حزين ولا أدري ماذا أفعل
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أسأل الله تعالى أن يجعل هذا الجهد العظيم جبالا في ميزانكم يوم القيامة وثباتا لأقدامكم على الصراط وأن يجعلكم دائما قوارب نجاة لكل غريق وبلسما يداوي الله به كل جريح وغيثا يسعد الله به كل ملهوف… اللهم آمين.
أبدأ مشكلتي باعتذار إليكم ورجاء منكم – أعتذر على طول رسالتي وكثرة حكايتي ورجاء منكم أن تسعوني برحب صدوركم وفيض حنانكم– أما بعد فقد عشت حياتي على يقين من أن كل شيء يغضب الله تعالى هو طريق الشقاء في الدنيا والآخرة وأن كل شيء يرضي الله تعالى هو طريق السعادة في الدنيا والآخرة.
وكان هذا المبدأ هو المحدد لحياتي وعليه كنت – كسائر الشباب أمتلئ بالغرائز والمشاعر تجاه النبات من سني وخاصة أيام الكلية –
كنت بتوفيق الله أبعد نفسي عنهم تماما ولا أقبل من أي بنت أي تقرب من نوع خاص ولا أخفي عليكم أن أكثر من زميلة حاولت التقرب مني ولكني بالفعل لم أقبل هذا التقرب لأني على يقين من أنه لا يرضي الله تعالى حيث أنه لن يعدو عن كونه استمتاعا ببعضنا بعضا وعلاقة لن تنتهي بزواج لأسباب أهمها أنني لم أكن مستعدا ولا مهيأ ماديا للزواج.
وكان زملائي معظمهم على علاقات بزميلات إما علاقة زمالة أو علاقة حب أو علاقة غير سوية وكنا حين نتناقش في هذا الأمر يبررون تصرفاتهم على أنها وسيلة لفهم الجنس الآخر وأنه لابد من أن يتعرف جيدا على البنت التي سيرتبط بها للزواج وكنت على يقين من أن هذه ليست الوسيلة المشروعة لذلك إذ أنه لا شك في حتمية التعارف والتفاهم ولكن بالطريقة المشروعة وتحت أعين الأهل فكانوا يقولون لي (خليك كده لغاية ما تتدبس في واحدة) وكنت لا أعبأ بكلامهم فأنا على يقين من أن الله تعالى سيقضي لي بمن تكون بالفعل هي سعادتي في الدنيا والآخرة، وأن الحب و المشاعر التي أبعدت نفسي عنها تجاه زميلاتي لن يحرمني الله منها تجاه من ستكون شريكة حياتي.
انتهت دراستي وبدأت حياتي العملية وقررت الزواج وكان أمامي بعض الخيارات من البنات اللاتي أعرفهن ومن لا أعرفهن. وقع اختياري على من هي مخطوبتي الآن وهي أخت لأعز أصدقائي ولم أكن أعرفها من قبل ولم أرها من قبل وطلبت من صديقي (أخيها) أن أراها خارج المنزل حتى لا أجرح شعورها إذا لم أوافق عليها وحدث أن رأيتها فوافقت عليها مبدئيا (وحتى أكون صريحا واضحا مع نفسي ومعكم ليس عن اقتناع كامل) ثم طلبت منه أن يرتب لنا جلسة يتعرف أحدنا على الآخر حتى يقرر كل منا ما يراه.
وحدث بالفعل جلستين أو ثلاثة في بيتهم حتى وافق كلانا وحدثت الخطوبة ومكثت حوالي شهرين بعدها سافرت للخارج للعمل على أن أعود بعد عام للزواج.
مشكلتي هي أنني منذ خطبت من حوالي ثمانية اشهر ومشاعر الحب والعواطف القلبية التي كنت أحلم بها تجاه شريكة حياتي لم أشعر بها بعد. ربما انتابتني بعض أحاسيس الراحة والأنس أثناء الحديث معها ولكن حين ينتهي الحديث لا أشعر بالشوق تجاهها ولا اللهفة لسماع صوتها ورؤيتها.
كنت طوال حياتي أحدد الصفات التي أبحث عنها في شريكة حياتي ولما وجدتها في مخطوبتي تقدمت لخطبتها وكلي ثقة أنها ستكون من يفيض قلبي حبا لها وشوقا إليها ولكن لا أدري لماذا لا أشعر بتلك الأحاسيس التي تسربت إلي قديما تجاه بعض الزميلات والتي ألجمت نفسي عنها.
حقا والله لا أدري فأنا يكاد يقتلني الألم والتفكير في هذا الأمر. استعنت بكل من أثق من أهلي ليفيدوني بالرأي فيها وكل من يراها ويعرفها يثني عليها كل الثناء ويرى أني لن أجد من هي أفضل منها. وأنا حين أفكر بعقلي أجد أن كلها مميزات (ذات دين ونسب وخلق وطباع هادئة وعلى درجة من الجمال……) لدرجة أنني لا أجد فيها عيبا يبعدني عنها وحين أفكر بقلبي لا أشعر بالميل القلبي تجاهها ولا بالشوق إليها وخاصة أنني بعيد عنها قرابة ستة أشهر كنت حريصا خلالها أن أداوم على الاتصال بها والحديث معها عبر الهاتف والإنترنت آملا أن يكون هذا سببا في إيجاد هذه المشاعر في قلبي.
ظللت أبحث عن سبب لشفاء قلبي فالتمست الدواء في أن أجعلها تعبر لي عن مشاعرها ناحيتي حتى صرحت لي أكثر من مرة أنها تحبني كثيرا وأنني (جنتها التي تحب أن تعيش فيها). أنا لا أشعرها إطلاقا بما يدور داخلي بالعكس فقد أخبرتها أكثر من مرة أنني أحبها ولا أستطيع العيش بدونها محاولا بذلك إيجاد الحب في قلبي.
وهاهي الأيام تمضي والله وحده يعلم ما ستكون عليه الأحوال! حاولت جهدي أن أرتب أفكاري وكلامي في عرض مشكلتي ولكن لا أدري هل نجحت أم أن حزني واضطرابي وقف دون ذلك لكن أرجو منكم أن تسألوني عن أي شيء غير مفهوم أو أي جانب لم أذكره ولم أنتبه إلى إيضاحه.
ولا ادري هل استطاع قلمي أن ينقل إليكم ما يعتصر به قلبي من ألم وقلق وما يضيق به صدري من تفكير؟ فأنا بالفعل لا أفكر إلا بهذا الأمر لدرجة انه قد اثر على أدائي في عملي وفي حياتي عموما ولدرجة أنني بكيت أكثر من مرة حين أستغرق في التفكير لأنني لا أعرف سبب مشكلتي ولا أعرف ماذا أفعل؟.
فأنا حقا قلق على حياتي –هل هذا الحب المفقود سأجده يوما بعد الزواج أم أن عدم وجوده حتى الآن يعني أنه حلم لن يتحقق؟
وهل هناك حب من طرف واحد أم أنها تشعر بنفس أحاسيسي ولا تريد إخباري كما أفعل؟
طالما فكرت كثيرا في سبب المشكلة وفي كل مرة ينقلب إلي تفكيري خاسئا وهو حسير فأنا لا أدري ماذا حدث لنفسيتي ؟ فأنا إلى حد ما عاطفي وأحب المشاعر والعواطف ولا أستطيع أن أحيا بدونها فلماذا هي غير موجودة ! جلست كثيرا أفكر وخرجت ببعض الأسباب التي لا أدري أهي السبب أم لا؟ - فهي كل من يراها يقول أنها جميلة ولكني أرى أن جمالها لا يجذبني كثيرا ولكن صوتها وحديثها وحركاتها يجذبني ويثيرني فلا أدري أهذا سبب للمشكلة أم نتيجة لها؟ - هل لأن الفترة من رؤيتها حتى إتمام مراسم الخطوبة كانت قصيرة فلم تأخذ نفسي وقتها الكافي وراحتها للوصول إلى الاستقرار النفسي (أقصد الموضوع اتسلق أو جاء بسرعة يعني)
- هل لأن سفري تم بعد شهرين فقط من الخطوبة جعل التعلق بها ضعيف (لكنني أعرف صديقا لي قد خطب ومكث أقل من الشهر وسافر ولكنه يحب مخطوبته -التي لم يعرفها من قبل- جدا )
- أم أنه اختبار من الله تعالى في مبدئي الذي عشت عليه طول حياتي وخاصة أنني لا أخفي عليكم قد يتسرب أحيانا إلى تفكيري أنني كنت مخطئا من قبل وخصوصا أن كل من تزوجوا من أصدقائي الأولين سعداء في حياتهم ويحبون زوجاتهم جدا فهل كان لا بد أن أفعل مثلهم وأن أتعرف على مخطوبتي بالخارج وأروح وأجئ معها حتى أحبها أولا ثم أخطبها أو أتركها كلها خواطر وأسباب تدور بداخلي لا أدري أهي السبب الحقيقي أم لا؟
- أساتذتي الأفاضل قوارب نجاتي إن شاء الله… قد يبدو من سطور مشكلتي أنني أسأل هل أستمر في خطوبتي أم لا؟ ولكن ليس هذا ما أقصده فأنا أريد أن أعرف كيف أوجد الحب في قلبي تجاه مخطوبتي التي أثق في أنني لن أجد من تتمتع بصفاتها – على الأقل في محيطي الشخصي – وهل لهذا الحب أن يستحدث أم أنه لا بد من حدوثه تلقائيا؟
- وهل يمكن أن أتزوج من امرأة لا أحبها ولا أكرهها على أمل أن يغمر حبها قلبي بعد الزواج؟ علما بأنه سيكون لإنهاء الخطوبة على نفس مخطوبتي أشد الأثر فهي لا تتوقع ذلك إطلاقا ولا تحتمله فهي ذات مشاعر رقيقة جدا وتتأثر بأبسط الأحداث.
أود أن اختم رسالتي باعتذار آخر ودعاء - اعتذار على الإسهاب الطويل ودعاء لله تعالى أن يقر أعينكم دوما بنفع المسلمين وأن يجزل لكم الأجر والعطاء في الدنيا والآخرة وأن يعافيكم من كل كربات الدنيا والآخرة وجزاكم الله كل الرضا والخير.
ملحوظة: أرجو من حضراتكم إرسال الحل لو تكرمتم على بريدي الالكتروني
31/12/2004
رد المستشار
أخي الكريم: أنت كغيرك تحلم بالحب..الساحر الذي حير العقلاء منذ القدم، الحب،حلم البشر رجالا ونساءً منذ الأزل، الحب الذي داعب قلبك من قبل ولكنك الآن تبحث عنه وتفتش عنه فلا تجده، فما هو الحب الحقيقي؟ هل هو مشاعر مرتجفة ودقة قلب ورعشة يد؟
وهل هو سهر الليالي وأحلام تتلوها أحلام وعذاب ... عذب وجميل؟ أم هو وقفة زوجة بجوار زوجها وزوج بجوار زوجته من أجل توطيد أواصر ودعائم المودة والرحمة بين أفراد الأسرة؟ ثم ما هو الجمال؟ هل هو جمال الجسد الزائل أم هو جمال الروح الدائم؟ وهل هو الجمال الجسدي الطاغي الذي يفقد رونقه وبريقه عندما يعتاده الإنسان بعد فترة من الزمن طالت أو قصرت.
أخي الكريم: بخطيبتك كل المواصفات التي تتمناها في شريكة حياتك وأكثر، ولكن قلبك لم يتحرك لها، فمازلت غير مقتنع بها تمام الاقتناع، وهذه الحالة قد تنتج بالفعل عن التسرع في اتخاذ القرار أو قد تنتج عن عدم رضاك التام عن شكلها رغم جمالها الظاهر، وقد تنتج لوجود حاجز قلبي عندك يسد مسام قلبك ويمنع عنه مشاعر الحب (بواقي قصة حب قديمة مثلا)....فما الحل لهذه الحالة التي تعانيها؟
أولا: تذكر أن مفاتيح القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ... فأسأله سبحانه أن يفتح مسام قلبك لخطيبتك.
ثانيا: لا تتعجل القيام بأي خطوة للارتباط حتى تتأكد تماما من مشاعرك، وذلك تجنبا لظلم الفتاة، وتأكد أنك قد تظلمها وتؤذيها إن لم تتم الارتباط الآن بها ولكن ظلمك لها سيكون أقسى وأفدح لو تزوجتها وأنت عنها غير راض.
ثالثا: تأكد من أن الكمال لله وحده وأنك في أثناء بحثك عن الحب قد تجده عند امرأة أخري ولكنك لن تجد عندها كل ما يتوافر في خطيبتك من ميزات تتمناها...فاختر لنفسك وحدد بالضبط ما يمكنك تركه وما لا يمكنك التنازل عنه، ولكن ضع في حساباتك أن الحب المشتعل يمكن أن ينطفئ ويذوي لو لم يجد من يتعهده بالرعاية، وأن المشاعر الهادئة لن تتحول لحب طاغ ومشتعل ولكنها يمكن أن تتحول لحب عميق راسخ الجذور لو تعهده طرفي العلاقة بالرعاية.
ثالثا: تعلم أن تحدد أولوياتك وأن تختار ما يلبي هذه الأولويات.. وأيا كان اختيارك تعلم الرضا عما يتواجد بين يديك وكف عن التطلع لما لا تملكه.
رابعا: عليك أن تدرك أن البيوت لا تبني على الحب الجارف المتدفق ولكنها تبنى على المودة والرحمة والسكن.. وقناعتك بهذه الحقيقة قد تعينك كثيرا على الاختيار الموفق.
أخي الكريم: كلامي السابق لا يحمل ترجيحا لإتمام الارتباط بخطيبتك أو عدم إتمامه بقدر ما يحاول أن ينبهك لحقيقة غائبة عنك وهي أنك كأي إنسان على وجه هذه الأرض تبحث عما تفتقده متصورا أن فيه سعادتك، ولكن تجربة الإنسان على مر العصور تثبت أن السعادة لا تتحقق إلا مع رضا الإنسان عما يملكه واستمتاعه به، ومن هذا المنطلق ندعو الله لك أن يرزقك الرضا وأن يقر عينيك بما بين يديك.