قلق أو رهاب اجتماعي
أنا طالب في كلية من أسرة متوسطة، عشرون عاماً، أحس أنّ عندي مشاكل نفسية كتير ونفسي أروح لدكتور نفسي لكن ظروفي الاقتصادية وثقافة المجتمع تمنعني من ده، وأتمنى لو حلتولي بعض مشاكلي. المهم أنا في طفولتي شفت مواقف كتير ومشاكل بين أبي وأمي، كانت كبيرة عليّ وحاسس أنّ المشاكل دي هي السبب في النّقص اللي حصل في شخصيتي، رغم أنهما ما انفصلوش وظروف اقتصادية برضه وعائلية صعبة.
المهم أنا في طفولتي كنت ناشىء نشئة دينية كويسة ومتفوق في مدرستي، بدأت تدريجياً مستواي ينهار دراسياً ودينياً لحد مجيت في الكلية ونزلت مرتين متتاليتين، وبقت أخلاقي وحشة وتعملي لحد ما في البيت كرهوني، وبقيت أنا ماشي وراء شهواتي وملذاتي بس ومش عارف ليه! ومن ضمن العوامل اللي أثّرت فيّ أن مفيش أي لغة حوار بيني وبين أهلي ومحدش بيسمعني ومشاكلي بواجهها لوحدي، وهما بيحبوني وكل حاجة وبيكون كل دورهم توفير الفلوس وأنا كل همّي حد يسمعني ويناقشني ويحس بي لأن أنا إنسان عاطفي جداً وبحب الحب، ودي أول مشكلة عندي: أن كل بنت بشوفها بحبها وأي بنت بتكلمني بحبها! وممكن أحب لدرجة فظيعة، لدرجة أنّي أصّدم. أنا حاسس أن ده لأني ملقتش الاهتمام ده في البيت، ويمكن ده لأني عمري مكلمت بنات ولا بعرف، ونفسي أتعرّف على بنات مش بعرف، فبحب وأصّدم ومش عارف أعمل إيه.
وتاني مشكلة -وهي مرتبطة بالمشكلة الأولى- أني معنديش ثقة في نفسي وبحس بالنقص مع ناس كتير، ويمكن ده بترجم معي لبعض الكبر والابتعاد عن الناس. والمشكلة الأكبر بقى في حياتي أني خجول اجتماعياً ومش بعرف أتعامل مع الناس ولا بعرف أكوّن علاقات ومعنديش حنكة اجتماعية، وده بيعمل لي مشاكل، يعني أنا مش بروح أي مناسبة اجتماعية لقرايبي علشان مش بعرف أجامل وأتكلم! ومش بيكون لي دور قيادي في الكلام أو الحوار.
وكمان بحاول أهرب من أي موقف اجتماعي فيه احتكاك مع الناس، وده بيكون هروب لا إرادي وغير مبرر عند الناس، وده بيخليني منعزل ومليش غير علاقات محدودة، وبيخلّي الناس تكرهني، وده كمان بيخلّيني (ادعى) أحسس نفسي أني بكره الناس علشان مرحوش ليهم أي مجاملة أو أودهم. ومقدرش أقول أنّ أنا منطوي، لأني أنا بحب أكون اجتماعي بس مش بعرف، يعني لمّا أكون قاعد مع واحد مش بعرف أفتح حوراً، ولما يتكلم مش بعرف أقول! أي تعبيراتي وإيماءاتي محدودة، ويعني مثلاً: بتجنب أشتري حاجة علشان متاكلمش الناس وكده. وأنا بعوض ده بأني بكوّن علاقات مع أصدقاء ارتبطت بهم جداً جداً، علاقات فردية وفي حدود اللي بيتفرض عليّ، ولمّا بتكلم مع واحد وأكون مرتاح معه بتكلم معه عادي دون أي حرج، بس المشكلة في الناس اللي مليش معاها كلام أو علاقتي بهم محدودة.
أنا نفسي أبقى اجتماعي وأتكلم مع الناس وأعرف ده وده ويكون لي في البيع والشراء. أنا بهرب من كل المواقف ومش عارف لحد متى ههرب، وبعض المواقف بروحها على مضض وببقى حاسس أنّي مش زي باقي الناس، ومخدش مواقف دفاعية من الناس زعل منهم علشان أبرر لنفسي الابتعاد عنهم، وده وصّلني لدرجة أني مهمّش من الناس جداً ومن القرايب، وده على العكس لمّا بكون مع أصحابي بكون في منتهى الانطلاق والسعادة وأتحدى أي موقف. أرجوكم دلّوني أعمل إيه في المشكلة دي، أنا حاسس أنها مش هتتحل لأن ده جزء من شخصيتي.
وأرجوكم دلّوني أحل المشكلة دي إزّاي وأعمل إيه؟ وحلّوا لي الموضوع في ضوء اللي حكيتوه لكم، وأنا عارف إنّي طوّلت عليكم، بس أنا آسف. وأنا عندي موضوعات تاني إن شاء الله أقولها لكم المرات اللي جاية لو ده ميزعجكمش، وأرجوكم حاولوا تردوا عليّ في أقرب وقت.
09/11/2007
رد المستشار
الابن العزيز "كرم"؛
تحية طيبة وأهلا ومرحبا بك على مجانين، ما تعاني منه هو رهاب أو قلق اجتماعي وأهم أسبابه هو مشاكل وأخطاء في التربية والتنشئة، فعندما تقوم الأسرة بتوجيه اللوم المستمر للابن، ولا تسمح له بالتعبير عن نفسه؛ يصبح الابن قلقا من كل محاولة للتواصل مع الآخر، ويفترض أنه سيفشل إن حاول إجراء حوار معه، وغالبا ما يكون لدى الوالدين نفس المشكلة، فهما يجدان صعوبة في التحدث أمام الآخرين، ويحسبان حسابا كبيرا لكل كلمة يتلفظان بها، وهذا السلوك بالتبعية ينتقل لمعظم أبناء الأسرة.
ينشأ غالبا عن القلق الاجتماعي العزلة الاختيارية عن الناس، والابتعاد عن الاختلاط بهم، لأن الشخص المصاب بالقلق الاجتماعي يتوقع الرفض من الناس إذا حاول وخالطهم، وغالبا ما يكون ذلك وهما وليس حقيقة على الإطلاق، فالبشر بطبيعتهم اجتماعيون ويرغبون فيمن يختلط بهم وبالذات في المناسبات مثل التهنئة أو العزاء أو عرض المساعدة عند الشدة، وهكذا يفرض من لديه رهابا أو قلقا اجتماعيا على نفسه سدودا وحواجز تحول بينه وبين التواصل مع الآخرين؛ وعندئذ يظنه من حوله متكبراً أو متغطرساً يرى نفسه فوق مستوى البشر، رغم أنه في نفسه يود ويتمنى في نفسه أن يمد جسور الود والمحبة والتعاطف مع من حوله ولكنه في الوقت نفسه يخشى الرفض وعدم القبول من الآخرين، وهكذا تظل دائرة الرهاب أو الخوف الاجتماعي مغلقة على صاحبها.
الابن العزيز "كرم"؛
- لكي تخرج من مشكلتك عليك أن تبدأ الحوار والكلام مع من حولك من الناس ولو بكلمات قليلة وبسيطة، وثق أن معظم من حولك يسرهم أن تفاتحهم ولو بالتحية أو السؤال عن صحتهم وصحة أبنائهم.
- تجنب السؤال عن خصوصيات الناس وما يحاولون إخفاءه عن الآخرين، وتذكر أن لكل منا أسرار يكره أن يطلع الآخرون عليها.
- شارك الآخرين في مناسباتهم كالأعياد وواجبات التعزية والمناسبات السارة كالزواج و النجاح أو ولادة مولود جديد وغيرهم من المناسبات.
- قد تحتاج في البداية لأحد الأدوية المضادة للقلق والاكتئاب كي تجد في نفسك القدرة على بداية الحوار مع الآخرين، مثل "بروزاك" أو "فافيرين"، وهذا بالطبع يحتاج لذهابك إلى طبيب نفسي حتى يشرف على جرعات تلك الأدوية، وكذلك يشجعك على التداخل وإدارة الحوار مع من حولك.
- ثق دائما بأنك مثل من حولك بل أنك قد تتفوق عليهم في بعض الإمكانات التي لا يمتلكون مثلها.
- حاول أن تدير الحوار مع نفسك في المنزل أولا، أو مع أحد المقربين إليك قبل أن تتحاور مع من ترغب ممن حولك.
واقرأ على مجانين الاستشارات والأبواب التالية:
رهاب الإناث وعقدة الجنس، المطرقة والسندان
رهاب الجنس الآخر: يخاف من الإناث
رهاب الإناث: الداء والدواء
الثقة بالنفس تكتسب لا تورث
انعدام الثقة بالنفس مشكلتي
أدعو الله عز وجل -من صميم قلبي- بشفائك العاجل من أعراض قلقك الاجتماعي وبهدايتك إلى كل خير ورشد، ووافينا بأخبارك.