وحيدتي المراهقة عنيدة
السلام عليكم..
أنا أم لفتاة عمرها 14 عاما وهي وحيدتي، هي فتاة جميلة وذكية ولبقة، لكن مشكلتها أنها عنيدة جدّا وعصبية، فحينما أطلب منها شيئا تلح لمعرفة السبب، ولا تتوقف عند هذا فقط، بل تطالب بشرح وافٍ وحجة مقنعة حتى تقوم بذلك الأمر.
ولعلّ السبب في عنادها هو أنني أدللها جدّا منذ طلاقي من والدها قبل 7 سنوات، فلا أرد لها طلبا، وقد حاولت كثيرا أن أخفف من تدليلي لها فلم أستطع.
كما أنها تكره والدها كرها شديدا مع أني لا أذكره بسوء، بل على العكس أبرز محاسنه أمامها، فكلما يأتي لزيارتها -مرة أسبوعيّا- تتهرب منه وإذا لقيته فإنها تحدثه بغضب واقتضاب شديد، بل إنها في إحدى المرات قالت له: "بكرهك كتير"، وهربت.
وحينما سألتها عن السبب أجابت: "بابا هو اللي دمر حياتنا وخلانا نعيش بفراغ عاطفي، وهو بيظن إنه بزيارته بخليني أحبه، أنا بكرهه كتير". وقد صدمت من هذا الأمر كثيرا، فوالدها يدللها بدوره ويحضر لها الهدايا دائما، كما أنه يتصل بها هاتفيّا كل يوم، فلماذا تكرهه؟!.
وهناك أمر آخر، وهو أنها تعرفت مؤخرا على شاب في المدرسة وأصبحت متعلقة به كثيرا، وهي دائمة الاتصال به، ومنذ تعرفها عليه أصبحت تهتم بشكلها كثيرا وتكثر من الخروج مع صديقاتها بعد المدرسة، حيث أسمح لها بذلك لأني أتأخر في عملي حتى الخامسة.
وحينما سألتها عن طبيعة علاقتها بذلك الشاب أجابت بارتباك وبسرعة: علاقة زمالة عادية جدّا فقلت لها: إذاً لماذا كل هذه المكالمات الهاتفية؟ فردت: أنا آخذ منه الواجبات المدرسية فقط، ولم أشأ أن أحرجها أكثر فسكت.
فماذا أفعل معها؟ وكيف أخفف من عنادها؟ وهل بإمكاني أن أجعلها تحب والدها؟.
أرجو ألا أكون قد أطلت عليكم، مع جزيل الشكر.
24/7/2017
رد المستشار
سيدتي العزيزة.. أهلا وسهلا بك على صفحتنا استشارات مجانين وشكرا جزيلا على ثقتك.
من الواضح يا سيدتي أن جوهر المشكلة التي اعترت سلوك ابنتك لا يمكن مناقشته بمعزل عن المرحلة العمرية التي تمرُّ بها البنت، فنحن نناقش سلوكيات بنت في مرحلة المراهقة، وهو ما يجعل كثيرا من التصرفات والسلوكيات التي تأتيها متوقعا في إطار التغيرات النفسية والمعرفية والجسدية التي تطرأ على البنت في تلك المرحلة.
فأما أنها عنيدة جدّا وعصبية، فهذا نراه في إطار السواء كرد فعل على الكرب الذي تمثله المراهقة، فنجد أن المراهق أو المراهقة غالبا ما يوصفون ممن حولهم من المقربين بأنهم مثلما وصفت أنت ابنتك بقولك في إفادتك (حينما أطلب منها شيئا تلح لمعرفة السبب، ولا تتوقف عند هذا فقط، بل تطالب بشرح واف وحجة مقنعة حتى تقوم بذلك الأمر) ويفسرون ذلك بأنه عناد أو تفلسف في الصغيرة والكبيرة، هذا إذن تغير سلوكي طبيعي الظهور في مرحلة المراهقة، وقد يصل أحيانا إلى درجات تسبب المشاكل.
إذن ليس تدليلك لها بسبب انفصالك عن والدها بالطلاق هو سبب عنادها وكثرة طلبها لمَنْطَقَةِ الأمور وتأكيدها على مبدأ الإقناع، وإنما سبب ذلك هو أنها في مرحلة المراهقة يا سيدتي، ولكن كلاّ من: موقفها النفسي من والدها، وذكريات تدليلك لها، إضافة إلى ما قد يكون بدر من كلمة من هنا أو من هناك.. كل ذلك قد يكون فاعلا في إيصال التفاعل بينكما إلى درجة مشكلة.
وأما ما يبدو كأنه انفلات معنوي في مشاعرها العاطفية وأسميته أنت بالتعلق في علاقتها بزميل دراستها ذلك، فلا نستطيع فهمه أيضا خارج إطار محورين؛ أحدهما هو أنها مراهقة وهو ما يوجب التعامل معها بصدقٍ وحميمية وحزم في نفس الوقت، وأما المحور الآخر فهو محور اضطراب علاقتك أنت بوالدها أو ما أدى إلى الانفصال وبدا واضحا أن فكرة البنت عنه تختلف عما تقولينه لها!.
فهل لدى البنت أفكار تتعلق بوالدها غير ما زرعته أنت؟ هل لدى البنت إجابات تختلف عما أجبتها أنت به عن بعض أو كل الأسئلة فيما يتعلق بـ "لماذا انفصلت عن أبي؟".
إن ما تراه البنت هو (بابا هو اللي دمر حياتنا وخلانا نعيش بفراغ عاطفي، وهو بيظن إنه بزيارته بخليني أحبه، أنا بكرهه كتير)، في حين أن رأيك أنت في ذلك هو الاستغراب وعدم الفهم؛ إذ تقولين: (وقد صدمت من هذا الأمر كثيرا فوالدها يدللها بدوره ويحضر لها الهدايا دائما، كما أنه يتصل بها هاتفيّا كل يوم، فلماذا تكرهه؟).
لقد حدث انفصال والديها، وهي ذات سنوات سبع، فهل ترينها كانت أصغر من أن تفهم أسباب الانفصال؟ ثم إن من المحتمل (كما يمكن الاستنتاج من وظيفة كل من الأم والأب) أن علاقتك مع الأب كانت علاقة وثيقة ربما في العمل والبيت، باختصار لا بد أن أحداثا عاصفة جرت والبنت تدري بها، ولا أدري ماذا قلت أنت وماذا قال هو؟ وماذا قال الآخرون؟، ولا أدري أصلا ماذا حدث وأدى إلى أبغض الحلال؟ إذن لا أستطيع مع الأسف هنا أكثر من طلب معلومات على الأقل عن كل تلك الملابسات لكي يكون من الممكن تقديم إرشاد نفسي أو تربوي.
إذن فقبل أن نجيب على أسئلتك: (فماذا أفعل معها؟ وكيف أخفف من عنادها؟ وهل بإمكاني أن أجعلها تحب والدها؟) نحتاج إلى معلومات تبين لنا ما قد يفسر تباين نظرتها لأبيها مع النظرة التي وددت أنت غرسها فيها؟ كما يهمنا أن نصل إلى استنتاج: هل لاضطراب علاقة الوالدين علاقة بالمشكلة الحالية أم إن الأمر كله ممكن التفسير في إطار سلوكيات مراهقة تتسم بالتقلب الانفعالي؟. ثم ما معنى أنك أخفقت في التخفيف من تدليلها؟ حتى إنك لم تريدي إحراجها في موقف خوفك من تعلقها (كما تصفينه) المفرط بزميل الدراسة (كما تسميه هي)؟ ثم هل مشاعرها الرافضة تجاه والدها طارئة أم أنها قديمة معها منذ حدوث الطلاق؟...
كل هذه أسئلة ينبغي الإجابة عليها يا سيدتي لمن يقيم الموقف.
وما ننصح به هو أن تقيمي الموقف عندك مع من حولك، فإن رأيت الأمور تحتمل الصبر الذي تفرضه علينا وسيلة اتصالنا عبر الإنترنت، فبها ونعمت وتابعينا بالتفاصيل وانتظري انطباعنا وبعض إرشادنا على استحياء. وأما إذا وجدت الأمور لا تحتمل ذلك فاسألي عن أقرب طبيب نفسي متخصص أو معالج نفسي متخصص من ذوي الخبرة في مشكلات المراهقة والعلاقات الأسرية، واطلبي العون -بعد الله تعالى- منه، وتابعينا أيضا بالتطورات، فنحن معك.
ويمكنك متابعة الموضوعات التالية لمزيد من المعلومات :
ابنتي المراهقة وتصرفاتها ماذا أفعل؟
ابنتي ذات الـ16 تنوي الهروب من المنزل !
نفس اجتماعي: الرشد المبكر Adolescence
التعليق: السلام عليكم أختنا نادين، وحيا الله عزيزي الدكتور وائل
أود أن أنبهك عن شيء بخصوص "ذكاء ابنتك" وطريقة طلبها في كل مرة لأسباب منطقية بالتفصيل. كما تقدم به الدكتور وائل من أن ذلك راجع لمرحلتها العمرية وتقلباتها الوجدانية والمعرفية. إلا أن من الممكن وجود "تغييب" لها عن مشكلات الحياة بحجة أنها صغيرة. وبما أنّها حساسة وذكية وقوية الشخصية، يمكن أن يشكل هذا إحراجا لها وتنقيصا منها ومن جدارتها في فهم الحياة !
فراجعي طريقة تعاملك معها وتعامل أبيها معها. فقد تكون المعاملة بالتدليل وتلبية الطلبات والتعبير عن الحب (على جماليتها وروعتها) غير كافية لها. فهي تحتاج مشاركة فعلية في المشاكل وسماع رأيها ومشاورتها في القرارات، وإعطائها تبريرات منطقية. فلم تعد صغيرة كما تظنون.
فأنت تظنين أن مجرد سرد مميزات وحسنات والدها، وتدليله والدها لها، كاف لضمّها لصفكم. لذلك صُدمْتِ لما تفاجأت بأن لها نظرة وتصورا بعيدا عمّا تريدين تحديد معالمه لها. وهذا يدل على أنها تبني أفكارها بنفسها بعيدا عن تلك "الطريقة الساذجة الطفولية" في نظرها. التي مفادُها: نحن ماما وبابا ونحن نحبك وها نحن نترجم لك حبنا لك فأحبينا أنت أيضا.
بمعنى آخر قد يكون من الخطأ إدخالها في قوقعة مثالية عن علاقتكما ومشاكلكما وعن الحياة ككل. ومن الأفضل الحديث معها بنضج ومسؤولية عن إكراهات الحياة، دون الدخول في تفاصيل صادمة لا حاجة لها بها، وأيضا دون إصباغ "طابع وردي طفولي" على المشاكل والنزاعات.
وإن كان ظني صحيحا، فإن أي محاولة لتبسيط الأمور أو إخفائها ستعتبره "تقليلا من قدرتها على الفهم" مما سيجعلها أكثر عنادا وأكثر توترا. تحيتي لك.. وحاولي أن تكوني أكثر منطقية ومشاركة معها. وأيضا لا تخجلي من ابنتك في قضايا تربوية، فإن فضلت أن تغمضي عينك عن حقيقة ما تمرّ به، قد تفتحين عينيك على شيء لا تحبينه وحسبته لن يقع. وحاوريها وناقشيها بجرأة وحدثيها عن احتمالات صدمتها عاطفيا، ولن تقبل منك الصراحة فيما يخصها حتى تحدثيها أنت أيضا بصراحة فيما يخصك وأباها. وإلا سمعت جوابا تُنكر فيه أي مشاعر أو ميول عاطفية لذلك الشاب. مع أني أتفهم حاجتها لحُضن رجولي. لكن هذا لا يخلو من أخطار.