ابني يسرقني..ماذا أفعل؟
سبق وأن أرسلت لكم استشارة بشأن ابني صالح في موضوع السرقة المتكررة مني ومن والدته وأخواته وهي تحت العنوان التالي: ابني يسرقني..ماذا أفعل؟
وذكرت كيف تعاملت معه أثنائها وأشكركم على الرد السريع بهذا الخصوص حيث تضمن الرد عرض الابن على طبيب نفساني وأفيدكم أنه لا يوجد في بلدنا عيادات نفسية وما أود ذكره في هذه الاستشارة أنه وخلال أسبوع واحد تكررت عملية السرقة مرتين مني ومن أخته
والأدهى من ذلك أن أحد الجيران فاجأني عندما طرق الباب علينا وخرجت لأفتح له قال لي بودي أن أقول لك كلاما ولكني محرج منك يا أبا صالح وكررها مرتين قلت له قل ما لديك فقال لي خرجت من المسجد وإذا بابنك يأتي بجانبي وأنا أمشي وسلم علي وقال لي (والدي لديه مشكلة وهو الآن خارج البلاد ونحتاج منك أن تسلفنا 200 ريال) فلم أصدق كلامه ولم أعطه ما أراد وها أنا ذا آتي إليك لأخبرك وأقول لابد أن تنتبه لابنك ماذا لو سأل أحد ضعاف النفوس الذين يستغلون الأولاد في أشياء محرمة.
إخواني في موقع مجانين أعرض عليكم مشكلتي هذه وأفيدكم أن علاقتي بابني تعتبر جيدة ولكني أود أن تدلوني على حلول أستطيع من خلالها كسب ابني أكثر وأكثر لعل وعسى أن يترك السرقة والكذب وطلب الآخرين حتى لو تطلب ذلك من وقتي كثيرا.
ولكم تحياتي.
أخوكم أبو صالح
5/7/2019
رد المستشار
الأب الفاضل، أهلا وسهلا بك، وشكرا على ثقتك ومتابعتك، إلا أن ما تطلبه منا يفوق ما نستطيع الإقدام عليه، فعدم وجود عيادات نفسانية في بلدتكم لا يعني أن تحاول أنت التعامل مع الموقف بنفسك، لأن الأمور بهذا الشكل لن تستقيم.
وأما أن نحاول نحن مساعدتك، فإن علينا أن نتدبر جيدا حجم ما نستطيع تقديمه، فليست لدينا القدرة على أكثر من الإرشاد والتوجيه وفي حدود ما يصلنا من معلومات عير سطورك الإليكترونية، ونظرًا لأننا يا أخي نتكلم عن كيفية التعامل النفسي مع سلوك يحوم حول حد من حدود الله وهو السرقة، صحيحٌ أننا نتكلم عن طفل غير مكلف (فعمره عشر سنوات)، إلا أن هذه إرهاصات السرقة عند المكلفين، كما أن متابعتك بينت لنا دون أن تدري أن الفعل إرادي يتم التخطيط له من قبل الولد على حداثة سنه، لكنه يخطط جيدا للحصول على النقود، وإذا تعذر من داخل البيت، فمن خارجه!
أي أن الولد يحتاج (لأسباب لا نعلمها كاملة) إلى نقود أكثر مما يصله بالطرق المشروعة فيقوم بالتحايل، كذبا على الناس من خارج إطار العائلة، ليحصل منهم على ما يريد! نحن إذن أمام مشروع نصاب صغير (لا كتب الله له غير الصلاح والهداية إن شاء الله)، لكننا لا نستطيع أن نسايرك في انتظار افتتاح عيادات نفسية في بلدتكم!
عليك ببساطة أن تقبل بفضيحة اللجوء إلى العيادة النفسانية طالبا علاج ابنك مما قد يكون تعبيرا عن اضطراب تصرف عابر أو قد يكونَ بداية ما لا تحمد عقباه، بما في ذلك فضائح أكبر -لا قدر الله- اجتماعيا، وعليك في نفس الوقت أن تستعد للتضحية بالوقت والجهد في سبيل ذلك ،وأن تخلص في الدعاء وطلب الشفاء ورفع البلاء من الله، لعل الله يوفق المعالجين أو المعالج في تلك العيادة للنجاة بذلك الولد، الذي يظلم نفسه قبل أن يظلمك، ولا تنسى ذلك من فضلك.
إن الأمر -والكلام بدءًا من هنا للجميع وليس لك وحدك- الآن أصبح يحتاج منا كمسلمين جماعة وأفرادا وأطباء وغير أطباء، إلى مراجعة أشياء وأشياء لأننا نتكلم عن حد من حدود الله، ونحن نفتح بلداننا شئنا أم أبينا لأشياء تعدها شركات رأسمال تتوحش يوما بعد يوم ويأكلُ بعضها بعضا، كل ما يطمحون إليه هو فتح شهية الضحية لتشتري، وغالبا ما يقع أطفالنا ثم نساؤنا ضحايا لانفلات شهوة الشراء، وهي شهوةٌ جديدة، كانت تسمى في تراثنا الشرعي بالشره، وإن اقتصر استخدام ذلك الاسم غالبا –فيما وصلنا من تراثنا- على الشره في الأكل،
لكن هنالك شهوة جديدةٌ تربى الآن داخل أطفالنا (وتظهر في تركيبة من العجلة –الاندفاعية-، والطيش والتعود والإدمان القهري للشراء) وتتجه غالبا للحلوى بأشكالها أو الألعاب أو ما شابه وتربي داخلهم شهوة الأكل وشهوة اللعب وشهوة الشراء مطلقة من أي قيد ما استطاع المروجون لذاك سبيلا، وأيضًا تربى الشهوة الشرائية الجديدة داخل بناتنا وشبابنا ربما لنفس الأشياء إضافةً إلى ما هو أخطر من وسائل كسر القيود التقليدية للكائن البشري أو اختصارا التكنولوجيا (ولا أقصد بذلك نبذ التكنولوجيا بقدر ما أنبه إلى أننا لم نأخذ الوقت الكافي لوضع فقه تعامل المسلمين معها وأخشى أننا لن يسمح لنا بأخذه فخذ عندك الهواتف الخلوية والإنترنت والقنوات الفضائية، وكلها تأخذُ حكم المطية التي يقودها صاحبها لكنها بحكم خبرتي وملاحظاتي أقرب ما تكونُ إلى المطية التي تدفع صاحبها إن غفل لحظة في اتجاه الطيش)
وتربى شهوة التغيير والتجديد والتحديث والكنز والجمع وكل أشكال الإدمان في هؤلاء، وأيضًا تربى شهوة الشراء داخل نسائنا اللاتي أصبحن يحسبن أن مقولة "التسوق متعة" هي أحد الأقوال المأخوذة من الأثر !!!!! فأدمن الشوق والشراء في حد ذاته!
كل هذه الأشياء يا أخي الفاضل عاملة في حالة ابنك وفي حالات أخرى كثيرة، ولابد للتعامل معها من وقفة أتمنى أن نستطيعها، لكي نمكنَ أهلنا من مواجهة العولمة، فهل ترى نفسك وابنك بعيدين عن ذلك؟، وتراني أنا قاسيا عليك؟ سامحك الله وهداك وهدانا سواء السبيل.
إن الأمر يستحق فعلا أن تعتبره جهادًا مدنيا يا أخي، إنك ومن هم في مثل ابتلائك هذا مطالبون بأن تجبروا ذوي الأمر والخبرة أيا كانت روافدها من وضع ضوابط لسلوك الإنسان في التعامل مع ما لم تعد مواجهته بإمكان الناس، وكذلك وضع أسس ومعالم للتعامل مع الانحرافات السلوكية التي تظهر من جراء اعوجاج الأوضاع، إذن عليك بالاستخارة ثم التحرك، وتابعنا بالتطورات .