الثقة في النفس بعد الاكتئاب،
السلام عليكم أشكركم على الصفحة الرائعة؛
أريد أن اشرح مشكلتي وآسف إذا كنت سآخذ من وقتكم قليلا المشكلة باختصار أني كنت مصابا بمرض الاكتئاب وعولجت منه عند طبيب والحمد لله واستمر العلاج لمده سنه عن طريق أقراص دوائية، كنت قبل المرض أعاني من ثقة الناس وسبب عدم اهتمامهم هل هي مجاملة (باختصار أعراض مرض الاكتئاب كاملة)،
والحمد لله عولجت منها وأصبحت انظر للحياة بنظرة أخرى ولكن هناك مشكله أخرى، اعتقد أنها ناجمة عنها، أني عندما أعمل أي عمل لا أعطيه حقه كاملا مهما كان يعني60 % فقط لا أستطيع أن أعطيه كامل حقه وأنا كثير الأخطاء وثقتي في نفسي شبه معدومة،
بصراحة أنا لا تصور أني أستطيع الزواج مستقبلا، ولا أدري سبب هذا الشعور الغريب؟ هل هو من الشيطان أم بقايا المرض؟ هل احتاج إلى العودة إلى العلاج مره أخرى؟ في الختام لكم جزيل الشكر، المخلص الفارس.
12/09/2003
رد المستشار
الأخ السائل العزيز أهلا وسهلا بك وشكرًا على ثقتك في صفحتنا استشارات مجانين؛
الحقيقة أن إفادتك رغم عدم شرحك لأعراض الاكتئاب التي كنت تعاني منها واكتفاءك بالقول بأنها أعراض اكتئاب كاملة وأنك والحمد لله عولجت منه، رغم ذلك فإن إفادتك تفتح موضوعًا من أهم المواضيع التي تجدر الإشارة إليها وتوضيحها، وهذا الموضوع هو من المواضيع التي قليلا ما ينتبه لها الطبيب النفسي، والتي أيضًا نادرًا ما يدركها المريض النفسي، وهذا ما ينتج عنه ما أسميه بالعلاج المنقوص!
فما تبينه في إفادتك هو أن تغيرًا ما قد طرأ عليك بعد مرورك بخبرة الاكتئاب، ولاحظ أنك لم تذكر لنا شيئًا عن نفسك قبل حدوث الاكتئاب، فربما يكون لديك تاريخ من عسر المزاج Dysthymia، وأضيفت له نوبة من نوبات اضطراب الاكتئاب الجسيم، صحيحٌ أنك لم توضح لنا بصورةٍ لا تقبل الشك أن ما تشتكي منه الآن قد بدأ معك فقط بعد الاكتئاب وعلاجه، ولم يكن سابقًا عليه، لكننا سنذكر لك الفرق الآن كما ننصحك بقراءة إجابات سابقة لنا على صفحة استشارات مجانين تحت العناوين التالية:
اللا مبالاة هل هي اكتئاب؟
عسر المزاج والاكتئاب، التفكير النكدي
الاكتئاب الجسيم وماذا بعد
الاكتئاب الدائم أم عسر المزاج.
ولعل ما تشير إليه بقولك (ولكن هناك مشكله أخرى، اعتقد أنها ناجمة عنها) يأخذنا أول ما يأخذنا في اتجاه ما نسميه في تصنيف الاضطرابات النفسية بالتغير الباقي في الشخصية تلو مرضٍ نفسي Enduring Personality Change After Psychiatric Illness، وهو تغير في الشخصية مرجعه إلى معاناةٍ راضحة Traumatic من مرضٍ نفسي شديد، ويجب أن يكونَ تغير الشخصية هنا دائمًا وواضحًا كنمطٍ يفتقر إلى المرونة والتكيف في الخبرة والأداء ويؤدي إلى خلل طويل الأمد في الأداء الشخصي أو الاجتماعي أو المهني وضائقة شخصانية للفرد،
كما يجب ألا تكونَ هناك بينةٌ على ما يثبتُ وجود اضطرابٍ سابق في الشخصية يمكنُ أن يفسر هذا التغير، إلا أنه يجبُ أن لا يستند التشخيص إلى أي أعراضٍ متبقية من اضطراب نفسي سابق (وفي حالتك هو ما نسميه بالاكتئاب المتبقي Residual Depression) والناتج عن عدم الشفاء الكامل من الاكتئاب، فكثيرًا ما يكتفي الطبيب النفسي وأيضًا المريض النفسي بعد فترةٍ من تناول العلاج بأن يقول المريض أنه تحسن أي أنه أصبح أفضل مما كان عليه أثناء أعراض الاكتئاب، بينما المطلوب ليس أن يشعر المريض بالتحسن فقط وإنما المطلوب هو أن يعود المريض إلى ما كان عليه أصلا قبل بداية ظهور أعراض الاكتئاب بل إلى ما هو أفضل مما كان عليه خاصةً من الناحية المعرفية.
وهذا ما يذكرني بما أقوله لكثيرين من مرضاي ومن زملائي في التخصصات الأخرى من أن المطلوب من الطبيب النفسي ومن مريضه أصعب من المطلوب من أي طبيب أو مريض في تخصص آخر، لأن غاية المرام في كل التخصصات هو أن يعود المريض إلى حالته قبل المرض فهو بذلك يكونُ قد شفي تماما، وأما المطلوب في حالة المرض النفسي فهو أن يعود المريض ليس فقط إلى ما كان عليه (وإن كان هذا مرضيا إذا بلغناه في حالات كثيرة) وإنما إلى ما يجعله أقدر على المواجهة وأكبر وعيا بطريقة تفكيره أو سلوكياته السابقة التي جعلته عرضةً للاضطراب النفسي.
المهم لكي لا أبتعد بك عن حالتك أقول لك أن الاحتمال الأقرب (إذا كان ما تشتكي منه الآن حادثًا فقط بعد تعرضك للاكتئاب ولم يكن قبل ذلك)، هو أن حالتك تمثل الاكتئاب المتبقي، وأنا أقول ذلك لأن تشخيص التغير الباقي في الشخصية تلو مرض نفسي يحتاج إلى معايير تشخيص معينة لم تشر أنت بوضوحٍ إليها مثل: الاتكالية Dependency الشديدة على الآخرين واتخاذ موقف المطالبة إزاءهم، وكذلك اللا فاعلية وقلة الاهتمامات وعدم الانخراط في الأنشطة الترفيهية، وكذلك الاقتناع التام من جانب الشخص بأنه لم يعد كما كان وأنه تغير نتيجةَ مرضه السابق وعجزه بالتالي عن إقامة علاقات وطيدة أو صيانة تلك العلاقات مما يجعله يتجه بالتدريج نحو العزلة الاجتماعية،
يضاف إلى ذلك الشكاوى المستديمة من المرض، والمزاج المتململ Dysphoric Mood أو المتقلب والاختلال الواضح في الأداء المهني والاجتماعي، ويجب أن يستمر ما سبق مدةَ عامين على الأقل، إذن فتشخيصنا المبدئي لحالتك هو بقايا الاكتئاب أو الاكتئاب المتبقي، لأن الأعراض التي تشتكي منها في الأصل لم تكمل العامين بعد علاج حالة الاكتئاب الذي لا نعتبره كاملاً لأن الأبحاث الحديثة تشير إلى ضرورة استمرار العلاج العقاري لمدة عامين بعد التحسن التام، إضافةً إلى أنك لم تعالج علاجًا معرفيا بحيث تتغير طريقة تفكيرك، وأما ما تشير إليه بقولك (عندما أعمل أي عمل لا أعطيه حقه كاملا مهما كان يعني60 % فقط لا أستطيع أن أعطيه كامل حقه وأنا كثير الأخطاء وثقتي في نفسي شبه معدومة).
فلا ندري هل الجزء الأول من العبارة أو شعورك بعدم إتقان العمل ناتج عن الجزء الثاني من العبارة وهو عدم الثقة وكثرة الأخطاء؟ أم أنك تقصد شيئًا آخر، لكن هذا أيضًا قد يقع ضمن عباءة الاكتئاب المتبقي وأما قولك (بصراحة أنا لا تصور أني أستطيع الزواج مستقبلا، ولا أدري سبب هذا الشعور الغريب؟) فردنا عليه هو أنك تحتاج ليس فقط إلى العودة للعقار الذي تحسنت عليه من قبل بل أيضًا أن تتابع مع أحد المختصين بالعلاج المعرفي السلوكي لكي تتم العلاج وتصل إلى أفضل مما كنت عليه بتوفيق الله عز وجل، ونحن معك فتابعنا بأخبارك.
ويتبع>>>>>>>>>>>>>> : الاكتئاب المتبقي أم العلاج المنقوص ؟ م