بسم الله الرحمن الرحيم
أود أن أعرض عليكم مشكلة ابني صالح والذي عمره عشر سنوات وهو أنه يسرق فقط النقود مني ومن والدته ومن أخواته
ويعيش صالح مع أبويه وثلاث بنات أكبر منه وواحدة أصغر منه وأخ صغير وكانت أول سرقة له منذ ما يقارب السنة وكان المبلغ 300 ريال ولما علمت عن ذلك انتزعت منه الاعتراف بالضرب وكان قصدي من الضرب ألا يكرر ذلك مرة أخرى وبعدها بفترة كرر سرقة أمه وأخواته ولم تخبرني أمه بذلك وكرر سرقتي بمبلغ 100 ريال وعلمت بذلك وجئت إليه متبسما وانتزعت منه الاعتراف بسهولة وقال لي أنا أخذتها لمجرد أن أشاهدها وسأرجعها واستغرقت هذه السرقة يوم كامل وقلت له أنا سأسامحك الآن ولكن قل لي لو كررتها مرة أخرى ماذا تريد أن أفعل بك قال اكوني بالنار ولم يمضِ على ذلك إلا يومان وكررها بسرقة مبلغ قليل ومني أيضا وعلمت بذلك واعترف لي بذلك عندما ضغطت عليه وأرجع لي نصف المبلغ فقط أما بقية المبلغ فقد اشترى به حلويات
وهكذا دائما يكرر ذلك متناسيا التهديد الذي أخوفه به وكذلك الضرب وأخشى أن يلازمه ذلك حتى عندما يكبر أرجو إعطائي الحلول المناسبة
ولكم جزيل الشكر والتقدير
أخوكم أبو صالح المملكة العربية السعودية
20/5/2019
رد المستشار
الأب العزيز أهلا وسهلا بك وشكرا على ثقتك، الحقيقة إن المشكلة التي تستشيرنا بشأنها تستحق الكثير من البحث العلمي النفسي والتربوي ما تزال، وأنت تتكلمُ عن طفلٍ بدأ السرقة منذ عمر تسعة سنوات، ورغم العقاب الجسدي الشديد الذي ناله بسبب أول سرقة يقوم بها وتكتشف من جانبكم، إلا أن ذلك العقاب لم يكن رادعا، فاستمر الطفل يكررُ نفس السلوك المذموم، وكلما وجه به حاول الإنكار والتملص فإذا أحكمتم عليه الخناق اعتذر، وكرر الأسف وأبدى الرغبة في تدارك ما يمكنُ إدراكه حتى يرق قلبكم، وتحسبوها كانت الأخيرة، فإذا بها مجرد حلقة في سلسلة من السرقات المتتالية، وإذا بك تشعر أن العقاب والتهديد به يكاد يصبح بلا معنى، فالطفل سادرٌ في غيه إذن ومصرٌ على الإساءة لا لنفسه فقط بل للعائلة كلها!
وهكذا فالحالة التي تصفها أنت وإن أظهرت لنا منها عرضان هما السرقة المتكررة والكذب المتكرر، فإن الطبيب النفسي يستطيع أن يستنتج من نفس الرواية أيضًا علاماتان نفسيتان تشخيصيتان هما الاستهانة الطفولية بقيم المجتمع ومعاييره الأخلاقية، وتكرار الخطأ مع عدم التعلم من الخبرات السابقة حتى وإن كانت مؤلمة، كما يمكن أن نشعر بانطباع عن الطيش والتهور والاندفاع، وهذا ما يجعلنا نجمع ما يلزم للطبيب النفسي ليتكلم عن ما نسميه باضطراب التصرف في الطفولة، والذي تستطيع أن تعرف معلومات كثيرة عنه على الروابط التالية: سرقةٌ وكذب وعدوانية: اضطراب التصرف
اضطراب التصرف المقتصر على إطار العائلة
اضطراب التصرف في الأطفال : هل له علاج ؟
اضطراب المسلك أم اضطراب التصرف ؟!
ونحن نرى الحالة حتى الآن حسبما جاء في إفادتك أقربُ ما تكونُ إلى اضطراب التصرف المقتصر على إطار العائلة، Conduct disorder confined to the family context، والتي يقتصر فيها السلوك غير الطبيعي (تماما أو يكاد) على المنزل أو على التعامل مع أعضاء العائلة المصغرة Nuclear Family
أو المعاشرين المباشرين للطفل أو على كليهما، ويستدعي الاضطراب استيفاء المعايير العامة للفئة، مع مراعاة أن أشد علاقات الآباء بالأبناء اضطرابا لا تكفي في حد ذاتها للتشخيص وقد تكون هناك سرقة من المنزل، ترتكز دائما بشكل خاص على أموال وممتلكات فرد أو فردين يعينهما، وقد يصاحب ذلك سلوك تدميري عمدي، يركز مرة أخرى غالبا على أفراد معينين من الأسرة، ويتضمن تكسير اللعب أو التحف، وقطع الملابس، ونحت الأثاث أو تدمير المقتنيات الثمينة، كذلك فإن العنف الموجه ضد أعضاء العائلة (دون غيرهم) وإشعال الحريق المتعمد والمقتصر على المنزل هي أيضا من أسس التشخيص.
ويتطلب التشخيص أيضًا ألا يكون هناك اضطراب في التصرف له شأنه في خارج إطار العائلة السوي وأن تكونَ علاقات الطفل الاجتماعية خارج إطار العائلة علاقات في النطاق السوي.
إلا أن من المهم هنا أن أنبه إلى نقطة مهمة تتعلق بالمآل المرضى لمثل هذه الحالة، ليس رجما بالغيب، وإنما إحسانا للظن بالله سبحانه وتعالى، فرغم استمرار ذلك السلوك غير السوي لمدة عام ورغم عدم استجابته للطرق التي جربتها أنت حتى الآن، فإنني أقول لك استبشر خيرا، واعلم أن لدينا احتمالات أخرى لتفسير سلوكيات السرقة المرضية في مثل المرحلة العمرية التي يمر بها ابنك وهو على مشارف البلوغ والمراهقة، فقد تكونُ السرقة تعبيرًا عن الاكتئاب، وقد تكونُ تعبيرًا عن عدم اتزانٍ عابرٍ بين الاندفاعية ومحاولة الضبط الذاتي لدى الولد، وهكذا فإنني أرى ضرورة عرض الحالة على طبيب نفسي مسلم لكي يستطيع الإلمام بأبعادها، وتصميم الخطة العلاجية المناسبة للولد أو الحركية النفسية للأسرة كوحدة للتعامل من خلال ما يسمى بالعلاج النفسي الأسري.
وأما ما يجعلني أشعر كثيرا بالتفاؤل –رغم قلة ما يدعو للتفاؤل حولنا جميعا- فهو معرفتي من خلال ممارستي للعلاج النفسي غير المنفصل عن الدين، فقد عرفت كثيرا من الحالات التي ظهرت عليها أعراض تشبه ما وصفته أنت، وكان لتنمية الوازع الديني لدى الطفل أو المراهق نتائج أكثر من رائعة، فخير ما يُحَجِّم السلوك الاندفاعي أيا كان نوعه حسب خبرتي هو ذلك الوازع، إلا أن من المهم في حالة ابنك أن تتجنب أنت أو أيا من أعضاء العائلة دفعه في ذلك الاتجاه بأنفسكم، لكي لا تجعلوا مهمة المعالج بعد ذلك أصعب!، ذلك أن ابنك في المرحلة القادمة سيدخل في صراع الهوية الطبيعي، والذي يحاول فيه أن يثبت ذاته وكينونته من خلال اختلافه عن والديه في الآراء والتوجهات وربما القيم، فمن الحكمة ألا ندخل الالتزام بأمور دينه في حلبة الصراع بيننا وبين المراهق، خاصةً إذا عرفت أنه إذا وفقكم الله إلى معالج نفسي يتمكن من احتوائه وكسب ثقته فإن بإمكان ذلك المعالج أن يضعه على طريق الالتزام دون إدخال ذلك في حلبة الصراع، ولابد أن تتوقع مشوارًا علاجيا قد يطول حسب ما يتضح لذلك المعالج النفسي، وإن شاء الله يكونُ معكم كل خير، فتابعنا بالتطورات.