أرتكاريا..
ابنة عمي تشكو من انتشار بثور ملتهبة في أجزاء متعددة من الجسم تكون مصحوبة بهرش شديد ويستمر هيجان هذه البثور لعدة ساعات وتنتهي برشح في الجلد أو جرح ناتج عن الهرش وقد شخصت الحالة باعتبارها حالة أرتكاريا, وكانت قد تكررت لديها حالة الهرش والتهاب الجلد منذ خمس سنوات واعتبرها الطبيب المعالج في ذلك الوقت حالة حساسية ومنعت من تناول بعض الفواكه والأطعمة الأخرى المثيرة للحساسية.
وإليكم معلومات وافية عنها هي طالبة جامعية من أسرة متزمتة كان أبوها أحد الرجال المهمين في المنطقة كان له كلمة مسموعة ويتميز بقوة الشكيمة محبوباً من كل فرد غير أنه في المنزل كان سلبياً وغير فعال بينما كانت الأم متسلطة عدوانية متقلبة المزاج (نكدية) كثيرة الانتقاد لزوجها وأبنائها كانت بنت عمي أول حمل للأم وأنجبت بعدها أربعة أبناء اثنين ذكور واثنتانإناث كانت الأم تفضل الأبناء الذكور على الإناث ولذا كانت تشعر بنبذ الأم لها وتفضل إخوتها عليها في كثير من شئون حياتها.
استمرت في التعليم حتى دخلت الجامعة غير أنها كانت تشعر أن والديها يحظران عليها الكثير مما تستمتع به زميلاتها في نفس سنها يحاسبنها على الدخول والخروج يفرضان عليها الحشمة المفرطة وعدم الاختلاط بأقاربها الذكور بأي شكل من الأشكال وكذلك المراقبة الشديدة لها عند الدخول والخروج واستخدامها للتليفون وكثيراً ما يسألون عن أوقات محاضراتها ومتى ستنتهي حتى أحست بضيق الخناق عليها التحقت بكلية التربية وفقاً لرغبة أبيها ولكنها كانت تتمنى الالتحاق بكلية أخرى تستطيع فيها التعبير عن ذاتها وحتى عند اختيار القسم أجبرها على اختيار علم النفس أو التربية الخاصة حينها
كانت تفكر دخول قسم التربية الفنية لتستريح من صعوبة مذاكرة شيء لا ترغب به الذي فرضه عليها سوء اختيار والدها للكلية التي تدرس بها وهذا ما جعلها ترسب في أغلب المواد أكثر من فصل دراسي مما زاد آلامها النفسية وكان والداها يحملانها مسؤولية الرسوب.
فرض عليها الوالدان الخطبة من شاب غني ذا مركز مرموق من أقارب الأم غير أن الحالة لم تكن منسجمة معه وتشعر بعدم التفاهم معه مما زاد اضطراباتها النفسية والقلق على المستقبل كانت أول شكوى من الاضطرابات الجلدية منذ خمس سنوات عقب رسوبها في السنة الأولى بالدراسة الجامعية ثم أصبحت ملحة عليها كلما حدث لها اضطراب نفسي أو شعور بالذنب نتيجة الفشل
أنا باعتباري أخصائية نفسية مبتدئة
أتمنى منكم مساعدتي في إرشادي بنوعية العلاج النفسي المناسب لها
4/9/2018
رد المستشار
الابنة الزميلة العزيزة أهلاً وسهلاً بك على موقعنا مجانين وشكراً على ثقتك وعلى اهتمامك بابنة عمك، بارك الله فيك، الحقيقة أن العلاقة بين الجلد والجهاز العصبي النفسي للإنسان علاقة مركبة ووثيقة بشكل ربما لا تماثله العلاقة بين أي من أجهزة الجسد والجهاز العصبي النفسي فمثلاً تظهر انفعالاتنا على جلودنا فنحمرُّ أو نصفر أو يقف شعرنا من الخوف،
كذلك فإن من المعروف أن المنشأ الجنيني لكلٍّ من الجلد والنسيج العصبي مشترك وهو الأديم الظاهر ectoderm وأن كثيراً من المتلازمات الموروثة هي متلازمات عصبية جلدية neurocutaneous syndrome أي تظهر فيها أعراضٌ في كلٍّ من الجلد والنسيج العصبي، ولتفصيل أكبر في هذه النقطة اقرئي حب الشباب وأسبابه النفسية
أيضاً من المعروف لأطباء الأمراض الجلدية بشكل خاص أن فترات الهدأة والاتقاد التي تحدث في مسار كثير من الأمراض الجلدية إنما تجيء مواكبة لفترات الكرب أو الضغوط النفسية المتزايدة، ولعل هذا ما يشير إليه قولك: (كانت أول شكوى من الاضطرابات الجلدية منذ خمس سنوات عقب رسوبها في السنة الأولى بالدراسة الجامعية، ثم أصبحت ملحة عليها كلما حدث لها اضطراب نفسي أو شعور بالذنب نتيجة الفشل).
وبالتالي فإن العلاج النفسي أيا كان نوعه جزءٌ مهم من علاج مرضى الأمراض الجلدية واضحة العلاقة بالحالة النفسية أو غير واضحة العلاقة بها، خاصة وأن معظم مرضى الأمراض الجلدية المزمنة توجد لديهم اضطرابات نفسية مواكبة وهذا ما درسناه بأنفسنا في أحد أبحاثنا بعنوان السمات النفسية للالتهاب الجلدي العصبي Psychiatric Aspects of Neurodermatitis، فقد كانوا جميعا يعانون من القلق النفسي.
أعود إلى حالة ابنة عمك لأقول لك أن تحديد نوعية العلاج النفسي اللازم لحالة بعينها يعتمد بشكل أساسي على التقييم المباشر للحالة من قبل المعالج النفسي، صحيح أنك قدمت لنا معلومات عن ديناميات الأسرة وعن صفات المريضة وهو ما يبين بوضوح علاقة حالتها وسماتها النفسية بالمشكلة، إلا أننا رغم ذلك لا نستطيع تخمين ما إذا كان العلاج المعرفي Cognitive Psychotherapy سيفيدها أكثر من العلاج التحليلي Analytic Psychotherapy أو ربما العلاج البيشخصي Interpersonal Psychotherapy،
كذلك قد يحتاج الأمر علاجاً نفسياً أسرياً Family Therapy تشترك فيه الأسرة كلها ويتم التركيز على ديناميات التفاعل بين أفرادها، كل هذا يستطيع الطبيب النفسي تحديده بعد معاينة الحالة وتقييمها لمعرفة ما يصلح لها، أعانك الله على مساعدتها وتابعينا بالأخبار.