هل هذا وسواس قهري؟
...أعتذر سلفاً عن الإطالة...
تمهيد لا بد منه:
• أنا كاتب مبتدئ جدّاً، أمارس الكتابة منذ عدة سنوات، وأنشر بعض ما أكتب.
• وبسبب إقلاعي عن التدخين، اضطررت إلى الانعزال في المنزل مدة غير قليلة تجنبا للمدخنين، منقطعاً عن جل معارفي وأصدقائي، وفي هذه الفترة تحديداً حدث معي موقف سخيف للغاية، إلا أن آثاره لم تزل إلى الآن ماثلة ومؤثرة في نفسي:
• دخلت مصادفة إلى صفحة أحد الأشخاص على الفيسبوك ممن يمتون لي بقربى بعيدة، وعرفت أنه كاتب يمارس الكتابة، وقرأت ما يكتب، وتابعت الكثير من منشوراته والتعليقاتِ عليها، وشعرت حينها بما يشبه الانهزام!!!!!!!! لقد شعرت بقراراتي أنه كاتب جيد، والذي أثار ألمي وشكي بنفسي أنه أصغر مني سناً. حينها بدأت ألوم نفسي، وأشعر بأني لست مؤهلاً لأن أصبح كاتباً، وبدأت أفكر في هجر الكتابة والقراءة، ورغم كل ذلك لم أشعر بالغيرة أو الحسد، ولم أغمَطْه حقّهُ من التقدير، بل اتجهت إلى نفسي، ألومها، وأجلدها، وأحط من قدرها.
• بعد ذلك عدت إلى رشدي، فأنا أعرف أنني مبتدئ، ليس في الكتابة فحسب، وإنما في كل شيء أيضا، وأعرف أني لست الأفضل، وأن مقارنة النفس بالغير تجلب البؤس والشقاء للنفس، نعم أعرف كل ذلك، إلا أنني منذ ذلك الوقت أصبحت ضحية لأفكار تزدحم في رأسي يومياً، وتغزو وعيي بغير انقطاع، وهذا كله أدى إلى أنني أصبحت أكثر عزلة وكآبة وبؤساً
• وأشير إلى أني سابقا -قبل فترة الإقلاع عن التدخين والانعزال-تعرفت إلى بعض الشعراء والكتاب، وأضفت على صفحتي بعضاً منهم، سواء من هم في عمري أو أصغر سنا أو أكبر، إلا أن ذلك الشعور لم يراودني حينها /بهذا الشكل/ إطلاقاً....
تفصيل حالتي، وبيان المراد من الاستشارة:
• قد يبدو كلامي أعلاه زائداً، كما أنه سيبدو سخيفاً حتماً، لكنني لم أجد بداً من الحديث عن الظروف التي سببت الحالة التي أعيشها الآن، وهذا تفصيل الحالة:
• منذ تلك الحادثة وإلى الآن تراودني أفكار وتصورات وذكريات، لم تخمد نارها ولو ليوم واحد، وأحبذ تفصيل هذه الأفكار والذكريات والمشاعر المصاحبة لها بقليل من التفصيل:
• (كل شيء يذكرني بذلك الشخص الذي زرت صفحته!! كل شيء يذكرني بمنشوراته وكتاباته وتعليقات أصدقائه!!! فإذا مشيت في الطريق أظن أني ولا بد ملاقيه، فأبحث في وجوه المارة عنه، وإذا كنت أقرأ تقع عيناي على كلمة تذكرني بكلماته، وكلما سمعت حديثاً وجدت فيه ما يذكرني به، بل إنني أتذكر أهله وأقاربه وأتخيلهم وأشعر بضيق جراء ذلك!!!!!!! كل ذلك دون أن أستطيع إيقاف هذه الأفكار الحمقاء، سواء بمحاولة مناقشتها وبيان سخفها أو بإهمالها). إن رأسي كل يوم من الصباح إلى المساء يضج بهكذا سخافات، والمشكلة أنني كلما عصفت هذه الصور برأسي أشعر بضيق شديد في الصدر يخنقني خنقاً، كما أشعر بأن قيمتي انخفضت وأنني يائس وفاشل.
• ولأن هذه التصورات والذكريات مع كثير من الأفكار عن ذلك الشخص وعن نفسي تتكرر دون توقف، ويصاحبها ضيق لا يوصف في الصدر، فقد اعتقدت في البداية أنني مصاب بالوسواس القهري!! لكنني بعد أن قرأت كثيراً عن الوسواس تراجعت عن اعتقادي في أنها وسواس قهري، واعتقدت أنها أفكار تطفلية أو سلبية أو مؤرقة، لكني الآن أخاف جداً أن تكون وسواس قهري حقاً. علما أن هذه الأمور تحصل لي منذ أكثر من ثلاثة أشهر.
• أليس الوسواس القهري/الفكري هو صور تتدفق قسريا في ذهن المريض، وتؤرقه فلا يستطيع السيطرة عليها؟
• أريد أن أعرف هل أنا مصاب حقا بوسواس قهري؟ هل هذه أعراض وسواس؟ أم أنها مجرد أفكار وذكريات تطفلية تدخلية نتجت عن ضعفي وألمي غير المنطقيين في ذلك الموقف الذي شعرت به أليماً؟؟
• هل في تردد هذه الذكريات والأفكار والصور، وانشغالي الدائم غير المنقطع بها، دليل على أنني مريض وسواس؟ هل هكذا يكون الوسواس القهري؟
• وهل للإقلاع عن التدخين دور في هذه الحالة وفي مفاقمتها؟ خصوصاً وأنني كنت مدخناً شرهاً جداً؟؟
• وأنا أشعر بأني أعاني من رهاب اجتماعي، فمثلاً أخشى أن يسألني أحد من أعرفهم عن كتاب فيما إذا كنت قرأته أم لا، أو أن يسألني فلان عن معنى كلمة ما أو عن نظرية ما، وعلى ذلك طورت سلوكا تجنبيا، وأصبحت أتجنب أن أشير إلى أني قارئ أو كاتب، فهل لهذا الرهاب علاقة ما بتلك الأفكار والذكريات والتصورات؟؟
• ليس بإمكاني زيارة طبيب نفسي في هذه الفترة، لذلك أريد توصيف حالتي فقط، ومعرفة هل هي وسواس قهري؟ أريد إجابة عن هذا السؤال فقط؟؟؟....
أخيراً:
• اعترفت في مطلع هذه الاستشارة أن ما سبب لي هذه الحالة هي أمور سخيفة جدا، والآن أعترف أن كل ما أشعر به وأخاف منه هو سخيف أيضا، لكن هنا قد تكمن المشكلة!!! هنا يظهر أن الأفكار اللامنطقية أو السخيفة أو المتوَهَّمة أو الخرافية قد تكون أكثر تأثيراً وتمكنا في النفس من الأفكار السليمة.
• إن سخافة الأمور التي تعذبني، وتجعلني أسيراً في هذه الحالة المدلهمّة، هي سبب في أنني أؤنب نفسي وأشعر بالذنب والتقصير تجاه نفسي وأسرتي، كذلك تجاه مجتمعي أيضاً، وهي السبب في أنني أتمزق داخلياً وأعيش كَرْباً لا يعلم به إلا الله.
• أريد جواباً على ما سألت، وأتمنى الرد السريع.
• وأعتذر كثيراً عن الإطالة، وعن الصياغة الرديئة لمحتوى الاستشارة، وأرجو أن تقرؤوا ما كتبت بصدر رحب.
• أتمنى الرد السريع.
• الشكر الجزيل للموقع وجميع القائمين عليه والمساهمين فيه.
• أعتذر مرة أخرى عن الإطالة.
مودة وتحية من القلب......
8/8/2018
رد المستشار
السلام عليكم صديقي "خالد"، ومرحباً بك في موقع مجانين للصحة النفسية.
مبارك أولاً انقطاعك عن التدخين، وعزمك على ذلك وبالتوفيق في مسيرة الإقلاع. ما تقوله عن حالتك أقرب تشخيص له هو الوسواس القهري، فما تصفه من تطفّل الأفكار وعجزك عن مدافعتها، سواء بالتجاهل أو بالانتقاد العقلاني، إضافة إلى تفاهتها، والأهمّ هو عامل الضيق والقلق المصاحب لها وتقدير ذات منخفض، ربما جراء الاكتئاب المصاحب للوسواس. كل هذه مؤشرات وسواس قهري.
وكما قلت رغم معرفتك بتفاهتها وأن المقارنة شيء غير منطقي، فإنك تعجز عن "بناء" شعور مشابه ومطابق لفكرتك، تجد نفسك تصف الفكرة بالتفاهة، وحضورها المزعج يوحي بأنها فكرة مصيرية وكارثية ! وهذه الهوّة السحيقة بين المنطق وبين الشعور سببها تلك الأفكار الاقتحامية التي نعجز عن مدافعتها أو تحييدها (من الحياد) عكس الحالة الطبيعية التي نملك فيها زمام ما نفكر فيه أو ما لا نفكّر فيه. بل إن الأشخاص السليمين لا يتخيلون أن فكرة معينة ستأخذ حيّزاً كبيراً من تفكيرهم وحياتهم، لأنها تأتي كفكرة خاضعة لإرادتنا ومشاعرنا السليمة، أ
ما الفكرة الوسواسية، فهي وإن كانت فكرة، لكنها في الحقيقة قلق وعذاب يقدّم نفسه على أنّه فكرة ! لذا قولك (تراجعت عن اعتقادي في أنها وسواس قهري، واعتقدت أنها أفكار تطفلية أو سلبية أو مؤرقة) هو عينُه الوصف الدقيق للوسواس "أفكار تطفلية تحضر دون دعوة ولا رغبة من صاحب المكان (أنت والمكان ذهنك) وهي مؤرّقة (عامل القلق Anxiety)
وأيضا إشارتك الدقيقة لما يحصل معك في المواقف والكلمات، والتي في الحالة الطبيعة تكون مرتبطة بموضعها، أما في حالة الوسواس، الكلمة والموقف والصورة يشكلون ارتباطاً غير منطقي ودون سياق مع موضوع الوسواس والقلق، أنت نفسك لا تفهم كيف يمكن ربط كلمة عامة فضفاضة يستخدمها الملايين من البشر بطريقة سريعة وتلقائية مع موضوع معيّن، فحتى لو طُلب منا أن نجد رابطا معيّنا بين كلمة وموقف أو شخص نجد صعوبة في ذلك ! أما الموسوس يقوم بها بشكل بارع لكن يبقى غير منطقي. وربما هذا من أثقل الأشياء في اضطراب الوسواس، فرغم انشغال المرء بحياته يتجلى له الوسواس في مواقفه اليومية عبر ارتباطات ذهنية بعيــــــدة كلّ البعد عن سياقها.
ولا أنسى أن أشير إلى القلق الاجتماعي الذي وصفته بالرّهاب، وهذا دليل آخر يعزز من تشخيصك بالوسواس، لأن الشخصيات القسرية قد تجمع الرهاب والوسواس بسبب تركيبتها.
ولهذا علاقة بمعاييرك أيضا، فأنت ترى نفسك أو تأمل أن تكون مرجعيا لا يخطئ، موسوعة متنقلة، إذا سألك أحد عن شيء يجب أن تجيب بصفتك عارفا بما قال، وهذا ضرب من الكمالية المرضية، لأننا لن نعرف كل شيء، بل يجب ألا نعرف كل شيء ! فليس كل شيء ذو قيمة لنعرفه، حتى إذا كان محتواه علمياً بحتاً، لسبب بسيط أن تلك المعلومات لا تهمنا في حياتنا ولن نستخدمها إلا مرة في عشر سنين، وتبقى فقط من باب "حلاوة المعرفة" التي يسعى إليها الإنسان. تصالح مع ذاتك وتعلم لذة أن تقول "لا أعلم هذه" و"لم أقرأ هذا" وسيكون هذا مدخلاً كبيراً لمعالجة جرحك إزاء الكتابة.
وأعلم أن الكتابة تقنيات تُتعلّم، إلا أنها تبقى مرتكزة على مواهب كامنة، في التصوير مثلاً قد نعلم 10 أشخاص كل التقنيات، لكن ماذا تصور، وبأي وضعية، وفي أي توقيت، وعلى أي التفاصيل ستركز.. كل هذا يصنع لنا الفرق بين المصورين حتى مع تساويهم في فهم التقنيات وهضمها. لا أعرف أسلوبك في الكتابة ولا إبداعك فيها، لكني أؤمن بأن الكتابة تتطور بالقراءة وفعل الكتابة نفسه، مرّن نفسك وأنت متصالح مع ذاتك وبأنك تقوم بشيء ربما تصل إلى ذروته وربما لا، ففي الكتابة يجد المرء نفسه، وليس الكتابة من تجد نفسَها في الكاتب من أجل أن تتألق وتتبجّح ! وأؤمن بشيء آخر أيضا، هو أن المواضيع والأساليب والمجالات تختلف، وقد يبرع أحد في الشعر ويكون في الكتابة العلمية صفرا، وقد يحسن المنطقي تفكيك الخطاب، ولا يحسن الحديث عن مشاعره.. وهكذا.
جِد لنفسك أسلوباً خاصاً بك ولا تتكلف التقليد، ولا تتكلّف لغة وحشية تبدو غير متسقة مع باقي الكلمات والتعبيرات، اختر من اللغة أبسطها وأظرفها مع التركيز على التفاصيل والحبك. واستمر مع اعتقادك أنك لست منقذ المجتمع (وأشعر بالذنب والتقصير .... كذلك تجاه مجتمعي أيضاً) والمجتمع لا يغيّره الكتّاب بل عوامل كثيرة جداً، وربما يشكل الكتاب الجزء الأصغر منها.
وأقول أخيراً، أنّ ما كتبتَ أعلاه ليس سخيفاً ولا تافهاً، بل هو المعاناة متجلّية في تفاهة التفاصيل ! ومن التفاهة ما قتل. فلا بد أن تزور طبيباً نفسانياً لمعالجة هذا المشكل، لأنّني أرى أنك مصاب بالوسواس مع أعراض القلق الاجتماعي والاكتئاب، والأدوية ستعالج خلل الكيمياء في الدماغ المسؤول عن هذا السلوك العقلي. ولا عذر لك في الذهاب للطبيب بما أنك مرتاحاً مادياً.
وأما عن سؤال التدخين وكونه سبباً محتملاً، فأترك الإجابة للدكتور وائل بصفته طبيباً.
وأتمنى لك الشفاء
ويضيف د. وائل أبو هندي أهلاً وسهلاً بك يا "خالد" على مجانين ... لم يترك لي مستشارك الحاذق الرشيق أ. حسن خالدي وقد أحسن وأجمل في رده عليك كثيراً مما أضيف إلا الإشارة إلى أن المقلع عن التدخين كثيراً ما يكون عرضة لمثل ما حدث معك، فمن المشهور أن فترة الإقلاع عن التدخين كثيراً ما يحدث فيها اضطراب اكتئاب كأحد عقبات التوقف عن استخدام النيكوتين ... ولهذا تستخدم مضادات الاكتئاب في هذه الفترة لمنع الانتكاس ثانية للنيكوتين وعقاقير الاكتئاب نفسها تستخدم كمدعمات في بعض حالات الإقلاع عن التدخين.
وفي حالتك هذه الصورة الوسواسية التي تبدو من نوع الوسواس الفكري النقي Pure Obsessions وأراها شخصياً أقرب وأوثق صلة بالاكتئاب منها بالوسواس القهري، بمعنى أن اضطرابك اكتئابي وإن لم تضع إلا ما يشير إلى فكرة متدينة عن نفسك حتى وصلت في آخر الإفادة إلى استسخاف مشاعرك وهذا منبئ باكتئاب أكثر من أي شيء خاصة إذا رأيناه في ضوء سمات الكمالية المرضية وتقدير الذات (بناء على معاييرها) ثم محاسبتها على عدم القدرة على تحقيق تلك المعايير، وغير ذلك حتى وصلت إلى عدم القدرة على إهمال حتى التوافه من الأمور...
ثم هناك ما أحس به بين سطورك من فرط المخاوف من التقييم الاجتماعي، وفرط الخوف من التقييم السلبي Fear of Negative Evaluation بشكل عام وتشمل هذه السمة مزيجاً من العوامل المعرفية والسلوكية السلبية المتصلة بإمكانية حدوث وخبرة التقييم الاجتماعي وهي جزء لا يتجزأ من النماذج المعرفية التي تفسر اضطراب القلق أو الرهاب الاجتماعي، كما أنها صفة واضحة في كثير من مرضى الوسواس....... ثم عدم تحمل اللايقين Intolerance of Uncertainty الذي عرفته وحدي من خلال إرسالك لاستشارتك عشرات المرات للموقع منتظراً أن يرد عليك الموقع خلال ساعات ثم خلال أيام ... فأنت تريد أن تتيقن 100% من تلقينا الاستشارة.... هذا مع الكمالية وفرط القلق الذي هو سمة القلق المرضي Pathological Worry الواضح جداً أنه على الأقل أصبح سمتك حالياً كما تبين حالتك المعرفية والوجدانية، لكن برغم أن تشخيصك حسب الاستشارة والتصانيف العالمية هو اضطراب وسواس قهري فإني أستشعر اكتئاباً يا "خالد". ...
يعني أعراض وسواسك القهري الحالية في رأيي تخفي داخلها أو خلفها عملية اكتئابية ربما ستظهر مع الوقت ... ولديك تشوهات معرفية أو عيوب تفكير تحتاج إلى عمل سلوكي معرفي لتمنع ما استطعت تكرار هذا في حياتك..
ولا أنسى كذلك نصحك بزيارة طبيب نفساني ليصف لك بعض العقاقير التي يتحسن أمثال حالتك عليها وأبقي نصيحتي وتوصيتي بأن يتم هذا في إطار متكامل مع الع.س.م والمتابعة المنتظمة.... وأهلاً وسهلاً بك دائماً...... فواصل إقلاعك عن التدخين وعود نفسك على إمتاعها بأنشطة جديدة لم تعتدها من قبل ...اقرأ مثلاً على مجانين:
نطاق الوسواس OCDSD اضطراب وسواس قهري
العلاج الذاتي قد لا يكفي
علاج الوسواس بالعقار فقط لا يكفي
ويتبع : هل هذا وسواس قهري؟ ممكن وممكن ! م
التعليق: عزيزي خالد. استشارتك رغم أنها معاناة إلا أنها ممتعة.
أنت فعلاً كاتب رائع وأتوقع لك مستقبلا مزهر