنا وحجابها
حجاب المسلمة، وجهةُ نظرٍ طبنفسية
ويتبع >>>>>: ندم، وتفكير، وقلة حيلة: يوميات حائرة ... م