السلام عليكم
سيدي الفاضل أعاني من مشكلة غريبة ولا أعرف كيف يمكن سردها ولكن سوف أحاول تبسيطها أنا متزوجة منذ عامين وحتى الآن لم أنجب وأعتقد أنه حصل حمل 3 مرات ولكن حدث إجهاض. وأعتقد أن السبب أناّ!!
وذلك لأني دائما أتخيل أني لن أنجب أو لا يمكنني الإنجاب أو أني مريضة بعله ما.. علما بأني قمت بفحوص كثيرة .. فإذا استحوذت علي فكرة ما أجدها وللأسف تحققت في الواقع .؟
تكرار مثل هذه المواقف تثير جنوني .. ما هو الحل؟؟
3/10/2019
رد المستشار
الأخت العزيزة أهلا وسهلا بك وشكرا على ثقتك، إفادتك في الحقيقة مختصرة بشكل يحدُّ من قدرتنا على التحليق بأفكارنا تحليلا وتوصيفا وتنظيرا بينما لا نبتعد كثيرا عن معاناتك، فأنت كمن أعطتنا مجموعة من الإيحاءات والإيماءات الإليكترونية السريعة الومض كالبرق ثم تركتنا لنقول رأينا، ونعدك بأن نحاول والله الموفق.
أنت في بداية إفادتك تحملين نفسك مسؤولية الإجهاض التلقائي الذي حدث لك ثلاث مرات كما تعتقدين -ويبدو أنك غير متأكدة تماما وهذا واردٌ- أما أنك مسؤولةٌ عنه فهذا أمرٌ يحتاج إلى إثبات طبي عضوي كأن يكونَ لديك أحد الأمراض التي تتسبب في عدم قدرة الرحم على الاحتفاظ بالجنين سواء كانت تلك الأسباب موضعية أو عامة كمرض في الدم مثلا كمرض القطط Toxoplasmosis، أو غيره من أمراض العلل الجينية.. أو غير ذلك من الأسباب الطبية .... إلخ وهذا ما أعتقد أنه تم نفيه تماما في حالتك كما يفهم من قولك في إفادتك : (علما بأني قمت بفحوص كثيرة ..) وبالطبع كانت لنتيجة أنك طبيعية من الناحية الجسدية.
أما ما يشير إليه قولك أنك تحملين نفسك المسؤولية بسبب ما يرد في خاطرك من خواطر وأفكار ناتجة عن القلق، فتعللين الإجهاض المتكرر بقولك (وذلك لأني دائما أتخيل أني لن أنجب أو لا يمكنني الإنجاب أو أني مريضه بعلة ما) وكذلك قولك : (فإذا استحوذت علي فكرة ما أجدها وللأسف تحققت في الواقع ؟؟) فهذا ما يذكرنا بما قلناه من قبل في ردنا السابق التفكير السحري لدى الموسوسين، حيث يحدث ما نسميه باندماج الفكرة/الفعلة (أ.ف.ف) Thought Action Fusion وهي سمة معرفية في الأشخاص الموسوسين حيث يضفي الموسوسون قوةً فائقة على أفكارهم وكأنها تستطيع بذاتها أن تحدث تغييرا في عالم الأشياء والوقائع، أي أن الفكرة غير المادية تستطيع أن تؤثر في المادة، وهذه النوعية من التفكير الخيالي أو السحري منافية للواقع بكل تأكيد.
وأنت هنا تجترين الأفكار السود فيما يتعلق بقدرتك الإنجابية لأنك في منتهى القلق، وإن كانت أسباب ذلك القلق غير موجودة في إفادتك ثم تستنتجين أن تلك الأفكار غير المستندة إلى دليل منطقي غير أنك خائفة وقلقة تستطيع أن تكونَ السبب في إحداث الإجهاض، كما يحمل ذلك بالطبع نوعا من الشعور الدفين بالذنب لذي لا ندري أسبابه أيضًا لأن إفادتك مقتضبة جدا كما ذكرنا من قبل.
وأذكر أنني منذ عدة سنوات التقيت باثنتين من زميلات الدراسة الجامعية تأخرتا في الحمل بعد زواجهما وكانتا تتعذبان لأنهما أيام الدراسة كانتا تكرران فكرة أن المرأة لكي تعيش حياتها حرة الفكر وكي تستطيع الإنتاج فإنها يجب أن تشترط عدم الإنجاب على زوجها، بل وكانت إحداهن حين نواجهها بأن أحدا من أهلك أو أهل زوجك لن يسمح لكما أو لك بذلك كانت في غمرة انفعالها تدعو الله أن يجعلها عقيما !!! وعندما تزوجتا وتأخرتا في الحمل ندمتا أشد الندم واعتقدت كل واحدة منهن أن ما يحدث لها هو عقاب من الله عز وجل، فأما هاتان الزميلتان فقد يبدو ندمهما مبررا وخوفهما من عقاب الله منطقي المقدمات، ولو اتهمت إحداهن نفسها بأن لغوها في سنوات الجامعة هو السبب في معاناتها لكان ذلك مبررا لكننا لا نجد مثل هذا التاريخ في حالتك.
ثم أين زوجك من هذا الذي تعانين منه إنك لم تشيري إليه وكأنه لا دور له في الموضوع ولا ندري حتى إن إجراء الفحوصات قد شمله أم لا ؟ فالمفترض بعد تمام عام من الزواج دون حمل مع ضرورة أن يكونَ الزوج موجودا أغلب الأوقات مع زوجته أي ليس مسافرا مثلا يزورها مرة في الشهر وأول أنواع الفحوص : فحص الزوج لمعرفة مدى استعداده للإنجاب عن طريق التحاليل ، وثانيها التأكد من دلائل التبييض عند المرأة عن طريق تحليل الهرمونات والإفرازات أو يأخذ عينة من الرحم ، وثالثها معرفة شكل تجويف الرحم والأنابيب عن طريق الأشعة الصبغية .
وأما ما يتعلق بقلقك ومخاوفك التي يبدو أنك تعانين منها وحيدة لسبب لا ندريه بوضوح فإن من الممكن أن يكونَ لها دورا في التأثير على التبييض بحيث يصبح غير منتظم أو يتأخر عن موعده، وأما دورها في الإجهاض فمسألة بعيدة كثيرا عن المنطق اللهم إلا إن كنت أنت لا ترغبين في الحمل وهذا غير صحيح بالطبع.
عليك أن تتأكدي أن الأفكار يا عزيزتي تبقى أفكارا والهواجس تبقى هواجس، ومن المهم أن نحسن الظن بالله فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : يقول الله تعالى : (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة) رواه البخاري ومسلم
وما تحتاجين إليه أنت هو مزيد من التقرب إلى الله عز وجل والمداومة على طلب الغوث منه سبحانه، وكذلك تحتاجين إلى الحديث مع زوجك عن مخاوفك وعن مصادر قلقك فأنتما سكن بعضكما، وأما القلق المتزايد والأفكار غير المنطقية فإنها إن لم تزل بعد اتباعك ما سبق من نصائح فإن طلب العلاج لدى طبيب أو معالج نفسي يصبح أمرا واجبا عليك، وفقك الله وأنعم عليك بالحمل الثابت السعيد، وتابعينا بالتطورات.