التوهم المرضي حول حياتي إلى كابوس
السلام عليكم أما بعد فأتمنى من الدكتور وائل أبو هندي أن يجيبني على هذه الاستشارة نظرا لتخصصه في الوسواس القهري وما جاوره من أمراض مشابهة
بشكل مقتضب فأنا أعاني معاناة شديدة من توهمات تنغص علي حياتي فأنا أقوم بتشخيص إصابتي بالسرطان مرات كثيرة تقارب عشر مرات لحد اللحظة
عانيت من وسواس الإصابة بمرض سرطان القولون استمر لمدة تقارب الستة شهور فحاولت جاهدا علاجه بوصفات مختلفة وقد بدأ هذا الوسواس اللعين بعد قراءتي لأعراض سرطان القولون عبر الانترنت مما جعلني أجزم بما لا يدع مجالا للشك أنني مريض بالسرطان فتجدني يا دكتور طول النهار مكتئبا حزينا لمصيري المحتوم فتبت إلى الله وبدأت المواظبة على الصلاة لأنني لن أعيش أكثر من مدة زمنية. تراوح عقلي وتراوح كياني النفسي فتزعزعه وتجعلني طول النهار أفكر في أعراض المرض وصدقني فقد زرت مئات الصفحات عبر محرك البحث جوجل يوميا حتى أصبحت موسوعة في هذا المرض،
والأدهى من ذلك يا دكتور أنه رغم معرفتي بإصابتي بهذا المرض إلا أنني كنت أخشى زيارة الطبيب والسبب أنني أتخيل تلك اللحظة العصيبة التي يخبرني الطبيب فيها بإصابتي بالمرض وحالة الانهيار التي ستقع لي أولا ولأمي ثانيا التي تعتبر سندي الأمين وصدقني فقد عذبتها كثيرا بسبب هذا الوسواس اللعين الذي لازمني لمدة طويلة فيختفي فيعود مجددا لكن بأسباب أخرى وأعراض جديدة .
رافقتني أمي عنوة إلى طبيب عام بعد أخذ ورد فقد كنت بالبداية أرفض الذهاب بحجة أنه وبحسب تحليلي للحالة فإن المرض وصل للمرحلة الثالثة ولا سبيل للشفاء فقط سأحرج نفسي وأحرج أهلي .
انتهت أعراض القولون فبدأت أعراض المعدة فكانت أشد وطأة علي وجعلتني أفقد وزنا كبيرا فلما علمت أن من بين الأعراض فقدان الوزن صرت أذهب للميزان العمومي يوميا لمدة شهرين فأصبحت عندي مزبلة أوراق كلها تحمل أوزانا مختلفة وكم أحسست بالرعب والخوف وجزمت الإصابة بسرطان المعدة لما وجدت أن وزني بالبداية كان ثلاثة وخمسين كيلو فأصبح سبعة وأربعين ،
حاولت طمأنة نفسي أنها مجرد قرحة فذهبت للصيدلية وطلبت دواء علاج القرحة فتناولته لمدة أسبوعين حتى أنهيته ولم ألاحظ تحسنا قط فزاد يقيني أنه ليس بقرحة وأنه المرض المعلوم فبدأت الأعراض تختفي تدرجيا بعد أن ضقت الأمرين لثلاثة أشهر لم أذق فيها طعم الراحة إلا ببضعة ساعات باليوم ،
ظهرت عندي بواسير فأولتها أنها ورم بنهاية القولون أدت لظهورها لكن هذا التوهم لم يستمر كثيرا كما حدث معي مع القولون والمعدة سابقا،
بدأت الأعراض (الانتفاخ والمغص الخ) تختفي شيئا فشيئا حتى اختفت تماما واختفت معه هذه الأوهام
فمرت سنة وأنا مرتاح من هذه الناحية حتى تعرضت للمس خفيف من كلب ضال فدخلت الحاج المعذب أحيانا جوجل فكتبت أعراض السعار فصعقت لما رأيت فبدأت الدوامة تدور حولي مجددا حتى ضاقت بي أكثر وأكثر وعشت في عالم آخر لشهر كامل قوامه الشك والخوف واليقين تارة وطرد الفكرة تارة أخرى فحتى أنجح في طرد الفكرة بمبررات مختلفة حتى تهاجمني مرة أخرى بشكل أقوى وأقوى مع كل إطلالة في موقع جديد يتناول مرض السعار، فضقت ذرعا ذات ليلة فخرجت مع الواحدة ليلا كالمجنون أبحث عن سيارة أجرة تقلني للمستعجلات لآخذ الحقنة رغم مرور أسبوع بعد الحادثة فربما تمنع المرض وتكون المناعة شفيعة لي لإنقاذي من مصيري المحتوم الذي هو سعار وهيجان وطرح لعاب وخوف الأهل وعزلي ببيت خاص ينتهي بالوفاة ،
انتهت أعراض هذا الوسوس بشكل أو بآخر فارتحت لشهور فظهرت حبة على مستوى أصبع اليد فعادت الدوامة مجددا وبدأ الرعب ولكي لا أكثر التفاصيل فمحورها هذه المرة سرطان الخلايا الحرشفية وقارنتها مع أعراض ويكبييديا فوجدتها مطابقة تماما ولحد اللحظة فأنا أعاني من هذا العرض الذي يترواح ما بين الجزم واليقين تارة والاطمئنان تارة أخرى وأنا أكتب حاليا في هذا الطور الأخير
تجب الإشارة أنني عانيت من نفس الأعراض قبل مدة لكن المحور يختلف أذكر منها
-وسواس الإصابة بالإيدز بعد جرحي من طرف الحلاق ومسحه للجرح بالشب
- وسواس الإصابة بقرب الإصابة بالفشل الكلوي بعد ألم جنب أسفل الظهر
- وسواس الإصابة بسرطان الجلد بعد ظهور حبة شباب على مستوى الأنف
- وسواس الإصابة بسرطان الجلد بعد ظهور حبة شباب على مستوى الظهر
-وسواس إصابة أمي بالسرطان بعد معاناتها مع القولون
وغيرها الكثير وصدقني يا دكتور فإن هذه المعاناة شديدة فهي تغير حياتك رأسا على عقب كأنه يتم تشخيصك بالسرطان عشرات المرات
بعض المعلومات الإضافية
- هذه الحالة تمنعني من القيام ببعض الأنشطة الحياتية المهمة كالدراسة
- تعاطيت عشبة القنب الهندي فمويا عدة مرات سواء قبل ظهور الأعراض أو في فترة كمون الأعراض
- عانيت من بعض العزلة وقلة الأصدقاء أيام الطفولة
هدفي من هذه الاستشارة هو إيجاد علاج غير دوائي وذاتي لهذه الحالة
ولا أنسى التقدم بالشكر الجزيل لكل المشرفين على هذا الموقع المحترم وأتمنى له دوام الاستمرارية .
26/8/2017
رد المستشار
السلام عليكم أخي "شاب الوداد" وأهلا بك على موقع مجانين، وشكرا لثقتك بمستشاريه.
أولاً: هدفك من الاستشارة أو لنقل "شرطك وقانونك الخاص" في طلب العلاج. وهو ألا يكون العلاج دوائيا لا يمكننا الالتزام به. ومعلوم أن الأمراض والاضطرابات تملك قوانينها وشروطها الخاصة بغض النظر عمّا نعتقد فيها.
وهذه الفكرة نابعة طبعا من أن "الاضطرابات النفسية" لا تتجسد في ماديات الجسد ! وهي متعلقة بعالم الأرواح أو بعالم المُثل في مكان لا يعلمه أحد !، وهذه فكرة خاطئة ومنتشرة جدا. فالإنسان عبارة عن تداخل بين التغيرات البيولوجية والاستعدادات الجينية، وبين التغيرات الفكرية والاجتماعية. ولا يمكن فصله عن هذه المكونات ولا تجزيئه. فالطبيب النفسي الذي يجب أن تزوره هو الذي سيقيّم الحالة ويقترح دواء إن تطلب الأمر. إضافة إلى حاجتك الملحّة بإتباع برنامج معرفي سلوكي.
فأنت مصاب باضطراب قلق يخص المرض، وعندك وسواس بخصوص احتمالية مرضك Hypochondrie وهو من اضطرابات طيف الوسواس القهري وحالات القلق anxiété. وكل ما تشعر به من أعراض في المعدة والأمعاء ونقص في الوزن وخوف وهلع... كل ذلك أعراض نفسجسدية psychosomatiques وهي عبارة عن علامات جسدية لقلق نفسي. لا علاقة للعضو أو الجهاز بحد ذاته بها وليس هو المنتج لها، بل هو مجرد متلقّ لأوامر من الجهاز العصبي، بمعنى أنك لو بحثت مئات الساعات في النت، فلن تجد جوابا، سوى أنك تغذي قلقك واضطرابك لتُوهم جسدك بأنك حقا مريض، فيتفاعل معك..
وإن كنت تستغرب تأثير الحالة النفسية على الأعضاء (والعكس صحيح) فتأمل حالات الإغماء جراء الصدمات النفسية أو حالات الشلل. لا يكون معها لا ضرب ولا حادثة ولا مرض، مجرد سماع خبر أو رؤية شيء.. ثم الانهيار.
ومما يُلاحظ في كثير من مرضى هذا الاضطراب (واضطرابات الوسواس القهري عموما) "تفكيرهم السحري" pensée magique، به يقومون بروابط عجيبة بين الأحداث، ويتشوّه منطقهم في تحديد التشابهات، وإغفال الاختلافات. ويزيد الأمر سوء إن كان الأمر متعلقا بالحالات الطبية، التي تحتاج لتخصص ودراسة لمعرفة الفروقات بين الأعراض symptômes وبين المتلازمات syndromes أو لنقُل مجموع تلك الأعراض التي تكون المرض ببُنيته المتكاملة. وهذا ما يحصل لك. فظاهر أنّ تخصصك ليس في الطب ولا في البيلوجيا.
ومجرد وجود عرض واحد من الأعراض (حب شباب، تقرح جلدي...) تبدأ رحلة معاناتك النفسية والمنطقية. ولا يُفهم من كلامي أن الحل هو ضبط معلوماتك، أبدا. فلو كان قلق المرض يأتي بسبب معلومات مغلوطة لأصيب به أكثر من ثلثي سكان العالم !
أنت تتجنب رؤية الطبيب في كل مرة وكأنك لا شعوريا لا تريد إنهاء ذلك الشك، لأن الخوف من معرفة التشخيص لا ينفي المرض إن كان فهو خير وسيلة للحسم. خصوصا أنك تعلم أنها مجرد وساوس غالبا. لكنك لا تفعل. وفي الوقت نفسه لا تكفّ عن البحث وتأكيد مرضك.
ولاحظ أنّك تبدأ سيرورة المرض بطريقة عكسية تماما. فالمرضى "الحقيقيون" يشعرون بالأعراض ويتألمون ويلاحظون ثم يبحثون أو يزورون الطبيب. يعني من الواقع إلى الفكر. أما أصحاب الوسواس، فتقع في ذهنهم فيصدقونها، ثم يبحثون ويقرؤون، فيُسقطون ما قرؤوا على وضعهم. فيقعون في فخّ التوهّم. وهذا شبيه ببداية الأبحاث العلمية بافتراض نتيجة أكيدة، ثم البحث عن الأدلة التي تؤيّدها. فستكون النتائج دائما مطابقة للافتراض (الوسواس هنا) لأن الانتقائية حاضرة دائما.
ستقول لي أنّك تعرف أنها مجرد وساوس ولكنك لا تستطيع دفعها. ومن هنا أقول لك هذا أكبر دليل على أنّك محكوم بآلية وسواسية تحتاج لدواء لتخفف من ذلك الإحكام، موازاة ببرنامج تعدل به طرق تفكيرك وتعاملك مع وساوسك. وإلا انتكست بمجرد انتهاء فترة العلاج الدوائي.
ومن السلوكات التي يجب أن تقاتل نفسك لتغييرها هي طاعة الفكرة الوسواسية والبحث كل مرة عن الأعراض عشرات المرّات. ولا تنفع هنا الموسوعية كما قلت. فإن الخلل في احتكامك لوساوسك وإسقاطاتك. وضعف التفريق بين الحالات المتشابهة والتشخيصات المتقاربة. تجاهل الفكرة وحسب حتى إن شعرت بضيق شديد ولا تفكر في زيارة الطبيب للكشف ولا القراءة عن المرض لمجرد التثقيف. وأمامك طريق طويلة ولكنّها ناجعة بإذن الله. أعلم أن قول هذه النصائح أسهل من تطبيقها في حالتك. ولذلك ستحتاج عونا، لأن مريض الوسواس، في الغالب يقوم بمعالجة حالته بالطرُق نفسها والخطاطات الذهنية نفسها التي تُشكل حالته المرضية.
فراجع الطبيب وتابع معه لتتحسن بإذن الله.
وإليك بعض الروابط:
اضطراب قلق المرض الوسواسي
بعد الإنزال في الشرج هل أصابني الإيدز ؟
وسواس الإيدز ... وسواس أو قلق المرض
برنامج علاجي معرفي سلوكي (Thérapie cognitivo-comportementaliste (TCC