إني أحب مدرسي..!؟
وأنا أعلم أن كل هذا مراهقة،
ولكن أنا انجذبت إليه لأنه رجل، وهذا يقل في مجتمعنا اليوم
ولكن لا أدري ماذا أفعل.
رد المستشار
أهلا بمشاكل القلوب الصغيرة والناعمة والبريئة, هذه القلوب التي لا تزال تخفق بيسر وسهولة..
أحييك أولا على اختيارك لهذا الأستاذ لتنجذبي إليه, فقد اخترت من رأيت فيه معاني الرجولة التي ترين أنها قليلة في المجتمع, وهذا يعني أنك واعية ولا ترضين بسفاسف الأمور وتوافه الأشخاص لتختارينهم كقدوة لك, فبارك الله لك هذا الاختيار..
تتساءلين "لكن لا أدري ماذا أفعل", سأقترح عليك أنا ماذا يمكنك أن تفعلي, ولكنني أخشى أن إجابتي ستأتي في منحىً آخر غير الذي تتوقعينه.. على كل لنجرّب ونرى..
ولكن وقبل أن أبدأ.. لدي تساؤلات:
- ألا يمكن أن يكون انجذابك له ناتجاً عن إعجابك بالشخصية التي تحبينها والتي رسمت معالمها في مخيلتك؟
- ألا يمكن أن يكون انجذابك نحوه مجرد انجذاب عاطفي أبوي , من فتاة لأبيها مثلا, أو لأخيها الأكبر؟
- أو ربما هو انجذاب الطالب للمعلم الذي يرى أنه القدوة المثالية التي يبحث عنها؟
لا نستطيع يا فتاتي الصغيرة أن نجزم بكون هذا الانجذاب حبا بالمعنى الدارج لكلمة الحب وهو: الحب الذي يربط بين شاب وفتاة.
وأنا شخصياً أرى أن هذا المعنى الدارج لكلمة الحب ما هو إلا اختزال واختصار مخلّ جداً لقيمة الحب ولمفهوم الحب, ونحن بطبيعتنا البشرية نحتاج أنواعاً كثيرة من الحب: فهناك حب الإخوة, وهناك حب الوالدين, وهناك حب الأصدقاء, وهناك حب العلم, وهناك حب التفوق والإنجاز, وهناك حب النفس: نحتاج أن نحب أنفسنا لنستطيع أن نقدّرها ونعرف قيمتها وبالتالي نصونها ولا نهدرها وهناك حب الجنس الآخر في الزواج, ونحتاج حب القدوة سواء في المعلم أو النبي, ونحتاج أن نحب الله عز وجل..
أرأيت كل هذه الأنواع من الحب, أليس من الظلم أن نجمعها كلها في حب واحد ونكتفي به مع أننا نحن نحتاجها جميعها, ونفسر أي إعجاب على أنه هو هذا الحب؟!؟!
قد تقولين: ولكن الحب والإعجاب ليس بيد المرء, وأنا أقول نعم هذا صحيح, مجيؤه ليس باليد, ولكن باليد التحكم فيه فإما أن نزيده اضطراماً فيسوقنا وراءه ويوقعنا في مشاكل تهدر الكثير من أوقاتنا وقدراتنا, وإمّا أن نحجّمه ونضعه في إطاره الصحيح فنستفيد منه قدر الإمكان ..
وسأخبرك سراً عن المعلمين باعتبار أنني أنا أيضاً معلمة, وهذا السر لم يخبرني إياه أحد, بل اكتشفته حين أصبحت معلمة, لأنني عندما كنت على مقاعد الدراسة كانت للمعلمة هيبة في نفسي حتى أنني لم أكن أتخيل أنها ممكن أن تأكل وتشرب و... عفوا: تذهب للحمام, بل كنت أظن أنها تبقى كذلك محنطة على هيأتها التي أراها عليها في الفصل, أرأيت كم هو تصور ساذج؟ ربما دعم هذا التصور ما للعلماء والمعلمين من مكانة وقدسية وهيبة في قلبي .
ولكن وعندما صرت أنا نفسي معلّمة تبين لي أن المعلمة بشر مثل كل الناس تأكل وتشرب وتفرح وتحزن وتغضب وتصرخ على أطفالها وتخطئ وتصيب ووو.......... وهذه طبيعة البشر, وعندما وجدت ذلك اكتشفت كم كنت واهمة .. كنت أعرف أن المعلمة بشر, ولكن صورتها المحنطة هي التي كانت تسيطر عليّ.
وبالمناسبة لقد نبهنا الله عز وجل لهذا في القرآن, إذ يبدو أن من طبيعة البشر أن ينظروا إلى العلماء والدعاة والأنبياء على أنهم من صنف مختلف عن البشر, فكان سبحانه وتعالى يؤكد على هذا المعنى في القرآن, فانظري كيف كان الناس يستنكرون أن الرسول بشر مثلهم: "وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ........ً (الفرقان : 7 )"
ولكن الله عز وجل يؤكد على بشرية الرسل والأنبياء دائما, مثل قوله تعالى: "قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَ .... (فصلت:6 )" ، وعن عيسى بن مريم عليهما السلام يقول: "مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (المائدة:75 )"
أقول لك هذا الكلام لأعطيك صورة واقعية عن المعلم , فليس هناك إنسان على وجه الأرض يستحق أن ترسمي له صورة مثالية, لأنه حتماً سيخطئ وعندها ستتكسر هذه الصورة الجميلة في ذهنك فتسبب لك آلاماً نفسية وذهنية أنت في غنىً عنها..
قلت " وأنا أعلم أن كل هذا مراهقة ولكن أنا انجذبت إليه لأنه رجل"
ماذا تعرفين عن المراهقة؟
قد يعتقد البعض أنها السنّ التي إذا مرّ بها الأولاد فما على الآباء إلا أن يعصبوا رؤوسهم ويعلنوا قانون الطوارئ الأسري إلى أن يجتازوها..هذه فكرة خاطئة, صحيح أن سن المراهقة فيها بعضاً من الصفات غير الجيدة كقلّة الخبرة, وسرعة الانفعال, وسرعة التقلب في القرارات, ولكنها تحمل أيضا معاني الإخلاص والصدق العميقين, والحماسة منقطعة النظير..
ولن تتحمّسي لأمر في حياتك كلها بنفس درجة حماسك لأمر ما حين تكونين في سن المراهقة.
ماذا نفعل بهذه الصفات التي قد تعيق تقدمنا إذا تعاملنا معها بطريقة خاطئة؟
الحل: أن نتعامل معها بطريقة صحيحة فنستثمر إيجابياتها فنحوّلها بالتالي إلى نقاط قوّة..
فسرعة الانفعال: نحوّلها إلى طاقة دافعة تدفعنا للعمل دون كلل ولا ملل إلى أن يتم الانجاز... وهكذا
وسرعة التقلب في القرارات: نستثمرها فنجعلها قوة دافعة لسرعة الرجوع عن الخطأ حين نكتشف أنه خطأ..
إذ ليس هناك شيء سيء في الدنيا إلا ويحمل بين طياته جوانب إيجابية, دورنا هو أن نبحث عنها ونتوجه لها ..
ولأن سن المراهقة سريع التقلب فإن الحب فيه أيضا يتقلب, وأنا متأكدة من أن حبك لهذا الأستاذ سيخبو مع الأيام، وسترين شخصا آخر ستشعرين نحوه بالحب وسيخبو مع الأيام وهكذا ..فهذا كله لا يعني أنك كاذبة في حبك, لا بل أنت صادقة ولكنك أحببت في كل مرة شيئا تحبينه في شخص فكيف تتعاملين مع هذا الأمر؟
تقمصي صفات معلمك الإيجابية واجعليها جزءاً من شخصيتك أنت, وبهذا تستفيدين من المعاني التي أعجبتك في كل شخصية فتكتسبينها.
ما رأيك بهذه التوجهات الجديدة لاستثمار "مرحلة المراهقة"؟
والآن هل خطرت في ذهنك أشياء لتفعليها في مواجهة ما تشعرين به من حب لهذا الأستاذ؟
سأقترح عليك بعض الخطوات:
1- حددي نوعية الحب لهذا الأستاذ, وعلى أقل من مهلك, فكري ملياً في الموضوع ولا تتسرعي في الحكم على نفسك.
2- بناء على تحديدك لنوع هذا الحب أعيدي تفكيرك به إلى حدود هذا النوع من الحب, فإن كان حب إعجاب فاقتدي به وخذي منه الصفات التي أحببتها, وإن كان حباً أبوياً فاستمدي منه الحنان الذي يجعلك تزدادين ثقة بنفسك وقدراتك وتزدادين تقدما وتفوقاً في مدرستك.
3- سيحتاج الأمر إلى وقت حتى تتمكني من ضبطه, فلا تيأسي وكرري المحاولات إلى أن تنجحي.
4- لا تستسلمي للجلوس وحيدة والتفكير بهذا الأستاذ, فهذا سيقوّي مشاعرك تجاهه وبالتالي سيصعب عليك أن تسيطري عليها, ولكن ليكن لديك دائما ما يشغلك من أشياء نافعة ومفيدة, وصديقات جيدات تقومين معهن بأنشطة جميلة تملأ الوقت وتثري الفكر وتنضج الشخصية كالقراءة أو تعلم شيء جديد... الخ
5- أنت لا تزالين صغيرة جدا, فلا تحكمي على نفسك من الآن بالحب لشخص معين, لأن شخصيتك لا زالت تتطور وتنضج, وربما بعد سنة من الآن لن تبقى مواصفات هذا المدرّس هي فقط معاني الرجولة التي تنشدينها, قد تضيفين إليها معاني أخرى للرجولة تحتاجينها في زوجك الذي سيرزقك به الله في المستقبل بإذن الله, لهذا أعط نفسك فرصة لتكبري وتتطوري ولتكبر أحلامك وطموحاتك معك .. وأما بالنسبة لهذا الأستاذ فاستفيدي من حبك له الآن بأن تتقمصي صفاته الإيجابية وتجعليها جزءاً من شخصيتك أنت, لأن حبك له سيخفت مع تقدمك في العمر وأخشى أن تضيعي عندها الاستفادة من إيجابياته.
6- أليست لديك هوايات؟ ما رأيك أن تبدئي بتنميتها, وإذا لم تكوني تعرفين هواياتك بعد فما رأيك أن تبدئي باكتشافها؟
7- ابتعدي عن كل ما يثير في نفسك الرغبة في الحب من أفلام وفيديو كليبات, احمي نفسك منها لتستطيعي استغلال قدراتك في بناء حياتك, فالجري وراء الحب كالجري وراء السراب لا تأخذين منه سوى ضياع الوقت والقدرات.
والآن.. ما رأيك بما قرأت؟
أرجو أن توافيني بما تفكرين به الآن وبما تشعرين به، وإذا وجدت في نفسك الرغبة في الحوار فلا تترددي أبدا فموقعنا وقلوبنا مفتوحة لك دائما.. فأهلا بك..