لا أعرف نفسي
الحكاية ابتدأت مع إصراري الداخلي على خلع الحجاب القرار المؤجل بقاله 7 سنين طبعا هتسألني إيه اللي أجله الإجابة خوفي من الرفض أو أن صحابي يكرهوني أو أن أكون لوحدي لما حكيت لماما قالت لي عيب مش وقته أجليها ولأني من جوايا معنديش الشجاعة الكافية معملتهاش
عدت السنين دلوقت في آخر سنة من كلية الفكرة ملحة حاسة أن ده مش أنا حاسة أن محاولاتي للبس الطرحة لفوق والتربون مجرد مسخ مني يحاول يكون حاجة مش هتحصل وطبعا رأي ماما أني كبرت خلاص وأني كده هخسر والدي رغم اقتناعي الداخلي أن دي حريتي وحاجة دينية وتأكدي أني هخسر كثير لو عملت ده بس حاسة أن دي لأول مرة بجد آخذ قرار في حياتي ووقفت عند لحظة كده لما اكتشفت أن الحجاب ده مداري ورائه ولا حاجة ولا مبدأ كل مبادئي انكسرت في الطريق مدمنة للعادة وإيذاء النفس أحيانا بكون قريبة من ربنا أوي وأحيانا العكس
على علاقة بشاب خطبتنا قريبة أقمت علاقة معه كذا مرة منهم بكون عادي ومنهم كنت أبكي بعدها ورغم كده أنا خائفة أني انخطب له رغم حبه لي كل حاجة كنت ضدها عملتها ده غير عصبيتي اللي زادت لدرجة أني كنت هشيل مادة أي شيء حاسة أني فاضية من كل شيء الإجازة دي مكنتش بخرج برا أوضتي معنديش طاقة حتى أني أقوم أعمل شيء أحبه ولو نزلت خرجت بتمنى أرجع
ودائما بكون عصبية ومش واثقة في نفسي أنا ماليش مبدأ ماليش شخصية أنا مش عارفة أبدأ منين مش عارفة أكون أنا من أول وجديد ومع كل ده مازال جوايا إصرار على خلع الحجاب اللي معدش يمثلني ولا يعرفني بس بعدها طيب هعمل إيه طب هواجه أهلي أزاي معرفش غير أني أول مرة أفوق على كل التوهان ده كأني مغيبة من سنين
16/9/2017
رد المستشار
الابنة السائلة:
أنا ممتن لك ولرسالتك هذه التي تفتح أمامي الفرصة واسعة لاستكمال ما بدأته مع الصديقة الحائرة من العراق في استشارات سابقة:
سؤال التدين: حائرة في بلاد الحيرة
ندم، وتفكير، وقلة حيلة: يوميات حائرة ... م
وتعجبني هذه الرسائل التي تفتح الفرصة لمراجعة: كيف نعيش؟!
وكيف نفكر؟! لماذا أرواحنا هائمة، والرؤى غائمة؟!
نحن نولد أحرارا وأعين بأنفسنا، وبما يلزمنا للحياة السعيدة، ونحتاج إلى رعاية مادية ممن حولنا توفر لنا أسباب الإشباع، إشباع الاحتياجات الأساسية في مراحل النمو الأولى. الاحتياجات المادية من ملبس ومشرب ومأكل، وما شابه، والاحتياجات المعنوية من حب، وحنان، وتفهم، وقبل ذلك الملاحظة، والشوفان، والحماية من الأخطار.
لكن في التربية العوجاء التي نشأنا عليها تحصل عملية تشويه، بل عمليات ممنهجة عبر التطويع، والترويض، والانصياع!!
سأعطي مثالا للتوضيح:
قلت في إجابتي على حائرة العراق أن الحجاب هو أدب اجتماعي تلتزم فيه المسلمة بارتداء الزي شبه الموحد حين تتواجد في المجال العام، أو تكون بحضرة غير المحارم المحددين، وهو إجراء تنظيمي مقصود منه الضبط والانضباط الاجتماعي، لكنه في حالتنا تحول إلى أشياء، ومعاني أخرى!!
عند البعض هو علامة على أن من ترتديه "إنسانة محترمة"، ولا أدري ما علاقة الاحترام، وهو قيمة نفسية ومعنوية، بمساحة القماش الذي يستر الكيان المادي الذي هو الجسد؟!
عند البعض تحول الحجاب إلى رمز من أسس الاعتقاد بحيث علينا أن نشك فيمن لا تريديه، ونتهمها في عقيدتها!! وهو شعار للتطهر والعفة بحيث من تخلع غطاء رأسها تصبح موضع اتهام في أخلاقها وشرفها!! وعند البعض صار الحجاب علامة على التخلف والانغلاق، وخلعه علامة على التحضر والتحرر!!
تلاعبت بنا أهواء عقولنا، وصورت لنا أنورا، وسولت لنا أشياء توهمنا أنها حقائق، وثوابت وأقمنا حولها المعارك والمفاصلات بينما معالم الدين الأهم تضيع، والأوطان تنتهك، والثروات تنهب، والأمجاد القديمة تتبدد!!
في هذه الأجواء الملبدة لعبت التربية المعوجة لعبتها لتضع لنا المعادلات من قبيل: الانصياع مقابل القبول الاجتماعي، بحيث يصير لزاما عليك أن تضعي غطاء الرأس لتحظي بالاحترام والصديقات ممن يضعن أيضاء غطاء الرأس لنفس الأسباب، أو أن تخلعي غطاء الرأس لتحصلي على قبول جماعة "المتحررات" المستنيرات" وضاعت الذات الحقيقية وسط كل هذا الضجيج!! ضجيج "لبست، وقلعت"، أضعه أم أخلعه!!
ضاعت وتضيع الفرصة في التعرف على نفسك لصالح عدم إغضاب ماما، وحتى لا تخسري بابا، ولا يرفضك المحيط من حولك!!
صار غطاء الرأس هنا علامة على القهر والتهديد، وصار علامة على النفاق من باب آخر!! كما تتصورين!!
نفس المجتمع الأحمق، والتربية العوجاء وضعت لك أوهام وترهات وصور وأصنام تسمينها كما يسميها المحيط الاجتماعي من حولك "مبادئ"!!
بدلا من أن يتحرى المجتمع احتياجات أفراده الإنسانية ويتحاور ويتشاور ويتعاون ويتكاتف ويتعارف ويتكاشف لتحديد المهدر منها، وتوفير سبل تلبية هذه الاحتياجات، ومنها الاحتياج للحب واللمس، والعشق والجنس.
بدلا من أن ينشغل المجتمع بتيسير سبل إشباع هذه الاحتياجات الإنسانية الفطرية العالمية أراه يتواطأ على تضييعها، والاستعباط بتجاهلها، وترك كل إنسان ليتخبط في محاولات تلبيتها من أي طريق!!
الفتاة عندنا تبلغ حول سن العاشرة، وزواج ملايين الفتيات صار يتأخر عشرين عاما، أو يزيد، فأين يذهب هذا الاحتياج، وكيف يمكن تلبيته بشكل "شرعي"، ومقبول اجتماعيا!
لا توجد إجابة واقعية، ولكن خطب عصماء، وهرف وخرف، وكلام منمق، أو غير منمق عن عظمة الدين، وأنه ما تركنا إلا على المحجة البيضاء!! والواقع أنه لا بيضاء ولا سوداء، فقط واقع حرمان، وأسئلة مكبوتة، ورغبات حائرة!!
فما هي مبادئك تلك التي انكسرت يا عزيزتي؟!
هل أمام الفتاة العربية من سبيل غير ممارسة العادة السرية لوقت قد يطول بديلا عن الزواج المؤجل، وأحيانا تستمر بعده؟!
ثم لما يطول بها الانتظار أفق هل نلومها إذا أقامت علاقة جنسية طبيعية خارج إطار الزواج الذي صار هو في حد ذاته مسخرة؟!
هل كلامي يعني تبرير الأخطاء؟!! هل الانحراف عن مسار مجتمع مريض ومنحرف وغارق في تخاريفه يسمى تكسيرا للمبادئ!!!
بحيث تشعرين أنك تدارين بالحجاب على بلاوي؟! وأنك منافقة، ولابد من خلعه؟!!
هل هذه الارتباكات الداخلية، واللخبطات ستنحل بخلع غطاء الرأس؟!
هل غطاء الرأس هو تلخيص واختزال كل هذه التساؤلات، والتناقضات، والالتباسات بحيث يصير الحل هو خلعه؟!
يختزل المجتمع الأمور بدلا من مواجهة أحواله السقيمة فيقول إلى كل فتاة: الحجاب هو الحل، وبدلا من أن تتأمل الفتاة في أحوالها وترى أو تحاول أن ترى ما يجري بداخلها وحولها في هدوء ونظر ثاقب، وتحليل عميق.
بدلا من هذا يكون رد الفتيات: بل الحجاب هو المشكلة، وخلعه هو العلاج؟!
تبسيط مقابل تبسيط، واختزال في مواجهة اختزال لنضيع وسط الأسئلة، والإجابات الخاطئة!!!
حائرة العراق بعد أن أتعبت نفسي في الرد على مسألة الحجاب أرسلت تقول: بل الحياة كلها صارت ملغزة تطرح تساؤلات، وتحديات لا أجد عليها إجابات، ولا رؤى!!
وأنا أنصحك ألا تتورطي في اختزال شائع بأن الحجاب يعني شيئا في وضعه أو خلعه إلا بوصفه أدبا اجتماعيا بالمعنى الذي أفضت في شرحه هنا، وفي إجابتي السابقة على الحائرة العراقية.
جوهر المسألة هو ما تفضلت به أنت تماما في أول كلماتك، ولعل الإبنة العراقية تقرأ معنا الآن!!!
التخبط ليس جوهره الحجاب وضعا ولا خلعا.
التخبط جوهره أنك لا تعرفين نفسك، وتهت عن حقيقتك، وتاهت خطواتك بين أصوات من حولك، وصورتهم عنك، وضغوطهم عليك، ورغبتك في إرضاءهم من ناحية، ومحاولتك تلبية احتياجاتك الإنسانية والجنسية بممارسة العادة، أو إقامة علاقة مع شاب خارج إطار مقبول شرعا أو اجتماعيا، وتلبية الاحتياجات حين تحصل بطريقة متوترة متعارضة مع القناعات الدينية، والتراكيب النفسية للشخص لا تكاد تشبع الاحتياجات، ولكن تزيد الطين بلة!!!
الآن.. هل تتضح أمامك صورة المشهد الذي تعيشينه؟
هل تبين لك كم البزرميط، والعك، واللخبطة الذي تشتركين فيه مع ملايين الفتيات؟!
هل يمكنك الآن فهم الصراعات الموجودة بداخلك، والتي من شأنها روحك، واستنزاف طاقتك بحيث لا تبقى لديك أية همة لعمل شيء غير الاعتزال في غرفتك؟!
وأخبرت الدكتور وائل أن رسالتك تحتاج إلى "كتاب" في الرد عليها بحجم ما تثير من شجون، وبقدر ما يتعلق بنفس الحالة التي تعيشها ملايين الفتيات العربيات.
لم أستطع أن أكتب سوى الكلمات خشية الإملال، وحتى لا أتورط في وهم تغطية كل جوانب مسألة معقدة ومركبة اقتربت من بعض نواحيها في سطوري هذه!!
واجب الوقت، أو الأولوية الآن هي في استكشاف واستعادة ذاتك الحقيقية ما قبل التربية المعوجة، وما قبل تطويع من حولك لك، وعملية الاستكشاف هذه لا علاقة لها بغطاء رأسك، بل بما يحتويه هذا الرأس من أفكار، ومعتقدات، وتخاريف، وتشوهات مكتسبة، والدخول في نقاشات ومعارك خلع الحجاب، أو إبقاؤه هو من قبيل تبديد الطاقة، والهروب من الموضوع الحقيقي، والانحراف عن مسار النمو، والنضج إلى مسار خوض المعارك الخطأ!!
أما الإجابة على سؤال: كيف أعرف نفسي، وأفهمها؟! طالما أن هذا هو الموضوع، وواجب الوقت، والسؤال الصحيح!!
يحتاج الأمر – مبدئيا – إلى تأمل وهدوء، وإلى استرخاء وتركيز بحيث نستطيع الإبحار بعيدا عن المخاوف التي تملأ نفوسنا، والرغبات التي تشوش على أرواحنا، ويحتاج أيضا إلى استعادة صلة عميقة محبة .. بالله بعيدا عن تشوهات التهديد والوعيد، وصورة الله التي تربينا عليها، ولا تنفصل رحلتنا في التعرف على نفوسنا الحقيقية عن عملية بحثنا عن صورة الله الحقيقية، وكلاهما بداخلنا!!
توقفي عن نقاشك العقيم حول الإبقاء على الحجاب أو خلعه، وتوقفي عن علاقتك بصديقك هذا، واتركي هذه المسألة حتى إتمام الارتباط، إن حصل!! وتخففي قدر الإمكان من ممارسة العادة، ومن كل ما يؤدي إليها من مشاهدة فيديوهات، أو غير ذلك!!
هذا على صعوبته، وربما بسبب صعوبته سيفسح أمامك الطريق واسعا لرؤية أوضح لذاتك، ولكن الحديث عن استعادة نفوسنا الحقيقية يحتاج إلى جولة قادمة، ربما حين نسمع منك قريبا
ويتبع>>>>> : حائرة مصر: معرفة النفس، ومعارك الضياع م