الطفلة المُرْهِـقَـةُ ، وأمها الحائرة!
تابع، تحية طيبة وبعد؛
في البداية أود أن أشكر اهتمامكم بمشكلتي والرد عليها بل وإعطائي النصائح الثمينة المتعلقة بابنتي،، وبارك الله فيكم وجزاكم خير جزاء على المجهود الكبير الذي تبذلونه من أجل الرد على جميع استفسارات السائلين.
وأخص بالشكر الدكتور الفاضل (الدكتور علاء مرسي) بارك الله فيه وجزاه خير جزاء كما أشكر الدكتور الفاضل الدكتور وائل أبو هندي لإعطائي فرصة لقراءة مشكلة مقاربة لمشكلة طفلتي وهي الأب الحنون المقيم في السعودية والتي تقارب مشكلته مشكلة صغيرتي ومن خلال قراءتي للحلول التي أشرتم إليها جعلت الصورة واضحة ووضعت النقاط على الحروف ولكم مني فائق الشكر والتقدير والعرفان،
أما أخي الدكتور الفاضل بسؤالك عن زوجي فأود أن أبين لك بأن عمله المكثف والدائم والذي يأخذ من وقته الكثير من الساعات المطولة حيث أنه يعمل بنظام دوامين من الساعة الثامنة صباحا حتى الثانية ظهراً ومن الساعة الرابعة حتى الساعة التاسعة ليلاً لا يعطيه الفرصة للجلوس مع ابنته الصغيرة وتجده في الإجازات وإن جلس معها يغرقها بدلاله ويأخذها معه إلى السوق لتختار ما يحلو لها من ثياب وألعاب وإلخ أما علاقتها في الرجال المقربين منها أمثال جديها من الطرفين وعمها وخالها فهي تحب أن تحظى بالدلال من عندهم وكثيرا ما تتثاقل عليهم باللعب والصراخ والسؤال المتكرر عن أشياء كثيرة.
أما حياتنا الشخصية أنا ووالدها فهي حياة تقريباً هادئة إلا أنها لا تخلو من المشاجرات والتي إن احتدت فهي تنتهي بسرعة ولا تترك في أنفسنا أي أثر كل تجاه الآخر لقد بدأت أشركها بالتعاون بتربية أختها ومساعدتي وأن أسند لها المسؤولية بأنها هي الكبيرة وأن أختها الصغيرة مسؤولة منها ويجب المحافظة عليها وبأنها عندما تكبر ستذهب برفقتها إلى المدرسة، كما وأني استمعت إلى رأيكم وأصبحت حازمة جدا معها وعندما أقول كلمة لا فهي تبقى على مكانها ولا تتبدل لكلمة نعم وفعلا هذا ما أحسست أن ابنتي ينقصها القليل من الحزم في بعض الأمور فمفعوله أقوى وأسرع من الضرب
أما بالنسبة لسؤالك عن سبب الاستهزاء والاستعباد والابتزاز من قبلها لي فربما لأنها كانت الطفلة الأولى لي ولم يكن لدي الخبرة الكافية بتربيتها، فقد شاركتني والدتي بتربيتها عوضا عن حنان والدتي الزائد والذي جعل لي بديل لها بوجود جدتها ودفاعها الدائم عنها وإن كانت على خطأ هذه أجوبة على استفساراتكم وأسئلتكم لي،
وفي الختام تمنياتي لكم بدوام الصحة والعافية ووفقكم الله.
أم حائرة
29/10/2003
رد المستشار
سيدتي الأم الحائرة، أعتقد أن حيرتك في طريقها إلى الزوال بعد مباحثاتنا وجهدك وشجاعتك في مواجهة الحقائق.
مازلت أنصحك باستشارة طبيب متخصص لتشخيص حالة ابنتك بدقة.. ولكن ما بدأته من حزم سيكون مفيدا ولا شك، أما عن علاقة زوجك بابنتكما فهي تؤكد ما أشرت إليه في الرد السابق من أنه لا يعطيها الاهتمام أو الوقت اللازم، والدليل على هذا أن الحصول على الحنان من جديها لا يكفيها.. فهي تريد هذا من والدها ولكنها تحصل على بديل رخيص له وهي اللعب والملابس من السوق... ابنتكما يا سيدتي لا تنقصها الملابس ولا اللعب وإنما ينقصها علاقة إنسانية حقيقية مع والدها.
من الممكن أن يحدث هذا بالرغم من عمل زوجك المتواصل.. فهناك ولو خمسة عشر دقيقة يوميا يمكنه أن يقضيها معها في الحوار... ليس المطلوب هو كثرة الوقت و لكن جودة التواصل... الدليل على رغبتها في الحوار هو أنها تسأل الرجال الآخرين أسئلة كثيرة ورغبتها في الحصول على الاهتمام الحواري تتضح في اللعب والصراخ وهي معهم.
المشاكل التي تحدث بينك وبين زوجك فيها أيضا هذا العامل من ناحيتك... افتقادك للوقت والتواصل مع زوجك يجعلك عكرة المزاج معه ويجعله يشعر بالضغط منك، فيضجر أحيانا ويكون حاد المزاج وينشب الشجار بينكما.... أنت وابنتك قد لا تكونا مختلفتان كثيرا في افتقادكما للعلاقة مع زوجك.
هل من الممكن التخلي عن بعض الأشياء المادية في سبيل الحب؟؟ هل من الممكن أن تتخلي أنت وتتخلى ابنتك وكل من يسكن معكم عن شيء من الماديات في سبيل العلاقات الصحية الحقيقية؟؟ لماذا لا نخفف عن زوجك؟ لماذا لا يعمل عدد أقل من الساعات في سبيل الأسرة؟؟ إنه يعمل في سبيل الإنفاق على الأسرة ويبقى غريبا وبعيدا عنها... أليس هناك نقطة اتزان في هذا؟؟؟
أما بالنسبة لوالدتك فللأسف كثيرا ما نخلط بين الحنان وبين إفساد الأطفال.. إذا أعطينا أي شخص كل شيء يطلبه حينما يطلبه، وإذا دافعنا عنه وهو مخطئ بحيث لا يدفع أبدا ثمن الخطأ أو يتعلم منه شيئا، فلن يقدر على التعامل مع الحياة الحقيقية بعد الاعتياد على هذا... الحب أو الحنان الحقيقي يا سيدتي وصفه الدكتور م. سكوت بيك في كتابه "الطريق المطروق قليلا" بقوله أنه:
إرادة بذل الجهد في سبيل تغذية أو إنماء النمو الروحي للنفس (المحب) وللآخر (المحبوب).
إفساد ابنتك بتدليلها هو بعيد كل البعد عن هذا التعريف للحب، وهو تعريف دقيق وصحيح، فمن البديهي أن أمنع الضر عن محبوبي وإن كان هذا سيغضبه مؤقتا في بعض الأحيان ولكن أن نعطي الصغار كل ما يريدون لأن "قلبنا مش جايبنا نرفض" أو لأن "مش هاين علينا" يجب أن ينتهي فورا لأنه رغبة أنانية في إشباع رغبة ذاتية على حساب مستقبل من نقول أننا نحبهم.
والرغبة الذاتية هي الرغبة في إحساسنا (أو أن يقال عنا) بأننا رقيقو القلب وحساسون، الأفضل هو أن نعاني قليلا (المحب والمحبوب معا) في سبيل مستقبل المحبوب ومستقبلنا مع المحبوب. إنك ووالدتك بلا شك سوف تمنعان ابنتك من أذى نفسها مهما زاد صراخها وثورتها وبكائها...
أتود والدتك أن تدعها تقذف بنفسها من النافذة لأنها تريد الطيران مثل سوبرمان أو سوبروومان؟؟؟؟ بالطبع سوف تمنعاها مهما كلفكما أو كلفها ذلك من ألم أو بكاء أو صراخ. و ما أقوله عن مستقبلها إذا استمر تدليلها بدون حساب هو بمثابة القفز من النافذة. يجب أن ندلل أطفالنا و يجب أيضا أن نعلمهم ضبط النفس وتأجيل المتعة... أليس هذا هو النضج؟؟؟
نحن يا سيدتي في العالم الإنساني وخصوصا في العالم العربي نتحدث كثيرا عن الحب والمشاعر ولكننا لا نفهم متطلبات ومسؤولية الحب ولا نمارس المشاعر الحقيقية في معظم الأحيان، ولكننا نحاول أن نمارس الحب مع أنفسنا بلا نضج في المشاعر وبالتالي نمارسه مع الآخرين أيضا بلا نضج في المشاعر، إن وظيفة الأم الحقيقية هي تعليم وإنشاء أناس يستطيعون الاعتماد على أنفسهم وحماية أنفسهم والاستقلال عنها لبناء حياة لأنفسهم... ولكن كثير من الأمهات يريدون أن يحتفظوا بأولادهم تحت أجنحتهم... وهذا ليس حبا على الإطلاق... على الأقل ليس حبا صحيا، و فقنا الله لما فيه الخير والصواب.