الحلم بالتحلم فعلاً...؟؟
السلام عليكم ورحمة الله..
في الواقع لدي خليط من المشكلات أشبه ما تكون بالمنغصات أو الشوائب لحياتي وليست "تراجيديا"، ولكني هنا سأكتفي بعرض واحدة احدها الأهم للمرحلة الحالية حيث وجدت أن أغلق موضوع التفكير في الأمور الأخرى لأني لا املك مفاتيح الحلول الآن، هي: أني لا استطيع المسايرة لأحد في الأمور التي لا أريد..
معلوم أن الحياة اخذ وعطاء وليس كل ما يتمناه المرء يدركه، لكني لا استطيع مثلا تحمل هفوات من حولي، ما داموا معي بشكل جيد امشي معهم بشكل مستقيم، لكن أن ضايقوني سواء بظلم أو إساءة ما فعلى الأقل أتجنبهم تلقائيا أن لم أحاول الرد وسامحت من داخلي، وأحيانا أتجنب البعض لأني استثقلهم وان كانوا جيدين معي، مع إني أكون حسنة التعامل ومريحة مع الجميع، لكن اشعر بان هناك حاجز ما يمنعني أن مثلا كرهت احد أن أكون طبيعية معه، اشعر بحلقي يجف وجبيني يستقطب ولا استطيع أخراج كلمة أو أبين إني طبيعية، لذا اهرب من رؤيته واجد أن هذا أفضل.
وأنا ارغب في أن املك صفه الحلم وتقبل جهل الناس بصدر رحب ولهذا اسأل كيف أحسن نفسي، ومشكلتي تهون إذا اقتصرت على مثلا مدرسين أو زملاء أو جيران ممن لا تربطني بهم علاقة قوية إذ أجامل بعض الشيء وتجنبي لهم لن يضايقهم ولن يؤثر عليهم لأني لا أشكل اهتمام فعلي لديهم، لكن هناك ممن لا يدخلون قلبي، واستصعب التعامل بأريحية معهم من اقرب الناس لي والمفروض أن تجمعني بهم علاقة قوية، وأهمهم وأولهم أمي، يليهم بعض الأقارب الأبعد.
أنا أقدر بأمي طيبة نفسها لكن يصدر منها أمور لا أتحملها، اشعر أنها "ثرثارة وتخبص بالحكيي" أيضا فوضوية وقاصرة النظر أو سطحية وتحب السيطرة ولست هنا احكم عليها فهي أيضا مليئة بالصفات الجميلة هي طيبة القلب واجتماعية تخالط الناس وناجحة في عملها وعلاقاتها مع من حولها، لكن شخصيتها لا تعجبني، لهذا تجدني انفر من الجلوس معها كثيرا وهذا خطأ.. طبعا.
أنا ابرها واخدمها وأعاملها بشكل جيد لكن اعلم أن هذا لا يكفي.. يجب أن تكون هناك علاقة قوية تربطني بها، تخيلوا أن أكون هكذا مع أبنائي أتعامل بالرسميات وليست هناك علاقة خاصة قوية، لكنها لا تتواءم معي، بعكس أبي مثلا مع أني أجدها أفضل منه من حيث الخيرية لكني أحبه أكثر ويعجبني الجلوس معه، أحب ثقافته وفهمه ومبادئه في الحياة وآراؤه بكثير من الأمور مع أن لديه بعض الأمور التي لا تعجبني "مثلا لئيم أحيانا" أما هي فهي ربما أصلح منه وأحسن خلقا لكن لا اعرف لم لا أحبها..
الأرواح جنود مجندة، اعلم هذا، لكن هل استطيع أن أتحكم بروحي وأجندها بالقوة لتصبح مفتوحة لجميع الناس، وحتى لو لم أكن داخليا ارغب فيهم لكن لا ابدي هذا..، سيواجهني هذا أيضا في المستقبل لو تزوجت سواء الزوج نفسه أو أهله، فهل لو ما أحببتهم سأحول حياتي ألي هروب وانعزال دائم.
وبالنسبة لي أنا اجتماعية وغير خجولة، لكن هناك صديقات معينات قريبات جدا مني وهم يشكلون لدي مستودعات الأسرار وكلهم اشعر براحة شديدة معهم وعلاقاتي معهم جدا قوية. أيضا علاقتي قوية مع اخويّ وخال لي أكثر من غيرهم، أنا هادئة وكثيرة القراءة ولا أحب الاحتكاك بتجمعات الناس لا ارغب في هذا ولكن ليس خجلا لكن لا أحب، باختصار أريد أن اكتسب صفة الحلم وسعة الصدر فكيف أكون كذلك؟
وشكرا جزيلاً....
24/03/2006
رد المستشار
أهلاً بك يا "سناء"، وأهلاً بمشكلتك التي تنم عن شخصية ناضجة وعاقلة تفهم نفسها وتسعى لتطويرها.. بارك الله لك هذا الفهم المستنير وهذا السعي للتغيير وكلّله بالنجاح.. تستطيعين التخلق بالتحلم حين تغيرين منطلقات تعاملك مع الآخرين، فأنت تتعاملين مع الآخرين من منطلق تقبلك لهم أو عدمه، انطلقي من منطلق آخر: لو نظرت إليهم على أنهم مشاريع دعوية تكسبين من ورائهم الأجر والثواب حين تؤثرين فيهم فيهتدون على يديك، عندها ستجدين في نفسك متسعاً لهم، ولا أقصد بيهتدون على يديك أنه يجب حتى تأخذي الأجر والثواب أن يكون التغيير في الآخرين بنسبة 180 درجة، بل إن أدنى تغيير تكونين سببه سيكون لك أجره وثوابه، حتى ولو تعلم الآخرون منك أن يحمدوا الله بعد العطاس مثلاً.
مبدأ آخر من مبادئ التعامل مع الآخرين: حين تنطلقين في تعاملك معهم من فكرة "الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يؤذونه"، من فكرة الصبر وما لها من ثواب عظيم عند الله عز وجل من معية الله "إن الله مع الصابرين" إلى دخول الجنة بغير حساب "إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب" عندها ستستطيعين توسيع صدرك، عندما تنطلقين من مبدأ: إن لم أتقبّل الآخرين على عجرهم وبجرهم فلن يتقبلني أحد على عجري وبجري، ومن منا بلا عجر وبجر؟؟
هذه بعض المبادئ التي تعينك على تغيير موقفك ممن تستثقلين ظلهم من الناس.. سواء كانوا قريبين منك أو بعيدين، حتى والدتك، تستطيعين تطبيق هذه المبادئ على تعاملك معها، بل وتضيفين هنا مبدأ آخر وهو مبدأ البر، أي إحسان المعاملة، وتحمّل ما ترينه أنه أخطاءها، ففي النهاية لست أنت المحاسب لها بل هو الله عز وجل، وربما بصبرك وبمعاملتك الحنونة والودودة تؤثرين فيها فتحسّن من أخطائها.. ولكنك مطالبة بالبر: أي اللطف والرفق والاحترام والود والرحمة..، ولكن الأهم هو أن تعلمي انك ستعيشين مع الناس في المجتمع وهذا يعني أنك يجب أن تتقبليهم كما هم، وإلا فسيأتي اليوم الذي تجدين نفسك فيه وحيدة تماما، ورحم الله القائل:
إذا كنت في كل الأمور معاتباً **** صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
فعش واحداً أو صل أخاك فإنه **** مقــارف ذنب مــرةً ومجــانبـــه
لن تستطيعي أن توجدي المجتمع تفصيلاً على المقاس الذي تريدين، بل ستجدين في كل إنسان ما يسرّك وما يزعجك، ليس هناك في الدنيا لونين فقط: أبيض وأسود، بل ملايين الألوان، أي ملايين الطبائع والخصال البشرية.
بل إن النبي نبّه إلى هذا في قولة عن العلاقة بين الأزواج "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر"، قولي لي بالله عليك إذا لم يكن هناك صفات سيئة في البشر فأين الصبر الذي سيدخلون به الجنة"أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين"؟؟
هذه طبيعة البشر: خير وشر، صواب وخطأ.. لأن فينا من روح الله، وفينا النفس الأمارة بالسوء، وهناك أيضاً الشيطان المتربص بنا، هل هناك بشر بدون أخطاء؟ حتى أنا، حتى أنت، بل إن من أفدح الأخطاء أن ننتظر الناس اللي بدون أخطاء..، ولكنني أحب أن أبشّرك بأن طموحك لحياة مع بشر بلا أخطاء هو طموح واقعي وقابل للتحقق، ولكن ليس هنا، أي ليس في الدنيا، بل في الجنة إن شاء الله، لأن لها قوانين مختلفة عن حياتنا الدنيا إذ "ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين".
أما هذه العواطف والطبائع بخيرها وشرها فهي من خصائص الحياة الدنيا ومطلوبة لأن لها مسارات يجب أن تسير فيها ليحافظ فيها الإنسان على نفسه.. فالأنانية مثلاً مهمة جدا وخصوصاً للطفل في سنواته الأولى لأنه لو لم يكن أنانياً لمات جوعاً وهو ينتظر أمه المشغولة أن تطعمه من تلقاء نفسها دون أن يزعجها ببكائه.. لو فعل ذلك لنسيته أمه من زحمة أعمالها..
هذا مثال.. وإذا بقيت تفكرين بنفس منطقك فإنني أخشى على علاقاتك الاجتماعية القوية والمستقرة اليوم من التفكك والانفراط غداً لأن صديقاتك وخالك وإخوتك ما هم إلا بشر ويحملون في شخصياتهم كل بذور الطبائع البشرية الخيّرة والشريرة وسيخطؤون يوما ما.. وعندها ستلغينهم هم أيضاً من حياتك..
ثم إن معاملة الناس بالتسامح والتقبل سيعود علينا نحن أيضاً ليس من قِبَلهم هم فحسب، بل من قِبَل الله عز وجل، ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام:"ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"، بل إن الله عز وجل لم يرض بالموقف الذي اتخذه أبو بكر رضي الله عنه حين قرر الامتناع عن الإنفاق على قريبه مسطح لأنه خاض في حديث الإفك – وهي حادثة الإفك التي رميت بها السيدة عائشة بنت أبي بكر وأم المؤمنين بأشنع تهمة حيث اتهمت في شرفها وهي الطاهرة المطهرة-، لم يرض الله عز وجل بموقف أبي بكر، بل رغّبه في العفو والصفح بأن جزاء من يصفح عن الناس أن يصفح الله عنه فقال" ألا تحبون أن يغفر الله لكم"..
أحيي فيك وعيك لهذه النقطة الخطيرة من طباعك ورغبتك في تلافيها، أعانك الله ووفقك إلى كل خير..، طبعاً تغيير طريقة تعاملك مع الناس لن يحدث بين يوم وليلة، بل ستحتاجين إلى فترة من الزمن تبذلين فيها الجهود المتوالية والحثيثة ولا تتوقفين مهما كانت هناك محاولات فاشلة، ولا تنسي أن هذه المحاولات الفاشلة هي أولى الخطوات الصحيحة على طريق النجاح، بارك الله بك، وتابعينا بأخبارك....
ويتبع.................... الحلم بالتحلم واحذري التطرف مشاركة