كيف أستفيد من أحلامي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أود أن يجيبني الدكتور محمد المهدي على هذه الاستشارة إذا أمكن...
كما نعرف جميعا أن موضوع الأحلام له ما وراءه وأنه علم مثل كل العلوم, سؤالي هو: كيف أستفيد منه؟؟
وخصوصا تلك الأحلام التنبؤية, أي تلك الأحلام التي تكون جزءا من واقع سيكون في المستقبل, الحقيقة أنني كثيرا ما أرى مثل هذه الأحلام, ولكنني لا أعرف تفسيرها إلا بعد فوات الأوان أي بعد أن تحدث فعلا، أريد طريقة تعينني على الاستفادة من أحلامي ومما أراه في مناماتي لتجنيبي المشاكل أو المواقف الخاطئة..
وأريد كذلك طريقة تجعلني أتذكر ما أراه في أحلامي, فأنا لا أتذكر ما رأيته إلا بعد أن يصبح واقعا..
ثم ألا يمكن أن أتعلم "تأويل الأحاديث"؟؟ فأعرف كيف أؤوّل الرؤى؟؟
أيضا أريد تفسيرا لهذه الظاهرة: عندما أستيقظ خلال الليل لأي سبب سواء كان لصلاة الفجر أو للذهاب – عذرا – إلى الحمام, فإن استيقاظي يقطع الحلم الذي كنت أراه ثم أنشغل بما أفعله فأنسى ماذا كنت أرى, وما إن أعود للسرير من جديد بل وبمجرد اقترابي منه أتذكر المنام من جديد وعندما أعود للنوم فإنني أعود لاستكمال نفس المنام!! ما معنى ذلك, وكيف يحدث؟؟
بالمناسبة, في بدايات حياتي, عندما كنت في السابعة عشرة والثامنة عشرة من العمر, أخذ موضوع تفسير الأحلام الكثير من اهتمامي, وأخذت أقرأ في كتاب تفسير الأحلام لمحمد بن سيرين, وطال انشغالي بهذا حتى أحسست أنني على شفا أن أصبح موسوسة بما أراه خصوصا أنني لم أكن أستطيع الاستفادة مما أراه, أو حتى الوصول إلى تأويل صحيح له, فتركت هذا الموضوع برمته, ولم أعد أعير أحلامي اهتماما أكثر من التعوذ من الشيطان والتفل عن يساري ثلاث مرات حين أرى حلما مزعجا -والحمد لله هذا قليل بل يكاد يكون نادر–
وأما بالنسبة للرؤيا الجميلة فإنني أحاول تفسيرها على أفضل معنى يخطر ببالي,
وإن لم أجد لها تأويلا فإنني أتركها لله عز وجل وأقول: خير إن شاء الله
11/03/2005
رد المستشار
الأخت الفاضلة "نوران" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عندما ندرس الأحلام ننظر إليها من جانبين:
1 – الجانب الأول: الأحلام كظاهرة فسيولوجية: وهي تحدث كل ليلة حيث يقضي كل شخص 25 % من وقت نومه في الأحلام على الرغم من أن كثير من الناس لا يتذكرون أحلامهم. ولكي نتذكر الحلم فلابد وأن نصحو أثناء الحلم أو في نهايته أو بعده بفترة لا تزيد عن 8 دقائق، أما إذا مرت فترة أكثر من 8 دقائق بين نهاية الحلم وبين استيقاظنا فإن احتمالات تذكرنا للحلم تكون ضعيفة
2 – الجانب الثاني: محتوى الأحلام، وهذا هو ما شغل الناس كثيرا في الماضي وما زال يشغلهم في محاولة منهم لفك رموز أحلاهم لعلهم من خلالها يتنبئون بما سيحدث لهم في المستقبل.
وللأحلام وظائف هامة تؤديها سواء تذكرناها أو لم نتذكرها وسواء فسرناها أو لم نستطع تفسيرها، ونذكر من وظائف الأحلام:
1 – التنفيس: فالأحلام فرصة للتنفيس عن الكثير من المشاعر والرغبات المكبوتة، وهذا التنفيس يخفف من الضغط داخل النفس ويجعلها في حالة أكثر توازنا.
2 – الاستبصار: - حيث أن الأحلام هي نافذة على العقل الباطن (اللاشعور) وبالتالي تعطينا فرصة لمعرفة ما يدور بداخلنا من أفكار ومخاوف ورغبات
3 – الذاكرة والتعلم: - يحدث أثناء النوم والأحلام تحويل الأشياء المختزنة في الذاكرة قصيرة المدى إلى الذاكرة طويلة المدى، وهذا يستلزم عمليات تحليل وتصنيف وتركيب وتوليف.
4 – التعويض: وذلك بأن يتحقق في الحلم ما عجزنا عن تحقيقه في الواقع فيحدث توازن في جهازنا النفسي.
5 – التحذير:- حيث تأتينا رسائل تحذيرية في العلم من الإقدام على شيء معين أو تنبهنا إلى خطر معين.
6 – البشرى:- وذلك حين تلوح بوادر أشياء نتوق إليها في الواقع.
7 – التنبؤ:- فهناك أحلام لها صفة التنبؤ بما سيحدث بشكل رمزي أو بشكل مباشر وقد وردت أمثلة للأحلام التنبؤية في القرآن الكريم مثل: حلم سيدنا يوسف، وحلم صاحبي السجن وحلم الملك الوليد بن الريان وحلم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم عن فتح مكة .
والآن نتساءل ما هو مصدر (الأحلام) ؟
هناك عدة مصادر للأحلام نذكر منها:
1 – المؤثرات الحسية: وهي إما آتية من خارج الجسم مثل وقوع ضوء على العين أو سماع صوت عن طريق الأذن أو وجود ضغط على أي جزء من الجسم، وإما آتية من داخل الجسم مثل الشعور بالجوع أو امتلاء البطن أو ضيق التنفس، وهذه المؤثرات سواء كانت خارجية أو داخلية تدخل في محتوى الحلم فمثلا حين يقع ضوء أحمر على العين أثناء النوم ربما يحلم النائم بوجود حريق، وعندما تكون البطن مليئة بالطعام وتضغط على الحجاب الحاجز فإن النائم ربما يحلم بوجود وحش يربض فوق صدره...... وهكذا!
2 – المؤثرات النفسية: وهي إما خارجية مثل الأحداث التي مر بها الشخص أثناء النهار أو داخلية مثل مشاعر الشخص وأفكاره وهذه المؤثرات النفسية يتم تناولها أثناء الحلم بشكل رمزي أو بشكل مباشر وذلك بهدف إعادة تنظيم أو رؤية أو تنفيس أو تعويض. الخ.
3 – المؤثرات الغيبية: وهي رسائل تصل للإنسان أثناء نومه وهي قادمة من عالم الغيب الذي لا ندركه بوسائل إدراكنا العادية .
وهذه الوسائل نوعان:
• رسائل ملائكية تأتي عن طريق الملائكة.
• رسائل شيطانية تأتي عن طريق الشياطين والدليل على النوع الثالث من المؤثرات (الغيبية) هو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:أن للملك بابن آدم لمه وللشيطان لمه، فأما لمة الملك فإيعاز بالخير وتصديق بالحق، وأما لمة الشيطان فإيعاز بالشر وتكذيب بالحق.........".
• إذن فالأحلام ليست كلها حديث نفس كما ظن فرويد، وليست كلها رسائل غيبية أو أحلام تنبؤية كما ظن ابن سيرين، ولكنها خليك من هذا وذاك، ولذلك فهي ظنية غلبا (باستثناء الأنبياء فأحلامهم جزء من الوحي). والحلم التنبؤي يمكن أن يكون عملية استقراء للمستقبل يقوم بها المخ بناء على معطيات الواقع، ويمكن أيضا أن يكون رسالة غيبية ملائكية لصاحب الحلم.
والنوم والأحلام يشكلان نصف الدورة المخية (نصفها الآخر الوعي والتفكير)، وبالتالي وجب الاهتمام بهما، والتعامل مع الحلم بهدف الاستفادة منه يتضمن معرفة أهمية الأحلام وبالتالي محاولة معرفة معناها بالنسبة للشخص صاحب الحلم نفسه حيث يربطه بما يدون في نفسه من أفكار ومشاعر وما يدور في حياته من أحداث، ويمكن أن يساعده في ذلك أحد المختصين في العلوم النفسية، أما التعميمات التي ذكرها فرويد (أن الأشياء المستطيلة ترمز للعضو الذكري والأشياء المستديرة أو المجوفة ترمز للعضو الأنثوي) فلم يقم عليها دليل علمي، وأيضا التعميمات التي ذكرها ابن سيرين وغيره من المفسرين، فلكل إنسان رموزه المرتبطة بحياته الشخصية وبثقافته.
ولقد علمنا رسول الله صلي الله عليه وسلم كيف نتعامل مع الحلم فإن كان محتواه يوحي بالخير قصصناه على من نحب واستبشرنا به، وإن كان يوحي بغير ذلك فلنستعذ بالله من الشيطان الرجيم فإنه لا يضرنا.
ونظرا لاختلاط مصادر الأحلام فلا يجب أن تبنى عليها أحكاما شرعية (باستثناء رؤى الأنبياء)، أو قرارات أو مواقف، وإنما نأخذها كبشرى أو كوسيلة لفهم مكنون النفس خاصة الجزء اللاشعوري.
أما استكمال الحلم بعد انقطاعه بفترة يقظة قصيرة فهو دليل على أن الحلم يعبر عن صراع معين لم يحل أو يعبر عن احتياج يبحث عن إشباع والحلم المتكرر هو أيضا كذلك.
وأخيرا فهذه هي الرؤية التكاملية لموضوع الأحلام بعيدا عن الاختزالات المخلة، وللموضوع تفاصيل أخرى هائلة لا يسمح بها هذا المقام