أرغب في أن أكون سعيدة...
قررت الكتابة وطلب المساعدة لأنني بدأت أشعر بالاختناق، أحتاج إلى المساعدة وأعرف ذلك ولكنني أيضاً أدرك أن البداية يجب أن تكون نابعة من نفسي.. أحتاج أن أمسك بطرف الخيط لأبدأ فأنا أودّ أن أشعر بطعم السعادة قبل أن أموت.
مشكلتي قد تكون بدأت في عمر صغير حين كنت أسمع مقارنات أفراد العائلة بيني وبين أخواتي في الشكل. كنت متقدة الذكاء منذ صغري والتعليقات التي لم يتوقعوا أنني أفهمها كانت لا تفوتني، فتكونت عندي مشكلة ثقة.. أصبحت مع سن المراهقة لا أهتم لشكلي بتاتاً على اعتبار أن لا أحد سيراني جميلة أصلاً فلما العناء؟ وفِي مرحلة ما كنت مقتنعة أنني ذكر وستأتي اللحظة التي سأكتشف فيها ذلك بوضوح (الذكور لا يواجهون مشكلة المقارنات في الشكل)..
ثم تطور السلوك إلى ربطي تقبل الناس لي بشكلي فانطويت على نفسي تماماً وأصبحت أعاني من رهاب اجتماعي، كما أنه لم يكن في العائلة ككل الأطفال في سني وكنت الطفل الأوسط بين إخوتي.
صداقاتي كانت في المدرسة فقط ولا أحبذ التواجد في أي مناسبات اجتماعية كما تجنبت عائلتي بالذات بشكل أكبر فكنت أقضي أكثر وقتي في غرفتي برفقة الكتب، الأمر الذي عرفني على عالم الرجال بشكل مختلف (إمكانية الخيانة والعنف والاضطهاد) فأصبحت أكرههم أيضاً وعزمت على عدم الزواج أو الارتباط،
صديقات المدرسة حدثت معهن قصة أيضاً في آخر سنة من الثانوية جعلتنا نفترق، فأحسست أن عالمي انهار واحتجت إلى الكثير من الوقت لأستجمع قوتي من جديد.. لم يتبقى لي سوى صديقتين تزوجتا فيما بعد فأصبح التواصل شبه مقطوع وارتفع مستوى الخصوصية في حياتهن، فأصبحت العلاقة أصعب ووجدت نفسي وحيدة تماماً في غفلة منهن عما أمر به..
ولما التحقت بالجامعة كنت عازمة على أن لا أكون صداقات جديدة، وفعلاً العلاقات التي كونتها لم أسعى إليها ولَم أعمقها وكنت دائماً أرى أن ذلك أفضل حتى لا أجرح من جديد، تخرجت وعملت وطبقت نفس القاعدة غير أن علاقاتي تعمقت مع البعض دون تخطيط ومن ثم صدمت في بعضها من جديد، فدخلت في منزلق للمرة الثانية وانسحبت أكثر..
شعرت بالوحدة ولكنني رفضت أن أضعف وحاولت بعدها أن أتحدى نفسي وأعود للمجتمع بشكل أقوى فأصبحت أعبر عن آرائي ما في داخلي دون خوف أو خجل.. ثقتي في نفسي من ناحية المظهر أصبحت أفضل لأنني اكتشفت أنه خارج أسوار العائلة لدى الناس منظور مختلف للجمال فعزمت أن لا يتكرر ما حدث لي مع أي طفل في العائلة وأخبرتهم بذلك علناً! لكنني لازلت أعاني من أزمة الثقة في العلاقات..
ابتعادي قد يكون جعل الناس تقصيني أيضاً فأصبحت أشعر أنني دائماً منبوذة رغم محاولاتي.. وطبيعة المشاكل الداخلية التي أمر بها تجعل من الصعب علي الاندماج بسرعة، أكون موجودة في المكان لكنني لا أشارك فأصبح نوعاً ما ثقيلة، وحدهم الذين يعرفونني عن قرب يدركون أنني قد أكون مضحكة وأن باستطاعتي المشاركة في حوارات طبيعية، محاولاتي لتحدي نفسي جعلت الأمر مختلف الآن ولكنني لا زلت نفسي من الداخل.. أدرك أن جزءاً كبيراً من ذلك في رأسي لأن الناظر إلى حياتي يرى إنسانة محبوبة وناجحة ويلتف حولها الكثير من الناس ويراها الكثير قدوة يأتون لاستشارتها خصوصاً أفراد عائلتي.. وهذا أمر أيضاً أجده مضحك في داخلي!
الواجهة التي يراها الناس هي محاولاتي للاندماج بشكل صحيح أما داخلي فمتعب ومتهالك ومضطرب.. أفكر كثيراً بصداقاتي القديمة وأسأل نفسي عن سبب انهيارها وأحملها السبب.. وأفكر كثيراً لما أنا لست قادرة على تكوين علاقات سوية والمحافظة عليها؟ لما دائماً ينتهي الأمر بغدر؟ هل أنا السبب؟ أجلد ذاتي كثيراً وأنتهي بالبكاء وبالحزن على الوحدة المطلقة التي أعيشها والعقد التي أجد نفسي مضطرة للتعايش معها.. أنا فعلاً لا أجد طعماً للسعادة في أي شيء،
أمثل كثيراً دور السعيدة وأتقن الضحكة العميقة ولكنني لست كذلك، أحياناً أجد في الضحك فرصة للبكاء فتدمع عيناي وأنا أضحك والنَّاس تظن أنها دموع الفرح! تفوقي الدراسي، نجاحي الوظيفي، تحقيقي لأهدافي.... كل ذلك لا يعطيني أي إحساس بالإنجاز أو السعادة.. أراها أشياء طبيعية تحدث لكل الناس مع القليل من الجهد ولا أجد نفسي مميزة!
سبق وأن ذهبت إلى طبيب نفسي شخص حالتي باضطراب القلق.. ووصف لي دواء وخضعت لعدة جلسات علاج سلوكي ولكن ذلك لم يجدي، حتى أثناء العلاج كنت أمثل أنني أستفيد! أثناء نومي أشعر أنني أفكر وأنني واعية أكثر من كوني نائمة وأحلامي كثيراً ما تتركز حول الأشياء التي علي أن أنجزها مما يجعل نومي متوتر ومزاجي متعكر قليلاً عن الاستيقاظ.. لدي الكثير من الأشياء التي أحب أن أدعوها هوايات ولكنني لا أستمر في ممارستها، ربما بسبب طبيعية يومي المزدحم.
لا أميل للبكاء كثيراً ولكن الرغبة فيه تزداد أحياناً عند حدوث موقف أو عندما أمعن في جلد نفسي.. ولكن ما يلزمني دائماً هو إحساس دائم بالحزن ولأني على وشك البكاء، وبضغط في وسط صدري كالذي تشعر به عندما بجرحك شخص ما وإحساس بتوتر في معدتي كالذي تشعر به عند الخوف أو الترقب.. علاقتي مع أفراد عائلتي وأخواتي بالذات مستقرة، أما النطاق الأوسع من العائلة فلا زلت أتجنبهم بشكل سلمي.. لدي صداقات جديدة أضع حولها أسلاك شائكة.. ولكنني أشعر بفراغ عاطفي قاتل..
صديقتي المقربة الوحيدة هي خالتي التي عانت من نفس الماضي ونحاول سوية أن ندعم بَعضُنَا..
لم أسمح لأي محاولة للزواج بالحدوث ولذلك لا أعرف حتى إن كان وجود رجل في حياتي بهذه الصفة سيحدث أي تغيير.. أجد نفسي في صراع بين كره الناس والرغبة في وجودهم... أخاف الوحدة كثيراً ولكنني ألوذ إليها بكل الطرق! أخواتي تزوجت الكبرى وخطبت الصغرى وبقيت أنا، فبدأت مرحلة جديدة من حياتي حيث الكل يرى أنني مسكينة ويحب أن أتزوج! والمصيبة أن جزء مني بدأ يتقبل الفكرة لسبب وحيد، أني لا أريد أن أكون وحيدة!
أشعر أن كلامي مبعثر
ولكن أتمنى أنني استطعت وصف مشكلتي بشكل واضح.
22/8/2018
رد المستشار
شكراً على استعمال الموقع وتمنياتي لك بالسعادة.
الاستشارات التي تصل الموقع متنوعة، ولكن في نهاية الأمر لا بد من الإجابة على السؤال الأهم وهو: هل هناك اضطراب عقلي (نفسي)؟، وهل هناك دليل قاطع على ذلك أم لا؟.
استشارتك لا تشير على وجود اضطراب عقلي رغم شعورك بعدم السعادة. راجعت طبيباً نفسياً وشخص القلق، ولكن علامات القلق هي الأخرى تكاد تكون لا وجود لها في الاستشارة. ربما ما كان يقصده الطبيب النفسي هو إحساسك بإشارات القلق Signal Anxiety وهذا غير اضطرابات القلق. الفقرات الثلاثة الأخيرة من الرسالة لا تشير إلى وجود اضطراب وجداني يستحق العلاج بالعقاقير.
ولكن ما هو أيضاً في غاية الوضوح في الاستشارة بأنك آنسة غير سعيدة في حياتك. هناك الذات التي تستعمليها كواجهة للاتصال مع الآخرين، وتتميز بامرأة قوية متعددة المواهب وقابلة على التواصل مع الناس. ولكن هناك ذات أخرى تعيش معك تتميز بعدم السعادة وغير قادرة على التعلق بالآخرين. هذا الذات الفاشلة في التعلق لا تشعر بالأمان منذ الطفولة إلى الآن. الكائن الوحيد الذي تعلقت به هي خالتك وهي بدورها لم تساعدك على نبذ الذات الباطنة.
الاستشارة لا تخلو من الارتباك حين تتحدثين عن علاقاتك بالأصدقاء وما حدث خلال مراحل التعليم. هناك عبارة جلد النفس ومن الصعب الاستنتاج إن كان ذلك تعبيراً مزاجياً أم حقيقياً. ولكن حين يتواصل الإنسان مع الأصحاب فهو ينقل إليهم مشاعر وعواطف اكتسبها من خلال تعلقه بأولياء أمره وعائلته. هذا التواصل يؤدي إلى تطور عاطفي ومعرفي في نفس الوقت.
يتم إعادة هذه العملية حين ينتقل الإنسان إلى مرحلة تعليم جامعي ثم ممارسة مهنية وهكذا. تعطلت هذه العملية في سيرتك الشخصية، ولا يمكن تعليله إلا باضطراب التعلق منذ الطفولة أو عقدة عصابية أخرى لم تتخلصي منها إلى الآن. إدراك العقدة العصابية والتخلص منها عملية مؤلمة ومن جراء ذلك يحاول الإنسان مقاومتها،
ولكن بعد فترة تصبح المقاومة بحد ذاتها أشد من العقدة العصابية. هذا ما يحدث معك الآن. ربما لا يوجد خيار أمامك سوى نبذ العصاب الذي تحمليه واكتشاف شخصية تحمل ذات داخلية جديدة تتلاءم مع الذات العلنية.
الدخول في علاج كلامي مع معالج نفسي كفء هو ما قد تحتاجين إليه.
وفقك الله.