خواطر الشحاذ........
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
مشكلتي تتلخص في الشفقة، ولكي أوضح أكثر، ذات يوم سألني أحد الأصدقاء قائلا أتحب أن تكون مثيرا للحقد أم للشفقة؟؟ وبدون أدنى تفكير كانت إجابتي هي الاختيار الثاني.
نعم، فأنا دائما ما أحب أن أكون مثيرا للشفقة وأن يقول عني كل الناس يا عيني عليه وعلى حاله! لا أدري لماذا فأنا كم أحب الشعور بالظلم وبأنني مكروه بين الناس ولكن بدرجات فحسب درجة قرب الشخص مني تكون قوة الإحساس.
كم وددت أن أكون مصابا بالسرطان أو أي مرض آخر لا علاج له أو مثلا أن أموت في حادث مروع لم يظهر حتى في أفضل فيلم من أفلام الحركة والإثارة الغربية، المهم أن أنال عطف ودموع أحبابي طول الوقت، أعتقد أن السبب في هذا أنني أحب أن أكون في بال الناس طول الوقت لا أريد أن أكون نسيا منسيا أريد أن أجذب انتباه كل الناس نحوي وأنا بطرقي لن أجعلهم يديروا نظرهم عني مهما كلفني الأمر.
فأنا لا أتورع أن أكذب على حبيبتي حتى أشعر باهتمامها وانشغالها علي، نعم أوافقك الرأي أنه ضعف في الشخصية، أحيانا أود أن أكون شحاذا وأن أكون بعيدا كل البعد عن أهلي وأحبابي، وياحبذا لو ركلني كل من يعطيني المال بقدمه في كل مكان في جسمي وخصوصا في موضع رجولتي وياليته أيضا يبصق على وجهي حتى أشعر بمنتهى المهانة وإن كان مجرد إحساسي بالنسيان من قبل الناس هو الموت بعينه.
أود كثيرا أن أخسر كل شيء في حياتي أن أكون بلا أي شيء لا أهل ولا مال ولا أي شيء نهائيا، وأن أعود يوما إلى أهلي كلهم وأكون في أبهى حال من أفخم السيارات والملابس وهكذا أي الصعود من قاع القاع إلى قمة القمم، أن أتحول إلى المثير للحقد أن أعيش هذا الدور الجديد على تماما وأن أتخلى عن الدور الآخر الذي سئمت منه جدا.
أما عن ظروفي فعلاقتي بأسرتي قوية جدا فأنا مرتبط بهم ارتباط وثيق فنحن نحب بعض جدا بالرغم من رسوبي المستمر رغم محاولاتي المستمرة أيضا، أما باقي العائلة فيمكنك أن تقول بأنني حاليا لا أحبهم لأنهم ليسو أنقياء.
شكرا...
19/10/2003
رد المستشار
صديقي الشحاذ، أهلا وسهلا بك وشكرًا على ثقتك في صفحتنا استشارات مجانين، ورمضان كريم، الحقيقة أن الصعود الحقيقي من القاع إلى القمة لا بد وأن يحدث في النفس أولا...
أنت الآن في القاع... في الحضيض تحديدا، ويمكنك أن تصعد إلى القمة في وقت قصير نسبيا، ولكنك لن تحس بطعم الانتصار أو بالقيمة الذاتية ما لم تصل إلى النجاح بنفسك وبمواجهة تحدياتك والتغلب عليها بنفسك.
استدرار العطف والشفقة لن يفيدك بشيء سوى تعطيلك وإهدار وقتك ومجهودك وكرامتك، إذا كنت قد سئمت من الدور الذي كنت تلعبه إلى الآن فغيره فورا باتخاذ خطوات صغيرة بسيطة في الاتجاه الصحي والصحيح... ابدأ باختيار وبلعب دور آخر رويدا رويدا، وقليلا قليلا، وبمرور الوقت سوف يصبح التغيير التراكمي كبيرا جدا وفي غاية الأهمية.
ولكن كيف ولماذا سجنت نفسك في معنى أن النجاح والاستقلالية مثيران للحقد فقط وأن المسكنة والفشل مثيران للشفقة فقط؟ إن النجاح الشريف العادل الجيد الصحي مثير للحقد من الضعفاء والفاشلين فقط، ولو علم هؤلاء أن هذا النجاح ليس مستحيلا، وليس بالضرورة صعبا لما شعروا بهذا.
إنك قد صدقت جزء صغير من الحقيقة.. النجاح أيضا يثير الفخر والاعتزاز والإعجاب والإلهام والنشوة والتقدير والقوة والاستقلالية والنضج والجاذبية ويسهل المزيد من النجاح ويقوي الحافز والفاعلية والثقة بالنفس ويجعلك تحترم نفسك ولا تبيعها رخيصة.
إن الشفقة هي بديل رخيص وغير مشبع للحب والإحساس بالتقدير للذات وبالتقدير والاعتزاز من الآخرين.. ربما أنت ممن يعتنقون المثل الشائع "يا بخت من بات مظلوم ولا باتش ظالم" وتنفذه بحرفية شديدة لأنك لا تجد بديلا أو أي شيء آخر في نفسك تحس فيه ومنه بالقيمة.
أنت يا سيدي تفتقد الإحساس بالأهمية والحب ولكن الشفقة لن تشبع هذا... فبعد أن نشعر بالشفقة والتعاطف، وبمر الزمن، سوف نضجر منك ومن شكواك ومن مسكنتك... إنك وبلا شك عندئذ ستكون نسيا منسيا بل وستكون كريها للأحباب... قد ننتبه إليك بعض الوقت ولكن ألمك أو ألم أي إنسان ليس من الأهمية بحيث نتعاطف معه طوال الوقت وهو لا يساعد نفسه أو يرغب في هذا (وقبل أن تقول أي شيء دعني أقول "تحلف لي أصدقك، أشوف أمورك أستعجب"... إن ما تفعله هو مجرد بيع رخيص لنفسك.
أما من ناحية كذبك على حبيبتك، فكيف تصفها بالحبيبة وتستطيع أن تكذب عليها؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!! إن الحب لا يسمح بالكذب للعب على مشاعر الحبيبة لوضعها في اختبار دائم لمعرفة ما إذا كانت ستظل تحت سيطرة المسكنة ودور الضحية...
أنت لا تحبها يا سيدي وإنما تستغلها كما تريد استغلال الجميع لإعطائك الشفقة (بديل الحب)، مما يعطيك الإحساس بالسيطرة على الآخرين... ولكن لم لا تتعاون وتحصل على تعاون الآخرين بدلا من أن تحاول السيطرة عليهم باستدرار الشفقة؟ ولكن لما قررت أنك لا تستطيع الحصول على الحب إلا من خلال لعب هذا الدور العقيم؟؟؟؟؟؟؟؟
أرجو أن تفهم أنك إذا لم تحب نفسك وتعتز بها أنت أولا، فلا مفر من أن يشفق عليك الآخرون قليلا إن أشفقوا، ثم ينفروا منك جميعا، وقد ينفرون منك من البداية، ومن علامات هذا النفور هو معاملتك بشفقة يشوبها البرود أو عدم الانفعال الحقيقي.
سيدي، أرجو أن تجيب على الأسئلة الآتية في سبيل تحررك من هذا العذاب:
0 ماذا تريد أن تكون؟
0 أي إنسان تود أن تكون؟ الناجح السعيد المحبوب أم الناجح المحقود عليه؟ أم شحاذ الشفقة ومستغلها في محاولة عقيمة للسيطرة؟
0 من هم الذين تحبهم؟
0 كيف تعرف أنك تحبهم؟
0 ماذا تفعل لهم ومعهم كنتيجة لهذا الحب؟
0 من هم الذين يحبونك؟ كيف تعرف؟ ماذا يفعلون لك ومعك كنتيجة لهذا الحب؟
0 أهلك الذين تحبهم.. هل هم من يعطونك اللهفة والشفقة؟ وهل هذا مشبع؟
0 أهلك الذين لا تحبهم والذين وصفتهم بأنهم غير أنقياء... أهم من يرون أنك تضيع حياتك ووقتك في هذا الدور العقيم؟ أم هم من فقدت السيطرة عليهم؟
إن كنت تريد النجاح فيجب أن تربطه في ذهنك بما سوف يجلب لك ما تريد حقيقة وأن تعرف أن ما تركز كيانك فيه تحصل عليه... وهذا ينطبق على أي دور تريد أن تلعبه في طريق النجاح أو في طريق الفشل.... أمر يرجع إليك كلية وبالكامل. وفقك الله إلى ما فيه الصواب والخير.
* ويضيف الدكتور وائل أبو هندي، الأخ السائل أهلا وسهلا بك، وأشكرك على ثقتك في صفحتنا استشارات مجانين، ما أود إضافته فقط بعد الإجابة الشاملة للأخ الزميل الاستاذ علاء مرسي، هو أنني لا أدري من أين جاءني الشعور بالتشابه ما بينك وبين كثير من أنظمتنا العربية، تخيل أنهم يحبون لعب هذا الدور في المحافل الدولية، ومثلما تكذبُ أنت على حبيبتك، يكذبون هم على شعوبهم، تخيل أن هذا هو ما دار في خاطري، والغريب أنني رأيتك قابلاً للعلاج والتغير ربما بينما الحكومات العربية غير قابلة لذلك مع الأسف، ماذا أقول لك حاول أن تتبع ما نصحك به الزميل الاستاذ علاء مرسي، وتابعنا بأخبارك.