الهدية الملعونة م
الهدية الملعونة- متابعة بعد سنوات طوال
تحية طيبة وبعد،أشكر جهودكم المستمرة والمباركة وجعلها الله في ميزان حسناتكم.
هذه الرسالة موجهة خصيصاً للسيدة أميرة، لقد كنت أرسلت مشكلتي لكم باسم الهدية الملعونة قبل عشرة أعوام وأجابتني مشكورة وطلبت مني أن أوافيها بأخباري، لم يكن لدي أخبار تذكر أو تستحق القول طوال السنوات تلك، ولم أعلم ماذا سأقول ومن أين أبدأ، وكنت قد نسيت الأمر فترة من الزمن ولكن أحب أن أوافيها بأخباري إذا أحبت وستكون قصة طويلة.
لقد مضت عشر سنوات بحلوها ومرها وضيقها وسهلها وبكل ما تحتمله الأيام من تناقضات تجاذبتني منذ سنيني الأولى وقد أصبحت الآن سيدة في الرابعة والثلاثين، سيدة لها قصة حياة وعرة تحكيها.
في ذلك الوقت قطعت علاقتي بابن عمي بعد أن فكرت بذلك ملياً، أعترف أنني خفت العودة من دونه وحيدة بخفي حنين، خالية الوفاض بلا رجل ولا حب ولا زواج ولا مال، نعم لقد فكرت أن أتزوجه وتراجعت عن ذلك لأسباب كثيرة معظمها يخص روحي الجريحة ويخص غروره وكبريائه هو،
أعلم أن هذا هو الصواب واستمعت لنصيحتك ورأيت أنه من الأفضل النظر للأمام ولمستقبل جديد، صحيح أن تلك الكلمة كانت ثقيلة لها عواقب أحسب حسابها ولا أدركها، في النهاية أتتني الجرأة وفعلتها وقولت لا، رجوته أن يسامحني ويتركني حرة ويكمل معروفه معي ولا يجبرني على ما لا أحب، حاول ثنيي عن قراري لكنه وبعد حين تقبله بضيق،
بكيت كثيراً ذلك اليوم مثل اليوم الذي دخلت به لمنزل عمي طفلة، ابتعد عني وعنا فترة من الزمن وترك لي تلك الفسحة التي تمنيتها، كنت وقتها حرة من الالتزام المادي الذي كبلني به وتخرجت من جامعتي وكنت سعيدة جداً بذلك ومتفائلة ورسمت أحلاماً كثيرة للمستقبل ورغبات أستحقها مثل عمل وحب وزواج، أو ظننت ذلك، أردت أن أثبت لنفسي أولاً ولله قدرتي على الرجوع والتوبة، وقدرتي على أن أبدأ من جديد وأقول للجميع أنني صارعت وقاتلت من أجل دراستي التي أستحقها.
وبدأت أبحث عن عمل يحررني ويجعلني سيدة نفسي لا أتسول شيئاً من أحد ولا أبيع نفسي لقاء الدنيا وما فيها، حاولت وحاولت ولم أوفق،
كنت أعمل بالدروس الخصوصية وما شابه ذلك مما يسد رمق العيش من فترة لأخرى ولكن هذا العمل كان يشعرني بالفشل وكأنني أتقهقر للوراء، وجلست عامين في بيت عمي لا أنوي على شيء، وحيدة من جديد وبلا أي مصدر رزق يذكر،
حرمت من كل شيء كرة أخرى وكان أمراً قاسياً، لم أندم لحظة على فراقي له ولم أفكر بالعودة له ولو كخاطر عابر وكنت أحب نفسي لذلك وأحترمها، لكن إجحاف الحياة ازداد خاصة أن كل أقراني الفتيات من أقاربنا صرن يافعات مقبلات على الزواج وأنا دخلت في طور المقارنة السابقة، كن يتجملن ويظهرن في المناسبات كسيدات المستقبل على عكسي، لهن عائلة تستقبل الخطاب ووضع اجتماعي يذكر، لم أهتم بدايةً وقولت أن الله يعوضني ويسامحني وهو أولى وأدرى بي، ومن ليس له أم وأب فله رب، لكن الإحباط أصابني وشعرت بالنقص وبالغيرة تنهشني وفقدت بريقاً كان يلمع في داخلي حتى في أحلك أيامي السابقة،
الخلافات ازدادت مع زوجة عمي إذ أن معظم من في المنزل تزوج أو يعمل أو يدرس، وأصبح الاحتكاك مباشراً تقريباً، كنت أشعر طوال الوقت بوجودي يستفزها وأحياناً لدرجة الجنون ولم أكن أفهم كل هذا، صحيح أن عمي توقف عن ضربي بسببها منذ زمن لكنها كانت تكرهني ولا تمل التذمر وصار شعوراً متبادلاً بيننا، لم أعد أطيق النظر إليها حتى ولا إلى نفسي.
حاولت أن أشغل نفسي بالقراءة والكتابة والتلفاز وكل ما يمكن أن أفعله لكنهما كانا عامين كئيبين جداً بكيت بهما أكثر من كل عمري الذي مضى، دعوت الله أن يبعث لي زوجاً وكلما حصل وخطبني أحد انقبض قلبي وخفت وتمنيت أن لا يتم الأمر وأن يتم أيضاً بتناقضي السابق، كانوا هم يرفضونني على الأغلب وكان هذا الأمر يزيد من يأسي وإحباطي، وكأن هناك هالة حولي من الكآبة تبعد الناس عني فلا يقربونني بالإضافة إلى وضعي العائلي الذي لم يقبله أحد اجتماعيا، فكرت كثيراً بخطاياي وعقابي وقيودي وشعرت أن ذكريات الماضي تلقي حاجباً بيني وبين الحياة فلا أراها ولا تراني ولا أدري من أنا وماذا أفعل هنا ولماذا حدث ويحدث كل هذا،
مضى وقت طويل حتى عاد يتقرب مني بلطف ويهتم بي ويسأل عني وكنت أجيبه بحدود وأصده حتى لا أقع في أي شرك له مهما كان السبب، يعرض علي المال وأرفضه قطعاً مهما احتجته وأفكر وأصمم أنني لن أعيد الماضي أبدًا مهما حصل، كان يطلب مني أن أساعده بعمل ما لقاء أجر حتى لا أرفض وأمام الجميع، ربما ليثبت لي حسن نيته، وكان يشجعني على الخروج أو فعل أي شيء ولو تطوعاً لكن ذلك لم يكن متاحاً لي أو في متناولي، وخيمت الكآبة علي وأكلت روحي فعلاً، كنت أمضي أياماً طويلة لا أخرج ولا أتكلم مع أحد إلا النزاعات داخل المنزل،
ولا أتذكر منه ومن الماضي إلا كل سوء أيضاً، كنت أفكر دوماً في ما حدث عندما كنت في الخامسة عشرة بلا انقطاع وما آلت إليه الأمور فازداد ضيقاً فوق ضيقي وسيطرت كل المشاهد السلبية علي ولم أتذكر شيئا جيداً وإن حصل، كان هو الشخص الذي أكرهه جداً والذي يسألني عن أخباري، كنت أتواصل معه حتى لا أصاب بالخرس وألجأ إليه كلما سيطر علي الحزن ليواسيني وكان يستطيع فعل ذلك،
كان يعرف نوعاً مما أفكر به ويحاول مساعدتي من غير أن يقترب أكثر، مثل لعبة القط والفأر، ويودني في الأعياد والمناسبات كما يود أخواته وأمام الجميع حتى أقبل وعندما أتمنع يلومني أهله وكأنه يتفضل علي وأرفض عطاياه جحوداً فأزداد بغضا له، وفي نفس الوقت كانت له حياته الأخرى وعمله ونجاحات يحققها وأهداف يسعى إليها، وأنا كان لدي ماض يحاصرني وحاضر مقيد بلا أفق وكنت أكرهه وأكرههم جداً وأكره نفسي أكثر من كل شيء.
فكرت في الانتحار كثيراً وجاء يوم حدث به شيء آذاني جداً بسببها هي، زوجة عمي، كانت طوال الوقت تشعرني أنني عبء عليها وعلى عائلتها، عبء لم تستفد من حمله حتى، تقول لي دوماً أن ابنها أنفق علي النقود لأتعلم وما زلت هنا لا أعمل ولا أجني شيئاً مقابل ذلك التعب، كدت أقول لها لقد دفعت له ما يدني له الجبين وكفى بل كدت أقول للجميع ما حصل ولننه هذا الأمر، إنه يبدو بمظهر الفارس الشهم وأنا أبدو أنانية مستغلة وبلا فائدة، كنت أصرخ بجنون ولم يكن في عقلي فكرة واحدة تساعدني على التحمل، لا ماض يشفع ولا مستقبل يلمع ولا أذن تسمع، هذا الخلاف كان مصيرياً لي وكانت النهاية ولا شيء بعدها،
لم أكن أطيق ولو نسمة ربيع تمر بجانب خدي فكيف بإعصار من الصراخ والأذى والمشاكل والكلام الذي لا أجد له رداً ينفع ولم أدر فعلاً ماذا أفعل وماذا تريد، طالما كرهت حياتي وفكرت في الموت إلا أن الموت ذلك اليوم كان يبتسم لي ويناديني وأردت عناقه والهرب به، كلمته وكان هو موجوداً في بيته، ذهبت إليه وأخبرته برغبتي بقتل نفسي وكرهته ولومته وعاتبته جداً وكنت أبكي وأبكي بلا توقف ودموعي تبلل وجهي، كنت أتكلم بكل جد ولا زلت أذكر مشاعري ذلك اليوم بوضوح، ذهبت إليه كي يمنعني، كنت أريد الموت بصدق وأريد من يوقفني عنه إذ أن كل صراخي لم يجعل أحداً يهتم ويصدق أنني سأفعل.
احتواني وهدأ من روعي، كنت أكرهه جداً ولكنني عرفت أنه سيبذل جهداً لأبقى حية، وكان هو أو اعتقادي بأنه يهتم آخر رابط لي مع العالم.
أعادني إلى بيت أهله وحاول بكل الطرق وبحزم حل المشكلة مع أهله وأمه وتكلم مع الجميع من أجلي خاصة أخواته اللواتي حاولن كبح جماح أمه، لم أشعر أنه يحبني بقدر ما كان يرى أن الأمور تتخذ منحنىً جدياً إلى ما يسوء الجميع، الفتاة التي تقتل نفسها تجلب العار وإن لم تمت فستخيم التعاسة واللعنة على ذلك البيت،
أخبر أمه أن كل هذا النزاع بلا فائدة ولن يوصلنا إلا إلى مزيد من التوتر والضغط على المنزل وجميع من فيه لا عليّ وحدي، قال لها أنني لن أخرج من هذا البيت لأنه لا يوجد مكان أذهب إليه وهذا أمر مفروغ منه وإن كان لا يعجبها فلتتكلم هي أو أبوه مع أبي ويتحمل أحدهم مسؤولية ذلك القرار، قال لها أنه أنفق علي كما كان سيفعل مع أي من أخواته، سألها إن كانت تود أن أموت فعلاً وتتحمل هي وزري؟ هذا الكلام هدّأ الوضع كثيراً، جملة واحدة بقيت عالقة في ذهني، أنني لن أغادر هذا البيت إلى أي مكان، لم تحل الأمور تماماً ولكنها هدأت وهدأت زوجة عمي والآن أراها في ذلك الماضي ولا أجد لها تفسيراً إلا أنها اعتادت أن تكرهني وأن تقول ما تقول يمكن بلا وعي أو حساب.
كنت أصلي العشاء كل يوم وأجلس مع الله أحدثه بالساعات أن لا يتركني ولا يختبرني ولا يحملني فوق طاقتي، قد يكون في وسعي التحمل أكثر لكن رحمتك يا رب أوسع لي، لا أريد أن أفقد ما تبقى من عقلي وأنت ترى وتسمع، ارفق بي يا الله، لا أريد أن أقتل نفسي، خذني أنت إليك بهدوء، لا أريد لقلبي أن يصبح حطاماً وأظل طوال العمر أجمع شتات نفسي، إذا كان هذا الصبر هو طريق الجنة فأنا لا أريدها، كنت أقول وأقول الكثير واستجاب الله.
وبعد فترة حصلت على عمل في قطاع خاص من دون أي مساعدة وسعدت به جداً وإن كان بمرتب قليل إلا أنه كان منقذي، تعرفت على أشخاص طيبين جداً، من اليوم الأول عاملوني كأخت لهم تماماً وكونت صداقات جيدة وقائمة للآن، يسألون عني دوماً ويهتمون لأمري وإن كنت بالطبع لم أخبرهم بحقائق كثيرة عن حياتي ونفسي إلا أنهم كانوا قريبين مني بطرق أخرى وكان الاندماج بهذا النوع من العلاقات بعد عزلة طويلة من الصعوبة بمكان لكنني نجحت إلى حد ما.
اشتريت لنفسي ما أحب ودخلت عالماً جديداً به طبعاً ما به، لم أسر لصديقاتي ما يجري في حياتي إلا أنهن كن يتعجبن من صبري وهدوئي على مشاكل العمل والرؤساء وأقول في نفسي آه لو تدرين، كنت أحمد الله كل يوم على هذا العمل وأعتبره أول حلقة وصل بيني وبين الله، كلما يئست من الدنيا تذكرت أنني حصلت عليه وأطمئن.
لكن القصة طويلة والحياة تخبئ الكثير، بعد عدة أشهر قرر والدي الاستقرار في البلاد من أجل استكمال دراسة أبنائه الجامعية، حضر وبدأ إجراءات الإقامة من بيت وخلافه، وهنا شعرت أنه من حقي أن أخبره برغبتي في العيش معه، كنت أعرف أن الأمر لن يكون سهلاً لكنه الأفضل لي بلا شك، أنا وإخوتي الغرباء لكننا في النهاية أخوة وأريد عائلة، أريد مكاناً لا يوجد ابن عمي به ولا أمه ولا أي أحد منهم في منزل يكون من حقي الإقامة به، تجاذبتني الكثير من الأفكار،
وعندما حضر والدي أخبرته برغبتي هذه، وأخذ هو يرفض ويتحجج بتجهيزات المنزل والعائلة وكنت أرى الرفض بين كلماته لكنني صممت بطرق عدة، من ثم أخبرت إحدى عماتي بذلك وطلبت منها أن تقول له أنني أصمم على ذلك وأريد أن أعيش معه وآن له أن يتحملني، ذهبت أنا وإياها إليه، أتعلمين ماذا قال؟ لا أريدك هنا وإذا حضرت مرة أخرى فسأرميكي في الشارع، عودي من المكان الذي جئت منه، هكذا بكل وضوح.
عدت مهزومة مكسورة الجناح لم تجف لي دمعة طوال الطريق، واستني عمتي بكلمات لم أسمعها، آلمني كلامه في الصميم وتمنيت لو مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً، كنت أعلم أن الجميع سيعرف ما حصل وبقصد أو بدون قصد أخبرت عمتي كل العائلة، لم أعد أستطيع النظر في وجه أي أحد سواء الشامت أو المتعاطف، خجلت من نفسي ومن وجودي في هذا الكون الذي قد يكون به لحشرة ما لا ترى قيمة أكثر مني، اتصل بي ط وطلب مني أن لا أؤذي نفسي وتحدث معي، لامني كثيرا على ذلك وسألني لماذا تريدين العيش مع ذلك الرجل الغريب والذي لا يعرف شيئا عنك،
الشخص الذي أهملك تماما منذ طفولتك ماذا سيقدم لك الآن، أخبرني أنني سأجد مشاكل جديدة وربما أكثر مما عايشت طوال عمري، في ذلك الوقت لم أفكر بالموت بل فكرت بالهرب وأخبرته بذلك، طلب مني أن لا أفعل وأنه لا يستحق، واساني وقال لي عن كل ما يضايقه من أبيه وأمه، قد أكون ارتحت لكلامه لكن ذلك لم يمنعني من أن كره الحياة التي لا تعطيني إلا خيارات يمليها الآخرون علي، كرهت والدي أكثر الذي تركني عرضة لرجل غريب وما زال يتركني له بشكل ما ودعوت عليه، وشعرت أن الأرض لا تتسع لكلانا وقد تضيق بنا السماء أيضاً.
مرت ثلاثة أشهر ودخل والدي المشفى لعارض بسيط يوماً واحداً فقط وأخذني عمي لزيارته رغماً عني وكان ما يزال بكامل صحته، وقفت على باب الغرفة ولم أستطع الدخول وبدأ يناديني باسمي، كان وقع صوته علي كالسهام ورفضت رؤيته بل لم أستطع، وغادرت المشفى لأسمع خبر وفاته بعد ساعة فقط، شعرت أن حملاً ثقيلاً أزيح عن صدري وسعدت بموته سعادة لا توصف، لم أبك تلك الليلة بل نمت في بيته الذي طردني منه لأول مرة ملء جفوني،
وفي اليوم التالي أحضروا جثته إلى المنزل ورأيته ممدداً لا يقدر على شيء، رأيت ملابسه ومتعلقاته على الطاولة وقد عاشت بعده وأبقى منه، كان ممدداً يودعه الجميع، عانقته في موته وبكيت من أعماقي وهمست في أذنه كلمات عتاب. في العزاء سمعت كلمات التعزية من الجميع ولم أشعر أنها تخصني أو يجب أن تقال لي وعندما انتهى عدت إلى بيت عمي إذ أن إخوتي كانوا وأمهم أغراباً عني ولم أكلف نفسي مؤونة معرفتهم ولم أفكر حتى بذلك،
رأيت ابن عمي بعد العزاء وواساني وكان حائرا فيما يقول كما لم أره من قبل، كان حزينا جدا وربما أكثر مني، ورثت عن والدي القليل من النقود وملكاً غير منقول وانتهت حكايتي معه، لم أسامحه يوماً ولم أستطع حتى الترحم عليه، أجدها كلمات ثقيلة على لساني ولا أقدر على قولها ولو من وراء قلبي، وجال في فكري كثيراً السؤال الذي سألتك إياه منذ عشر سنوات، لماذا يفعل الناس كل هذا؟ والجواب عندي لأن الشر فينا أصيل وجبلنا عليه.
مضت الأعوام في العمل وكان ملجئي، أحببت نفسي أكثر وبدأت أهتم بشكلي وأحبه وأهتم بلباسي وأنوثتي وأشعر بها تنضج، وبالرغم من دخولي بحالات من الاكتئاب من فترة لأخرى إلا أنني نجحت بأن أكون محبوبة وصديقة الجميع وشعرت بشيء جديد من السعادة والتألق، ولكن لم يستطع أحد خوض غمار نفسي، قررت أن أتسامح فعلاً مع كل ما حصل وقرأت عن ذلك كثيراً وكيف أتعامل معه، وصممت أن أبدأ من جديد بطريقة ما، كنت أكتب أفكاري على الورق كل يوم وأبكي وأرتاح ثم أغضب وأهدأ، إن كل العلاقات الجيدة في العمل لم تغن عن أن يكون لي عائلة،
سألته وشجعني وقال لي أن الأسوأ قد حصل بالفعل منذ زمن ولا يوجد ما أخاف منه ولم يشمل نفسه بكلمة "الأسوأ"، بدأت أصارح بنات عمي وعماتي عن كل ما حصل بيننا، لم أفكر في ردة فعلهم، إذ كنت أعرف أن الإنسان يتخذ موضع الدفاع مهما فعل ولم أكن أهتم صراحة بهم كأشخاص، كنت فقط أريد أن أقول لهم ما بخاطري، عاتبتهم جداً على كل شيء، كنت أشعر بروحي مريضة ومنهكة آن لها أن تشفى وأن هناك عقداً في قلبي وعقلي يجب أن تحل حتى تنعكس على حياتي، وكان لدي يقين أنها إذا حلت فسأستطيع أن آكل أفضل وألبس أجمل وأمشي برشاقة وأبتسم من قلبي وأحب وأعطي الحب.
لم يكن الأمر سهلاَ أبداً لكنه حصل، جلست مع كل شخص فيهم وأخبرتهم بكل الآلام التي تسببوا بها لي قصداً أو عفواً، لا يهم متى وكيف، لكنها حدثت وكوت قلبي، عاتبتهم على كل شيء، كل شيء حرفياً، عاتبت عماتي كلهن على طفولتي وما قاسيته فيها، على وحدتي وحرماني ودموعي ويتمي بينهم، على والدتي الغائبة والتي كان عليهم يعوضوني مكانها وغيابها لا أن يقهروني بها، عاتبتهم على كل ما صدر من والدي حيث لم يحرك أحد فيهم ساكناً ولم يقل كلمة حق، كان عاماً صعباً به الكثير من الحديث المتعصب والإنكار والدفاع لكنه كان،
وتغيرت الأمور من بعده، إحدى عماتي اعتذرت لي بشدة وطلبت مني أن اسامحها، قالت لي أن أبنائها بدؤوا يكبرون وهي فوق رؤوسهم لكنها تحزن إذا سمع أحدهم كلمة من زميله في المدرسة تؤذيه ولا تستطيع أن تتخيلهم يمرون بما مررت به، وتغيرت معاملة بنات عمي لي خاصة من تزوجن وأصبحن أنضج وعركتهن الحياة بما لا يرغبن، بدأت أزورهن حتى لو لم نجد ما نتحدث عنه لكنني حاولت، وأنا الآن وبعد كل تلك السنوات وجدتك على حق، أن الناس قد يتصرفون مع اخوتهم وابنائهم بهذه الطريقة، وعندما أيقنت ذلك ارتحت كثيراً إضافة إلى معرفتي أنهم لم يكونوا يوماً بالنضوج الكافي على أكثر من محور.
لم تصبح الأمور مثالية ولا أظنها ستكون، لكن الرمد أفضل من العمى، ارتحت قليلاً ذلك الوقت وتغيرت علاقتي بالجميع، حتى زوجة عمي، لم نصبح على وفاق يوماً لكنها تقبلتني بشكل ما، كنت أودها كل شهر بشيء من راتبي وأقول أن هذا شيء أفعله لنفسي لا لها، وبالرغم مما حصل إلا أنها احتوتني في منزلها ولم يفعل غيرها ذلك وكلما غضبت منها تذكرت هذا الأمر وبدأت هي تعتاد علي خاصة أن زواجي تأخر.
لم أشف تماماً إذ إن شيئاً واحداً كان كان يقف في طريقي كصخرة، هو وما حصل معه، لم أستطع مصارحته أو الحديث معه عما حدث، كنت أشعر طوال الوقت أنه ذو فضل ومنة علي، ودوماً كان هو بجانبي وخفت فقدانه لذا لم اجرؤ على مصارحته بكل ما بخاطري، وبسببه فشلت في إنشاء أو الاستمرار في أي علاقة مع أي رجل، لم أكن حتى أحاول بعد اللقاء الأول، أخاف جداً وأهرب قبل أن يبدأ أي شيء، و تخلل ذلك الخوف خوف من تقدم العمر وضياعه بلا زوج أو بيت أو اولاد، وسيكون بذلك أوله كآخره، كنت أرغب بالحب كأي فتاة وتمنيت أن أعيش هذا الشعور مع شخص يحيي ما مات فيّ من قبل، وشعرت أنني أذبل وأن شبابي يذهب سدى بلا معنى أو قيمة كما ذهبت طفولتي.
كنت أرتعب من فكرة البقاء وحيدة في بيت عمي وأخاف جداً من أي رجل وان اظهرت العكس، شيء ما في نفسي كان يخاف أن أضطر للزواج منه بشكل ما أو الزواج من شخص لا أريده لأهرب، هو لم يتركني تماماً ولم يقترب مني لكنه كان موجوداً، عندما أفكر به أشعر بالامتنان وأجده عندما أحتاجه وأكرهه جداً ولا أفعل في نفس الوقت، كان عميقاً يستطيع فهمي وفهم ما أرمي إليه بهدوء ويفهم ما أقوله بين السطور ويملي علي نصائح تفيدني فعلاً، ويحدثني عن نفسه وحياته وأراه شخصاً مختلفاً عما كان يبدو لي، يزداد نضوجاً وفهماً لتفاصيل الحياة المعقدة ويحيرني بشخصه كثيراً كمن له ألف وجه.
بدأت أتعالج عند معالج نفسي من أجل أمر الزواج وكانت فترة سيئة لي ندمت عليها، لم يستطع هو الدخول إلى عالمي أو إقناعي بالافصاح عنه ولم اقدر على مصارحته بكل ما حدث معي، كان يقول لي أن هناك شيئاً يخص الرجال لا أقول عنه، سألني إن تعرضت للتحرش وأجبت بحزم أن ذلك لم يحصل أبداً، شجعني على دخول علاقة تحت إشرافه وخضت أثناء تلك الفترة علاقتين فاشلتين جداً حاول الشخصين بهما الاقتراب مني وأنا ضعفت قليلاً وتداركت الأمر وهربت، كرهت نفسي وضعفي جداً، كرهت وحدتي وخفت أن لا أتزوج وتعلقت بأمل الغريق الذي يتعلق بقشة،
كان هذا هاجساً يؤرقني ويؤلمني خاصة عندما أرى من هن في عمري إما يتزوجن أو يحظين بالفرصة أو مع أبنائهن أو حتى يعشن الحب مع شخص ما، وكنت كمن لا يراها أحد ولا يعرف بوجودها أحد وطوال الوقت لمت نفسي بلا توقف أن هذا عقاب الله لي وأنني لا استحق اي شخص وسأظلم واخدع من اتزوجه وهكذا افكر وافكر حتى انهار واكتئب ثم استجمع نفسي واستودعها الله من جديد، وهو يعلم توقي للحب والحنان والاحتواء ويعلم كم تعذبت وكم حرمت، تمنيت شخصاً يدللني ويحبني كما أنا بلا قيود، وكنت أتقدم بالعمر وأنا أعرف معنى الجنس واشتاق اليه وبدأت أفهمه أكثر وتزداد رغباتي وأحن إلى ذلك الشعور ولو لحظات، ثم ألوم نفسي جداً وأقول أنني سأنتظره بالحلال وإلا فلا.
لم أرتح للمعالج وتركته وخضت مخاضاً جديداً وحيدة قررت به أن أنسى موضوع الزواج كله وأرضى وأتقبل قدري بشجاعة وقد شارفت على الثلاثين، نسيته برمته لا أريد أحدا لا ابن عمي ولا غيره، قلت لنفسي إن الزواج قدر ككل شيء وهو ليس لي، قد لا أكون زوجة مثالية ولا أماً جيدة حتى كما أظن والله أعلم بما أصلح له، كنت عشيقة شخص ما في وقت ما وانتهى الامر هناك وهذا هو حظي من الرجال.
لكن لم أمنع نفسي من التفكير به هو، ليس حباً بل بغضاً وأحياناً ليس بغضاً بل تفكراً بتصاريف الله، كنت أنظر إليه وأحسده وهو يتنقل من نجاح إلى آخر ويزداد فخر الجميع به وفخره بنفسه، بالطبع كان هدف الفتيات ولا أقول ذلك غيرة عليه بل منه وكان يعرف بالطبع قيمته ويزداد زهواً بنفسه ويظهر ذلك في كلامه وجلوسه وهندامه وتصرفاته وثقته وغروره، حيث لم يخسر من روحه وجسده وسمعته أي شيء مثلي، وتجري الحياة بين يديه كما يشاء،
كان له عمله الخاص ومن ثم أشغل وظيفة حكومية يشار لها بالبنان، يسافر دوماً ويتحدث عنه الجميع وأصبح هو الذي يريد الجميع معرفته، كلما نظرت إليه تذكرت عندما كان يحدثني في الماضي عن أشياء يسعى إليها ويريدها وصرت أراها تحصل فعلاً معه، كان يقول أنه سيبني شبكة علاقات كبيرة تساعده في عمله ونجح في ذلك، الآن هو يعرف حتى الأشخاص الذين يظهرون في التلفاز أو نسمع بأسمائهم ولا نقربهم، ويتجه إليه جميع من في العائلة للحصول على عمل أو نصيحة أو مساعدة، كل ما كان يقوله أصبح حقيقة معه، أراد أن يعمل في العاصمة وحصل له ذلك واشترى بيتاً هناك، أراد وظيفة حكومية محددة وكانت له، وهكذا دواليك.
كنت أفكر كذلك كم فتاة دخلت ذلك البيت – أو حتى بيتاً آخر- وكيف يكون مع كل واحدة منهن، يعطي ويقدم العون مثلما فعل معي حتى يرتاح ضميره، يدمر شخصاً آخر بيد ويمد اليد الآخرى حتى يسامح نفسه؟ هل يحب؟ هل يستطيع أن يحب وتركني انا بلا قلب؟ هل أخذ جسدي وروحي وعواطفي وتحكم بقدري وهو هناك يعيش أجمل الأقدار؟ كيف يكون بهذه الراحة مع نفسه؟ هل يستطيع أن يسامح نفسه وكيف استطاع أن يسامحها؟ وإذا كان الامر كذلك لماذا يسامحه الله ويساعده على نسيان ماضيه والمضي قدماً؟
لماذا أرى الله من زاوية العقاب ويراه هو من زاوية المغفرة؟ إنه حتى لا يصلي ولا يصوم إلا بفعل العادة وأعرف كيف يخوض حياته في العاصمة مع اولئك الناس، وكيف أصبح يرى كل شيء بزوايا حرية أكبر لم نعتد عليها هنا في عائلتنا، لكنه كان يستطيع أن يكسر كل المحرمات والأفكار ويخرج عن المعتاد وينجح ولا يخسر.
كان مصدر فخر لأهله ولعماتي كذلك ويسعدن بوجوده وحضوره، كنت أفكر أنه حصل على هذا الحب والاهتمام والاحترام من دون حتى أن يحاول أو يقدم شيئا لهم، كل ما فعله من إنجاز فعله لنفسه فلماذا يسعدن به، كن-أقصد عماتي- يقلن لأمه دوما زوجيه أو ابحثي له عن عروس تليق به، لم أغر عليه بل منه ومن الفرص المتاحة أمامه، ولم أكن بالطبع بالنسبة لهم عرضاً يذكر أو أليق به وشعرت بالغيرة لذلك، من الفكرة نفسها، قد يبدو ذلك جنونا من نوع ما، في وقت ما أردن عرض إحدى بنات عماتي عليه وعرفت بذلك،
زادت غيرتي وكنت على وشك أن أخبرهم أنني رفضته مهما كان رائعا وهي ليست أفضل مني، شعرت أن الفرصة حانت لأقول لهم أنني لست أقل، تقبلت أن يتزوج أي أحد إلا من العائلة، بالرغم من تحسن علاقاتي معهم إلا كنت في نظرهم في منزلة أقل وكنت أعرف ذلك وأراه، وأدرك أنني لم أكن يوما في عيونهم خيارا مطروحا لأي أحد سواء من العائلة أو خارجها، ونحن الفتيات نبقى فتيات في كل الظروف.
كنت أقارن بيننا بلا توقف، كان يستطيع دخول أي بيت والتقدم لخطبة أي فتاة وكان يفعل ولا يتم النصيب لأسباب مختلفة، لكنه كان يملك الخيار ويملك زمام الأمر والإقدام وتساعده حظوظه وأهله ونقوده واسمه وكل شيء، أصبح هو أشياء كثيرة كلما كبر وأنا نقصت مع الأيام أشياء لم أملكها أصلا، أنتظر أن يدق بابي الفرج، وكنت أتساءل كل يوم لماذا، لم يكن كله سخطاً كما قولت بل تعجباً وحيرة أريد لها جواباً لم ولن أجده يوماً.
هل يتزوج وينجب أطفالاً ويكوّن عائلة ويستغفر الله عن كل ماضيه وقد يذهب للحج أيضاً ويمضي قدماً وأنا أدفع كل الثمن؟ هل سأظل أعيش مع والدته ويزورنا هو وزوجته وأولاده وأبتسم لهم جميعاً، كنت أتخيل هذا المشهد فبنقبض قلبي بألم. كان يسألني عن أخباري وكنت أجيبه ويستطيع جذبي بالحديث وإن تمنعت حيث أجد عنده جواباً تقريباً لكل شيء، ساعدني في أن أجد عملاً بجانب عملي وعلمني كيف أقوم به، كان يدخلني إلى عالمه من حين لآخر، أخذني إلى مسارح ومعارض وإلى أماكن أخرى لم أفكر حتى بها،
لم يقربني أبداً مع كل ذلك ولم يعرض علي الزواج، وكنت لا أسأله كثيرا عن حياته وإن سألت أشعر بالغيرة والغيظ من أجوبته، قال لي أن أجد عملاً في العاصمة وكنت أعتبر ذلك رغبة منه بأن يملكني مرة أخرى، إذ أنه كان يعلم بكل الأحوال صعوبة إيجاد عمل لي هناك يكفيني، كان يتذكر عيد ميلادي دوماً ويشتري لي الشيء الذي أحب وإن كان بسيطاً، أسعد بذلك ولا يظهر علي شيء مما أفكر به كعادتي،
كان يستطيع أن يسألني عن عالمي ويدخل اليه ويستمع حتى لقصص صديقاتي باهتمام، يواسيني كلما حدث طارئ ويشجعني على الخروج من طور المنزل والعائلة ما استطعت، لم أحتجه في شيء محدد وكنت أعرف أنني سأجده إذا أردت، كنت أشعر بالأمان بوجوده والغربة إذا كان مسافراً أو بعيداً، ليس حباً بل شيئا آخر لا أعرف ما هو ولذا لم أستطع معاتبته، وكنت أقول أن الله سيعوضني بخير منه ومني بالرغم من تقدمي في العمر ومن كل شيء.
كنت أخجل بتأخر زواجي أمامه وأمام الجميع، شعرت أنه يقول بينه وبين نفسه أنني فشلت في هذا الرهان أيضاً وتركته من أجل لا شيء ولا أحد، لم يقل هو هذا بأي شكل أو حتى أي أحد من كل العائلة لكنني شعرت بذلك، خسرت بما راهنت عليه وصرت لا أحب أن أراه وأعتبره مثالا جديداً لخساراتي المتكررة، ولكن كنت أراه دوماً بلا انقطاع، كل الأمر كان معقداً.
وكنت أراقب صديقاتي وحياتهن وتصرفاتهن في تلك المرحلة، شعرت بأهمية أن تكون لي أم مع أنني لم أذكرها ولم أفكر بمقابلتها جدياً، لكن رأيت في داخلي فجوة لا تملؤها إلا الأم، وأريد نصائح لا تقال إلا لابنة، لم أكن أعرف عنها شيئاً أبداً إلا اٍسمها ولم أقابلها من قبل، ترددت ولكن في النهاية تجرأت وطلبت منه أن يجدها لي وكنت متأكدة أنه يستطيع، أستغرب جدا طلبي هذا وسألني لماذا وبعد كل هذا الوقت، أنا لم أذكرها يوما أمامه ولو تلميحا، أخبرته أنني أحتاجها الآن، قد يبدو ما أقوله غبياً، لكن كل النساء وعماتي كن يسعين لزواج بناتهن وأنا ما زلت وحيدة،
أريد أما تساعدني وتزوجني، كنت أريد أملا أو منقذا، لم أخبره بالطبع بالسبب الحقيقي، طلب مني أن أنسى الأمر وأنه صعب عليه، رجوته كثيرا فقال لي أنني أؤذي نفسي فقط كما فعلت مع والدي، جرحني بكلامه لكنه قال أنها لا تريدني وإن أرادتني لكانت وجدتني، لا تسع وراء من لا يسعى إليك، قد لا تكون ملائكة كما تتمنين وقد لا تكون أصلا بانتظارك وهذا لن يزيدك إلا أسى، وقد لا يكون لديها ما تعطيكي إياه أساسا، هكذا كان رده حازما بدون شفقة، اقتنعت بكلامه بعد فترة ونسيت الأمر برمته.
لكن الله كان يقدر شيئاً آخر لي، إذ خطبت إلى شاب من عمري تقليدياً، حسن المظهر ومتعلم تعليماً جيداً يعمل بوظيفة بسيطة، كانت سعادة الدنيا لا تكفيني بخطوبتي نفسها لا به، لكن منذ أيامي الأولى معه عرفت أنه لن يسعدني وشعرت بفجوة كبيرة بيني وبينه وكان بعيداً عني كل البعد، شعرت بشيء يخنقني من روحي وكأنني تورطت ورفضت الاعتراف بذلك حتى أمام نفسي، منذ أيام عقدنا الأولى رأيت الطلاق بأم عيني، لكن أنكرت ذلك على نفسي ولمتها وحاسبتها،
كنت أقول أنني صبرت على الكثير وهو قليل من كثير، كنت أصور لنفسي الأمر وكأنه المنقذ الذي سيخرجني من شبح الوحدة الذي أرقني سنين طويلة وسيعطيني استقراراً وبيتاً وأولاداً، سيتغير كما تغيرت وكنت أواسي نفسي أنه ربما كان له ماض مؤلم أيضاً لم يفصح عنه، هذا ما اعتمدت عليه لأبقى معه عاماً كاملاً، أحلام فتاة لا تريد أن تقهر أكثر ولا أن تصبر ولا أن تنتظر أحلاماً أخرى.
لكن الواقع غلاب، كان شخصاً بليداً بخيلاً مهملاً قاسياً، لم يسعدني يوماً بشيء، لم أرى منه شهامة أو رجولة أو حسن خلق بل كان كثيراً ما يسقط من عيني، ولم أشعر معه بأنوثتي أو بتصرف واحد يشيء عن الحب، كان عصبياً يقول كلاماً جارحاً لا تحمد عقباه بلا تفكير، لا يحترمني ولا يحن علي، وصل به الأمر أن قال لي صراحة أنني لن أتركه لأنني بلا عائلة وهو يعلم ذلك، كنت أحترق في داخلي وأسامحه على كل ما يبدر منه حتى لا نفترق وأبرر ذلك له من دون أن يعتذر، كنت أعطيه نفسي حتى لا يتركني ولا أطلب منه شيئا،
وأشعر بعدها أنني بلا كرامة وأبكي بشدة ثم أقارن ذلك مع الماضي وأقول على الأقل هذا حلال ويريد أن يتزوجني وأسامحه، كنت أضع الحلال الذي بيننا بالمقارنة بذلك الحرام وأغفر له، كان يتعمد إبكائي ويتصرف معي بكل خسة ونذالة ومن ثم أسامحه، لا يزورني إذا مرضت ولا يسألني إن كنت أحتاج شيئاً لكن قوله لي أنه يحبني يكفيني وإن كان خاوياً خالياً بلا دلائل، كنت أقارن واقعي معه مع ما قد أعود إليه من دونه وأصمت، حاولت التفاهم معه لكن ذلك كان كالذي يصرخ في الماء، لا يسمعه أحد بل يتعجل موته، صحيح أن الحياة اختلفت في بيت عمي لكنني أردت بيتاً لي وأولاداً، كنت أتخيل نفسي وحيدة بعد عشرة أعوام أو عندما يفارق عمي وزوجته الحياة، أين سأذهب وأين سأكون، وأصبر.
كنت على يقين أنني أعيش وهماً، وبكل يأس حدثته عن أحلامي والبيت الذي أحب والحياة التي أتمناها وثوب زفافي وأولادي وأحاول خلق أي تواصل معه وأفشل، وأعرف في قرارة نفسي أنها أضغاث أحلام لا تسمن ولا تغن من جوع، رأيت المستقبل وأغمضت عيني عنه تماماً وأنكرته.
لم أخبر أي أحد عنه بسوء بل كنت أجمله في أعين الجميع، لم أرد أن أفشل، إلا أن عائلتي كانت ترى تعاستي في وجهي، لقد أصبحت قبيحة مهملة في ذاتي، فقدت عملي وتوقفت عن القراءة والكتابة ونسيت مهارات كنت أملكها وأفتخر بها وألجأ إليها وقت الحاجة ووقفت عاجزة مشلولة العقل،
لم أعاتب الله هذه المرة بل لم أفكر بشيء إطلاقاً، انعزلت وكان ذهني شارداً طوال الوقت وأصبح ما أخفيه يظهر في صمتي، أجلس مع الجميع ولا أسمع ما يقولون، أشاهد التلفاز بالساعات ولا أعرف ماذا يجري خلف الشاشة.
ابن عمي رآه يوم عقد قراننا ومرات معدودة بعدها وقال لي أنه لا يحبه ويراه شخصاً غير مستقر ويتصرف كمراهق وبلا نضوج، واعتبرت ذلك غيرة منه ورغبة في تدمير شيء جميل حصل لي وأنكرت ذلك بشدة، كنت أشعر أنه يريد كل شيء لنفسه كما اعتاد وأن أكون تحت جناحه مرة أخرى،
إلا أنه كان يقول لي دوماً إنك تذبلين، أنت غير سعيدة ويجب أن تفارقيه قبل الزواج، لا تدمري نفسك، لن يقدم لك هذا الشخص أي شيء، هو حتى لا يسعى من أجلك لشيء أفضل، كنت أدافع عن خطيبي وأفخر بأي شيء يحضره لي أمام الجميع حتى أثبت لهم أنه جيد وأنني لم أفشل وأقول لابن عمي أنني لم أخسر بفراقه وأنه يحبني وخطبني بالحلال، كنت أقول له كل الرجال سيئين بشكل ما، وليس ذنبه إن لم يكن محظوظاً بالعمل والمال مثلك، لا تقارنه بك، هو شخص آخر ويحبني، لكن كان يعيد ويكرر لي أنني أكذب على نفسي وأنني أعرف ذلك، ويقول الحب ليس هدية، أنه لا يقترب منك ولا يعرف عنك شيئاً ولا يسعى لظرف زواج جيد ومستقر ويتحجج بظروفه.
بمرور ذلك العام تطورت المشاكل التي أخفيتها ووصلت لعائلتينا وكان الأمر صعباً تداركه، لم أرد الفراق وفسخ الخطوبة بعد عام كامل ولم أرد أن أصبح مطلقة مثل أمي، لا أريد ذلك مطلقاً مهما كلفني الأمر ولكنه قدري أيضاً، كنت تعيسة جداً وأخبرت عمة لي عما يحدث بيننا وشجعتني على الفراق وكنت قد كرهته فعلاً لكنني لم أجرؤ على طلب الطلاق، أخبرت هي عمي وعائلته ولم يعارضوا، أعرف أنهم في ذلك الوقت كانوا يقفون بجانبي ومن أجلي لأول مرة حتى زوجة عمي أشفقت علي وحضنتني وتمنت لي الخير وقالت لي أن الله سيعوضني خيراً منه ودعت لي من قلبها، وجدت جميع عماتي وبنات عمي حولي وشجعوني على الانفصال،
إلا أنني حزنت جداً على نفسي وعلى كسرها، أشفقت عليها وعلى آمالها المبعثرة، شعرت بالظلم والحنق وكأن الحياة لا تجد غيري تسحقها، كانت حياة الجميع من حولي وبالرغم من مشاكلهم أيسر وأسهل مما يحدث معي، لكنني لم أبك، أتصدقين ذلك، عيني لم تبكيا لكن قلبي شرد في مكان بعيد وهوى في ثقب أسود ولم أسترده لوقت طويل، لم أتحدث لأحد عما يعتمل في صدري لأنني صدقاً لم أجد الكلمات المناسبة لذلك لكن الحزن كان يعتصرني وشعرت أن كل كلام الدنيا لا يكفي، لم أفكر وقتها أنني أريد أباَ أو أماَ أو أخاَ أو أختاَ، لم أفكر ولم أرد شيئاً.
جاء ابن عمي عندما علم بالأمر وسألني عن ما حصل، كنت يائسة ومحبطة وصامتة وأخبرته عن المشاكل بيننا، سألني إن كنت أحب خطيبي ولا أريد فراقه أو أنني مقتنعة بالطلاق، أجبته أنني لا أعلم، أخبرته عن مخاوفي من البقاء وحيدة وأنني لا أرى فرصاً أمامي للمستقبل، قال لي أنني سأبقى وحيدة وإن عشت ألف عام مع ذلك الشخص، وأن كل الفراق صعب في البداية وستتضح لي الرؤية بعد حين، وأن الانفصال الآن أفضل وأقل خسارة من مستقبل مشتت به أولاد، وشعرت أنه يقصدني أنا وكان صادقا بذلك، كنت موافقة ورافضة للطلاق وتائهة،
قال لي أنه سيكلم خطيبي من أجلي ويطلب منه ومن عائلته الحضور والتفاهم ووافقت، كلمه بالنيابة عن عمي واتفقوا على الحضور، أتعلمين ماذا فعل خطيبي في ذلك الوقت؟ أرسل لي رسالة وقال لي لم يكلمني ابن عمك؟ يجب أن يكلمني أحد إخوتك، وهو يعلم أنهم أصغر مني وليس لي أي علاقة معهم، كان يقصد جرحي وكان هذا الحد الفاصل بيننا، أخبرت ابن عمي بما حصل وقلت له أنني أريد الطلاق ولكن لا أريد أن أخسر كل حقوقي كما خسرت أشياء كثيرة وخفت من المطالبة بها، طمأنني وقال لي أن لا أقلق وطالب هو بحقي من المهر من أهل طليقي ووكل لي محامياً حتى لا أذهب إلى المحكمة وانتهت أمور الطلاق بسرعة وبالتسوية.
استمرت تلك الخطوبة عاماً فقدت فيها عملي وتطلقت وعدت لماضي التليد، كنت أنحدر نفسياً بشكل جديد لا أعرفه، كنت أفكر أن الزواج أيضاً كذبة أخرى كأبي وأمي ودراستي وكل شيء، شيء يحصل للآخرين لا لي، شعرت أن الله ينتقم مني ولا يريدني ولا يقبلني في رحابه، وأعتقد أنني وقتها دخلت طوراً جديدا من الكآبة والأفكار المشوهة.
كانت عماتي وبنات العائلة يتصلن بي باستمرار ويسألن عن أخباري، وكذلك زوجة عمي وبناتها، صحيح أني وجدت تعاطفاً منهم ووقفوا إلى جانبي وحاولوا دعمي لكن ذلك لم يكف بالنسبة لي، كان جرحاً عميقاً لأسباب كثيرة، وهو كان يتصل بي كثيرا ويسأل إخواته عني ومن ثم وجد لي عملاً بسيطاً وقريباً جداً.
هناك تعرفت على محام يكبرني بقليل، كان متحدثاً بارعاً يعرف ما قرارة الأنفس وذكياً جداً، سألني عن نفسي وأخبرته أنني كنت مخطوبة من قبل وأعيش في بيت عمي وأدرك هو بمكره ضعفي، طلب مني أيضاً إقامة علاقة معه، لم أكن أحبه أبدا ولم أوافق، لكن لم أغضب، ولم أنهره، ولم أشعر بالسعادة برغبته ولا بالإهانة، لم أفكر أو أحلم بالزواج منه، كنت فقط أفكر بكل ما يحصل معي،
هل أظهر بهذا السوء دوماً وهذا الضعف، فكرت أن أقيم علاقة معه هكذا من دون هدف، بلا شيء ومن أجل لا شيء، ليس مع ابن عمي ولا خطيبي بل مع أي شخص أختاره انا، كالذي يريد أن ينتقم من الحياة ويعاندها، لا أريد بيتاً ولا زواجاً ولا أولاداً، أريد شخصاً يدللني ويشتري لي الورد فقط، كنت أبرر ذلك وأقول أنني جربت وتنازلت عن كل شيء من أجل الحلال وفشلت به، كنت أقول ذلك وأعرف أن هذا الشخص لن يقدم لي شيئا أبدا، كنت أكلم الله وأقول له أنني تبت وصبرت، أردت أن أتطهر ولكنك رفضتني_ أستغفر الله_ وكانت العبثية تسيطر علي، لم أقم بتلك العلاقة أبدا ولم أستمر في الحديث مع ذلك الشخص لكن هذه الخواطر كانت تسيطر علي تماما، خواطر لم أشارك بها أحدا من العائلة أو صديقاتي، كان شيئاً لا يقال.
ابن عمي كان يسافر كثيراً وينشغل أكثر إلا أنه لم يتركني ويراسلني باستمرار ويسأل عني ويهتم بي، شعر أن أفكاري مخيفة بشكل ما وإن كنت لم أصارحه بها، لمحت له عن ما يدور في ذهني من غير قصد، عن إنكاري لله والعدل وعبث الحياة والموت، عن أن لا شيء يوصلني لأي شيء وحياتي التافهة التي تسير بخطوط متشابكة، نبهني إلى أن أفكاري مشوشة جدا وغير منظمة وعبثية وأنني أؤذي نفسي وطلب مني أن أزور معالجاً، لم أخبره عن العلاج الأول ورفضت الذهاب، أصر هو علي وهددني بأنه سيقول لإحدى عماتي بسوء وضعي إذا استمريت في الرفض، كان يقول لي أنت لا تسمعين نفسك، لم تكوني يوماً بهذا السوء ويجب أن تساعديها، لن يفعل أحد آخر شيئاً لك، لا أنا ولا غيري.
ذهبت وكانت هذه المرة تجربة إيجابية، جزاها الله خيراً، استطعت أن أحدثها عن كل شيء حدث عن كل الماضي وعلاقتي بابن عمي وعائلتي وخطبتي وكل حالات الاكتئاب التي أدخلها وكيف أفكر بها، وساعدتني جداً وشعرت بتحسن سريع بعد ستة أشهر مع أنني رفضت أخذ الدواء التي أوصت به الطبيبة النفسية، وكنت أخبره هو عن كل ما يحدث في العلاج وكل ما تطلب مني أن أفعله، كان يكلمني بعد كل جلسة ويطمئن علي ويتأكد من أنني أتابع العلاج والتعليمات فعلاً.
تحسنت نفسيتي كثيراً والحمد لله، أوجد لي هو عملاً آخر يشغل وقتي، بدأت أعرف كيف أركز على نفسي وأفكاري ولا أترك الظروف السيئة تنهشني بلا مقاومة، فسرت لي كل ما حدث وساعدتني على تقبله وتسامحت مع الماضي جدا، مع زوجة عمي وكل العائلة، قالت لي شيئا ما قلته أنت لي قبل عشر سنوات، ربما كان ذنبي أيضاً، وكنت قد رأيت منهم خيراً ساعدني على الغفران، أدركت أن الإنسان يخطئ مع غيره من دون قصد أحياناً، عرفت أنني قوية بالرغم من كل شيء وبدأت أفكر في العلاقات بشكل جديد صحيح وأقيمها وأميز غثها وسمينها،
فكرت أنني سأعيد تجربة الزواج ولكن هذه المرة لن يسيطر الأمر علي وسأقبل إذا لم يحصل وسأستودع نفسي لله يأخذني حيث يشاء، لم أعد أخاف من المستقبل بل تعلمت عيش الحاضر فقط. تعلمت أن السعادة تنبع من الداخل وحاولت تطبيق هذا القول، تسامحت معه هو من دون أن أجد له أعذاراً بل قولت لنفسي أن هذا شيء حصل وفقط، وتعلمت أن أنظر فقط لكل شيء جيد حصل معي، أنني درست وعملت ولدي أصدقاء وتجاوزت مشاكل كثيرة لوحدي ورفضته في وقت ما واستطعت أن أصمد وحيدة.
تقبلت أن الأمور السيئة تحدث مهما حاولنا ردعها ولا نستطيع دوماً منعها وأن السعادة الني نستطيع عيشها أفضل من التي ننتظرها، لقد كنت سامحته فعلا ولم أتذكر منه إلا الخير الذي صنعه لي وغفرت له كل الشر تقريباً، ربما كنت انا بحاجة إلى رجل في ذلك الوقت قبل عشر سنوات وكان هو موجودا، ربما كنت قد ارتميت في احضان شخص اخر اسوأ منه، لا اعرف كيف ستكون الامور من دونه لكن ربما لن تكون أفضل كما ظننت، على الأقل إنه يعرفني ويعرف كل شيء عني وعن نفسه واستطيع أن لا اخجل بحياتي أمامه.
شعر هو أنني أصبحت بخير وكان سعيداً من أجلي، عرض علي الزواج وطلب مني أن أسامحه، أخبرني أنه يعرضه علي حباً لا ندماً أو تكفيراً وصدقته، قال لي أنه يحبني وأنه نادم على كل ما حصل، بكى أمامي واعتذر لي مراراً عن كل ما بدر منه وقال لي أنه أكبر الآن من أن تحركه رغباته أو غروره وأنه لا يستطيع أن يبرر لي أو لنفسه كيف فعل ما فعل وأن كل الوقت الذي مضى كان ينتظرني من دون أن يعترف لنفسه بذلك حتى، قال لي أن الحياة أدخلت إلى حيزه الكثير ولكن لم تملأ روحه سواي، أقسم أنه لم يقرب فتاة غيري واقسم لك أنني لا أهتم إن فعل.
لم أخف وقتها من الماضي ولا من أهله أو العائلة، ولم أخف منه، كان شيئاً مكتوباً أن يحدث ما حدث بيننا وأن يقبلني الجميع في هذا الوقت بالذات، عندما أنظر للخلف أرى حكمة الله في هذه السنوات العشر، تقبلتني عائلتي وعائلته، أصبح أعزباً في الأربعين لم يحكم له النصيب بالزواج يعمل في وظيفة حكومية مرموقة وتدور الاسئلة حول بقاءه وحيداً، فسخت خطوبتي بعد 4 من بنات عائلتي مررن بنفس التجربة فأصبح أمراً مقبولاً، شعرت أن هذا هو الوقت المناسب.
عرض الأمر على والدته وتقبلته، كان سعيداً بي جداً وكنت أرى ذلك بكل التفاصيل الدقيقة، كان قلبي وقت عقد قراننا هادئاً مطمناً وساكناً جداً، رأيت نفسي جميلة كما لم أرها من قبل، أسير بخطى ثابتة واثقة نحو ما أحب وأعرف ما أريد والأهم أنني لم أكن خائفة من أي شيء، لا منه ولا من نفسي ولا من الآخرين ولا من المستقبل، كنت راضية تماماً.
ولأول مرة عندما عانقني شعرت أنني أغرق فيه، شعرت أنه أبي وأمي وكل الأشياء الجميلة التي أحبها والسكن الذي أصبو إليه، دامت خطبتنا شهرين رائعين امتلأ قلبي بهما حباً، ومن ثم تزوجنا، ارتديت الفستان الذي حلمت به دوماً ولم ينس الأشياء الصغيرة التي أحبها، يذكر كل شيء يسعدني ويجتهد به مما يزيد شعوري بالاطمئنان، أثثت بيتي كما أحب وكان وما زال يسعى في تحقيق رغباتي، أشعر أنه يحبني الآن أكثر من الماضي ويعاملني كطفلة صغيرة وأن عجلة الأيام تدور بالعكس.
أخذني معه في سفر طويل إلى بلاد لم أحلم بها وكان شهراً رائعاً اقتربت فيه منه وأحببته بعمق، يغدقني بحب عميق وكرم أصيل ولا يبخل علي بشيء، معطاء في قلبه وماله وحنانه وكلامه ورفقه بل أكثر من ذلك الوقت بكثير، يهتم بي كثيراً وينتبه لكل ما أقول وما زلت أزور المعالجة لغاية الآن حتى يطمئن علي ولا أنتكس لأي سبب.
لا يضيق صدري إلا بوحدتي أحياناً نظراً لانشغاله لكنه لا يبتعد عني ويجد لي وقتاً وأشعر به طوال الوقت يريد أن يثبت لي أنني لم أخطئ وأنه يستحقني، يفخر بي دوماً أمام الجميع ويتكلم عني بكل خير ويرفع من شأني أمام العائلة وأصدقائه وزوجاتهم، يقول لهم انه يحبني منذ الطفولة وأنني عذبته حتى رضيت به وبذل جهداً حتى أوافق عليه، يرضي غروري بهذا الكلام وأنظر إليه وأقول في نفسي كيف كان هذا الشخص سبب شقائي في إحدى الأيام واليوم لا أرى حياتي بدونه.
أنا سعيدة جداً الآن وراضية وقانعة، علاقتي مع عائلته والجميع أفضل مما مضى وتتحسن وأرى الجميع ينظر إلي باحترام وتقدير ويتذكرونني في كل المناسبات ويهتمون بوجودي وليس في قلبي حقد عليهم أبداً، حتى أنني أرى حب والدته لي عندما تراه سعيدا بعد أن أصبح عازبا في الأربعين لا يعجبه أحد ولا يفكر إلا بالعمل وكاد ينسى نفسه كما تقول.
لا يعكر صفو حياتي الآن إلا رغبتي بأن أكون أماً رغم أنه لم يمض على زواجي وقت طويل، أخبرته بمخاوفي ولكنه طمأنني وزار معي طبيبة أكدت لي أن الأمور ستكون بخير وبعدم وجود مشكلة حقيقية وأن الصبر هو الحل فقط، يقول لي دوماً إن لم يقدر الله لنا أطفالا فأنا أكفيه وهو لا يهتم بأن يصبح أباً ويبرر ذلك لي كثيراً حتى أقتنع وأشعر بالأمان.
تركت الأمر لله كما تركت كل شيء، لا نستطيع التحكم بأقدارنا وليس لنا إلا الرضى وطلب المغفرة من الله وشكره على كل شيء، لا أعلم ماذا تخبئ لي الأعوام القادمة أو أين ممكن أن أكون وما ستكون قصة حياتي
وإن كان في العمر بقية فسأرسلها لكم إن كان بها ما يحكى.
دمتم بخير
7/11/2018
رد المستشار
شكراً على رسالتك وتمنياتي لك بالسعادة.
مضت عشرة أعوام على مراسلتك الأستاذة أميرة بدران واستلمت الرسالة للتعليق عليها.
عقد من الزمن فترة طويلة في حياة إنسان تنقله من موقع إلى آخر. هذا التنقل في رسالتك يتميز بشدته وانفعاله ولكنه لم ينقلك تماما إلى موقع جديد في الحياة حيث ترمين نفايات الماضي في سلة المهملات تماما. لكن ما هو الأهم من هذه الملاحظة هو إشارتك إلى التحسن الكبير الذي تشعرين به في الأشهر الستة الماضية وهذا ما يبشر بخير.
الملاحظة الأخرى في الرسالة إلى تأزمك بالكائنات (كما نسميها في الطب النفسي) المهمة نفسيا للفرد. هناك الحديث عن أكثر من إنسان وجميع المشاعر التي تشيرين إليها مشاعر سلبية.
لا تتطلبين التعليق من الموقع ولا النصائح وأنت من النوع الذي يفوض نفسه بنفسه لمواجهة التحديات. لذلك لا أعطيك نصيحة ولا توجيه ولا رأي أكثر من أعلاه.
وفقك الله.