السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أنا طبيبة امتياز، استلمت في بداية تشرين الثاني/ نوفمبر2009 في إحدى المستشفيات القريبة من منزلي، لكن للأسف العمل فيه حالياً سيء جداً بسبب قلة عدد المرضى، حيث أن العدد والأدوات سرقت من فترة قريبة ولم أكن أعلم بذلك حين اخترت أن استلم امتيازي هناك!.
لقد كان اختياري بناءً على ترددي على المكان كثيراً قبل التخرج، ورأيت حجم العمل وعدد الحالات الهائل، فأدركت حجم الاستفادة العائدة عليّ لو عملت بالمكان في سنة الامتياز.
المهم... الوضع الحالي طبعاً صعب جداً مع قلة الشغل، وحاولت كثيراً أن أتدرب في عيادة طبيب لكن لم يقبلني أحد، طبعاً لأن لا أحد يعرفني وليس لدي واسطة!... حتى العيادات الشعبية رفضت طلبي!.. قبل سنتين قال لي طبيب مرة أنه سعلمني ويدربني عنده لو وافقت أن أمسح له العيادة قبل دخوله إليها، فرفضت عرضه يومها ليرد عليّ أنه يعلم ذلك مسبقاً!.
قبل بضعة أيام كلمنا طبيب في المسشفى عن أن من يريد أن يتعلم الجراحة مثلاً ليس عيباً أن يمسح غرفة العمليات في البداية! فتذكرت كلام ذلك الطبيب منذ سنتين وبدأت أفكر فيه ثانية.
أنا عملية جداً وأحب العمل جداً جداً، لكني خائفة من قبول القيام بأشياء من هذا القبيل فأندم بعدها! أنا محتارة جداً جداً!.
29/11/2009
رد المستشار
كلنا مررنا بهذه المرحلة التي تمرين بها، من الروتين أن نجد فرصة للتعلم في أحد العيادات الخاصة، وإن كانت فكرة جيدة لو توفرت، كما أنها قد تتوفر للبعض، وبالتأكيد يكون لتلك التجربة شروطها التي يجب توافرها، ومن أهمها ألا يكون ذلك على حساب المريض نفسه، فنحن لن نتعلم من تجربة علاجنا في هذه المرحلة على المريض، ولكن ما نتعلمه حقيقة هو أولاً كيفية احترام المريض، وخصوصياته، وأسراره، ثم كيفية التعامل الأمثل معه، وكيفية الحصول على المعلومات المهمة في التشخيص والعلاج، ثم التعرف على المشاكل المتوقعة من المضاعفات أو العلاج، أو ما يجد من جديد في حالة المريض.
وكل هذه الأمور نقوم أولاً بتدارسها أثناء الكلية من الناحية النظرية والتي تخللها بعض الدروس العملية وهي ربما غير كافية للممارسة لكنها بالتأكيد كافية للاستفادة من التواجد مع أحد الأطباء الأكثر خبرة، ومن هنا كانت أهمية مرحلة الامتياز التي تؤهلنا بشكل تدريجي للعمل بمفردنا لو أحسنا استغلالها.
وأعتقد أننا كان من الممكن أن نستأذن في الحضور والتواجد غير الرسمي أحياناً في بعض المؤسسات التعليمية ومستشفيات الجامعة أو ما شابهها، بشرط عدم الإخلال بالنظام العام لتلك المؤسسة، وبعد الحصول على تصريح قد يكون غير رسمي ولكنه مقبول.
والحياة العملية للطبيب يا بينيتي يمكن أن تبدأ في أي لحظة بمجرد الاجتهاد في الحصول على المعلومات النظرية ثم محاولة تطبيقها بإخلاص مع الاستعانة بمن هو أسبق في الخبرة بمجرد الأسئلة أو الملاحظة، فتتراكم الخبرات ويدعمها الحرص على تحسين المعلومات والاستفادة من التجارب بشكل دائم، خصوصاً أننا نبدأ حياتنا بممارسة الطب العام والذي يكون فيه تطبيق ما تعلمناه من معلومات نظرية كافٍ إلى حد ما لتغطية ما يحتاجه أغلب المرضى، مع إمكانية تحويل الحالات في أي وقت على من هو أكثر خبرة أم تخصصاً.
ومن الطبيعي بعد ذلك أن نختار من التخصص ما يناسب إمكانيتنا وقدراتنا، وأيضاً معلوماتنا وميولنا، ويكون الاختيار هو محصلة ذلك كله، وليس فقط ما نتمناه أو ما نحلم به.
وأنا أفهم يا بنيتي أن نتحمل أن نقف صامتين لكي نتعلم، أو أن نحترم رأي من هم أكثر خبرة حتى لو رأينا أن ما نعلمه من علم نظري يخالف ذلك، فللخبرة تفسيرها وتطبيقاتها، وألا نتخيل في أنفسنا أن نكون قد أصبحنا أصحاب رأي قابل للتطبيق في هذه المرحلة.
كما يمكنني أن أتخيل قبول بعض الأمور مثل الاكتفاء بمقابلة المريض، أو بالحصول على التاريخ المرضي وتقديمه لمن هو أكثر خبرة، أو الاكتفاء بقياس الضغط أو النبض أو الحرارة، أو إعطاء الحقن، أو التغيير على الجروح مقابل الحضور مع من هو أكثر من خبرة... فللعلم احترامه وتقديره، كما أن تلك الأمور أيضاً فيها من الفائدة الكثير.
ولكنني لا أفهم، كما أنني لا أقبل أن يكون هناك مثل ما ذكرته من شروط، فذلك أصلاً لا ينتمي إلى العلم، ولن يكون منهج العلماء الحقيقيين، وإنما يدل على نقص في الأخلاق وسوء في الأدب، مما يستوجب البعد عنه، وعم التعلم منه حتى ولو كان لديه بعض العلم، وكما ذكر في الأثر من قول علي رضي الله عنه (اطلبوا حوائجكم بعزة الأنفس)، ولذلك فإننا نجد الجملة المشهورة التي يكررها (الشحاذ) الذي يعي المعنى الحقيقي للعطاء "أعطني مما أعطاك الله... وليس أعطني مما لديك".
أسال الله لك الخير والصلاح وأن يسخر لك من يساعدك بعونه وكرمه.
ولك مني كل التحية والتقديــر يا دكتورة.