بين يقظة الضمير والشخصية القسرية شعرة
أختي هدى
شدتني رسالتك وقرأتها مرات عديدة كما شدني رد أستاذي الفاضل الدكتور وائل
وبداية أنا اسمي أيضاً هدى وإذا أحببت تواصلي معي على :com.............@..........
أختي:
جميل أن يكون للإنسان مبادئ يسير عليها ويؤمن بها وما ذكرته عن نفسك يوحي بأنك شابة عاقلة وحريصة على نفسها، فأنت لا تخرجين إلى المقاهي والشوارع ليلاً، ولا تقيمين علاقات مع شباب خارج نطاق الدراسة والعمل، وتخليت عن الحبيب حتى لا تكوني سبباً في تعاسة ثلاثة أطفال، وتدعين الله أن يهبك القدرة على مقاومة المغريات، كل ذلك جميل، ولكن لماذا تقولين بعد ذلك أنك ملخبطة ومش عارفة الصح من الخطأ، طالما أنت مؤمنة بمبادئك ووصلت إليها عن دراسة وقناعة فالمفروض أنك مستقرة نفسياً وتعرفين طريقك جيداً، وليفعل الآخرون ما يحلو لهم، وليسيروا في أي درب شاءوا، وليقولوا عني معقدة، ما المهم في ذلك إذا كنت متيقنة تماماً أن ما تفعلينه هو الصواب؟
ولدي سؤال للدكتور وائل عن اضطراب الشخصية القسرية حيث أنه في الكتاب الموجود عندي وهو بعنوان المبادئ الأساسية في الطب النفسي لم أجد الشخصية القسرية، ووجدت اضطراب الشخصية المدمرة للذات حيث يتجنب الشخص المصاب بهذا الاضطراب التجارب السارة أو يقوضها، وقد يشد الشخص إلى مواقف أو علاقات تعرضه للمعاناة، كما يمنع الآخرين من مساعدته، وارتكاسه تجاه الأحداث الايجابية يكون بالاكتئاب أو مشاعر الذنب، وهو يتصرف بشكل يجعل الآخرين غاضبين أو رافضين له....الخ. فهل هذا الاضطراب هو نفسه اضطراب الشخصية القسرية؟
شكرا لك دكتور وائل ...
وشكرا يا هدى وكلي أمل أن تتواصلي معي
29/7/2005
رد المستشار
الأخت العزيزة أهلا بك من بلدٍ أحبه وأحبُّ أهله، وأتمنى أن أزوره، وحيا الله بالخير والرضا أستاذي في الكيمياء في ثانوية الأنصار بالمدينة المنورة الأستاذ علي المفتي، فقد كان سوريا عظيما يعرف كيف يحببُ العلم لأبنائه، أهديه السلامَ وهو في علم الله الآن، وأهدي السلام لأجله ولأجلك ولأجل الأستاذة لمى عبد الله -وكلكم مدرسون- أهديه لوزارة التربية والتعليم السورية، (ولا آخذين على خاطركم منها؟؟؟)
سبب اختلاف المسميات يا عزيزتي هو أنكم في سوريا الحبيبة تأخذون العلوم النفسية عن الفرنسية (الفرانكوفونية) بينما نأخذها نحن في مصر عن الإنجليزية (الأنجلوساكسونية) وكلام هؤلاء كثيرا ما يختلف عن كلام أولئك خاصة في التوصيف والتصنيف في الطب النفسي، اضطراب الشخصية القسرية Anankastic Personality أو الوسواسية (وهو الاسم الذي تجدينه عندك في الكتاب المشار إليه) يختلف عن اضطراب الشخصية المدمرة للذات (Self-defeating) Personality Disorderأو الشخصية المازوخية Masochistic Personality كما أصبحت تسمى، وهو اضطراب شخصيةٍ لم يحظ بالاعتراف الكامل من المصنفين في الطب النفسي بعد،
وسبب ذلك هو غياب المعلومات التي توضح معدل انتشاره أو نسبته في الرجال أو النساء وهو على أغلب الظن اضطرابٌ نادر ويحتاج تشخيصه إلى توفر عددٍ من المحكات التشخيصية بحيث يمثل كل منها أسلوب سلوك وتصرف يتغلغل في حياة المريض ويظهر ويتكرر في معظم أو كل مواقف حياته بدءًا من المراهقة أو مرحلة الرشد المبكر، ومن هذه المحكات –التي ذكرت أنت بعضها- أن يختار الناس أو المواقف التي تخيب أمله أو تورثه الفشل أو إساءة المعاملة وهو يختار ذلك الاختيار رغم وجود خيارات أفضل متاحة له، ولا يستجيب لمحاولات الآخرين مساعدته، كما تجدينه يستجيب بعد النجاحات التي تطرأ على حياته باكتئاب أو شعور بالذنب أو التعرض لحادثة، وكثيرا ما يدفع الآخرين بسلوكه الاجتماعي إلى إهانته كأن يسخر من شخص مهم له مثلا أمام الناس فينفعل الآخر وربما قطعت العلاقة ليشعر صاحب الشخصية المازوخية بالأسى أو بالذنب، وكذلك يبدي عدم اهتمام بمن يحسنون معاملته من الناس، ويعجز عن إنجاز المهام الحرجة في حياته والمشاريع الضرورية لترقيه ومكاسبه في الحياة، وليست الأسباب معروفة، كما أن هذا الاضطراب ليس في كثير من الأحوال مرتبطا بالمازوخية الجنسية، والعلاج المتاح مثله مثل العلاج في أيٍّ من اضطرابات الشخصية أي العلاج النفسي الطويل الأجل، وربما استخدمت العقاقير لعلاج الاضطرابات النفسية المواكبة كالاكتئاب وعسر المزاج، لكن دورها في علاج اضطرابات الشخصية كلها ليس ذا بال.
إذن فالشخصية القسرية هي الشخصية الوسواسية أو القهرية Obsessiveأو Compulsive في الكتاب المترجم عن الفرنسية،ولعل في تشابه الأسماء بين هذا الاضطراب واضطراب الوسواس القهري ما زادَ من الخلط ، ولهذا السبب أفضلُ شخصيا استخدام كلمة القسرية بدلاً من القهرية عند الحديث عن الشخصية (وإن كانت كلا من القهرية والقسرية ترجمة صحيحة لكلمة Compulsive، لكن كلمة قسرية هيَ ترجمةٌ لكلمةٍ إنجليزيةٍ أخرى هيَ Anankastic والتي استخدمها تصنيف منظمة الصحة العالمية العاشر ICD/10 ولم يستخدم كلمةَ Compulsive كي لا يخلط الناس بين اضطراب الوسواس القهري واضطراب الشخصية القهرية، بالضبط مثلما أرى أن استخدام اسم الشخصية المدمرة للذات أفضل من اسم الشخصية المازوخية لكي لا يخلط الناس بينها وبين المازوخية الجنسية ولعل في قراءة الروابط التالية ما يفيد:
الوسواس القهري والشخصية القسرية
المازوخية
وأشكرك على مشاركتك وإسهاماتك الدائمة في مجانين.