أرجوك ساعدني دكتور
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته؛
أما بعد: في عام 1995 بينما كنت مع بعض الأصدقاء في غابة استمتعنا بعض الوقت ورجعت إلى المنزل وفجأة أصبتُ بقلق شديد دون أي شيء يذكر، وقبل كنت أنا الذي أبسط الإخوان، ومن ذلك الحين بدأت رحلة العذاب. بقيت في المنزل قرابة ثلاثة أشهر أنام طول النهار والليل. أهملت عملي وكنت خائف من الخروج. وبدأت في رحلة عذاب... أزور الأطباء وأقوم بتحاليل حتى أجمع الأطباء كلهم أنني في حالة لا تستدعي القلق.
انتقلت بعدها إلى العاصمة بعد محاولات للخروج من المنزل -وصلت إلى العاصمة- ولم يحدث لي مكروه والحمد لله بعد أن كنت في خوف أن يصيبني شيء.
زرت طبيب نفساني وشخص حالتي وأعطاني دواء سولبيريد sulpiride بكميات كبيرة 06 أقراص في اليوم، وتحسنت حالتي بعد 10 أيام، وكنت أخرج من المنزل بمفردي وأجوب في شوارع العاصمة دون خوف.
عدت إلى بلدي وعدت للعمل والحمد لله تحسنت حالتي، كانت تزورني تلك الحالة لكن بأخف من الأولى، وكنت أتشجع وأقول في نفسي (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) وفي عام2010 أي في شهر رمضان عادت لي تلك الحالة وصمت شهر رمضان كله، ولكن دون الخروج من المنزل -بقيت شهرا كاملا حبيس الدار- وبعد رمضان عدت للعمل ولكن بمعنويات منحطة، كنت أخاف من المرض وخائف من أن أفقد وظيفتي، وكما تعلم سيدي أن الوظيفة في الدول العربية ليس بالشيء البسيط. وهذه الأيام تعاودني الحالة (كنت آخذ دواء الأنفرانيل ولكن غير منتظم وتخليت عنه) والآن أعيش في دوامة!
أرجوك أرجوك أرجوك دكتور ساعدني لعل الله يأتي بالشفاء على يديك الحالة التي تصيبني هي:
* قلق رهيب أمر به
* الخوف من المجهول
* الخوف من الموت في أي لحظة
* أبكي بكاءا شديدا لأتفه الأسباب
* أخشى من عذاب الله يوم القيامة
* قلبي يتأثر كثيرا لأتفه الأسباب.
سيدي الدكتور أنا أعلم أن وقتك عزيز وغالي دعني آخذ منه قليل لعل الله يجازيك بالأجر إن شاء الله أنا في انتظار ردك تحياتي الخالصة
وأطلب من الله لك السلامة شكرا جزيلا.
06/02/2011
رد المستشار
الأخ السائل المحترم، أهلا وسهلا بك وشكرًا على ثقتك في صفحتنا استشارات مجانين، بعد مراجعتي لرسالتك يمكن تفسير ما تشكو منه على أنه اضطراب نفسي يدعى اضطراب الهلع.
وقد ظهر مصطلح اضطراب الهلع ونوبات الهلع في مراجع الطب النفسي الحديث مؤخراً لوصف حاله مرضية غامضة تصيب نسبة كبيرة من الناس من مختلف الأعمار، فقد أصابت بعض الجنود أثناء الحرب الأهلية الأمريكية كما وصفها الطبيب "داكوستا"، وسيجموند فرويد (1856-1936) وهي حالة تتميز بتفاعل القلق والخوف مع سرعة ضربات القلب وسرعة التنفس وضيق الصدر وتكون مصحوبة بحالة أخرى يطلق عليها فوبيا الأماكن العامة.
وهذا الاضطراب النفسي يصيب السيدات غالباً عند التواجد خارج المنازل في الأسواق أو الأماكن العامة. وتقدر نسبة الإصابة بنوبات الهلع بعد أن تزايد انتشارها مؤخراً بحوالي 12% من الناس من مختلف الأعمار، ويعني ذلك وجود ملايين المرضى الذين يعاني معظمهم في صمت ولا يدركون أن المشكلة تتمثل في الإصابة باضطراب نفسي قابل للعلاج، وتحدث في النساء بنسبة تصل إلى ضعف نسبة الرجال، ورغم أن الحالة قد تصيب صغار السن من الأطفال والمراهقين والشباب، وكذلك كبار السن، إلا أن أعلى معدلات حدوثها في سن 25 عاما، ويتفاوت تكرار هذه النوبات من شخص إلى آخر، فبينما تحدث في بعض الناس عدة مرات في اليوم الواحد فإن نسبه أخرى قد تحدث لديهم للنوبات عدد قليل من المرات كل عام، وتسبب هذه الحالات آثار متفاوتة قد تصل إلى حد الإعاقة الكاملة لبعض الناس فلا يمكنهم القيام بأعمالهم أو واجباتهم الأسرية والاجتماعية، وقد تمنع الإصابة للشخص من الخروج من بيته.
ومن الأسباب المحتملة لحالات الهلع:
(1) العوامل النفسية مثل الضغوط والصدمات ومواقف الحياة الأليمة التي يؤدي التعرض لها إلى حدوث نوبات الهلع، وقد ثبت أن نسبه كبيرة من المرضى الذين يعانون من نوبات الهلع لديهم تاريخ مرضي سابق لبعض الصعوبات النفسية التي تتمثل في صدمات أو مواقف خوف ورعب تعرضوا لها في مراحل العمر السابقة خصوصاً في فترة الطفولة.
(2) العوامل البيولوجية تؤثر على وظائف الجهاز العصبي وكيمياء المخ بما يؤدي في النهاية إلى حدوث هذه النوبات، وقد تبين أن الجهاز العصبي اللاإرادي الذي ينظم بعض وظائف أجهزة الجسم الأخرى (مثل الجهاز الدوري والتنفسي والهضمي والبولي والتناسلي) يكون في حالة نشاط زائد مع نوبات الهلع، كما تبين أن كيمياء المخ تتغير بصورة ملحوظة في مرض اضطراب الهلع خصوصاً فيما يتعلق ببعض الناقلات العصبية مثل النورادرينالين والسيروتينين والجابا والتى لها علاقة مباشرة بنوبات الهلع، وتغيرات في الجهاز العصبي تم الكشف عنها عن طريق الفحص بالأشعة المغناطيسية، كما أجريت تجارب بحقن بعض المواد مثل لاكتات الصوديوم أو اليوهمبين مما أدى إلى حدوث نوبات هلع مصطنعة في الأشخاص الذين لديهم استعداد الإصابة بهذه الحالة.
ويصف المرضى نوبات الهلع بصورة تثير التعاطف معهم رغم أن المحيطين بهم لا يشعرون بمشكلتهم ومعاناتهم مع هذه الحالة حيث يبدو المريض طبيعياً إلى حد كبير مابين النوبات، وتحدث النوبة فجأة وبصورة تلقائية في أي مكان، وتتصاعد حدة الأعراض لتصل إلى ذروتها خلال 10 دقائق، ورغم أن النوبة لا تستمر سوى 20 – 30 دقيقة في المتوسط ولا تزيد مدتها عن ساعة فإن هذه الدقائق تمر على المريض كأنها الدهر، وتظهر النوبة كما يلي:
- شعور هائل بالخوف والرعب دون أن يعرف المريض مصدراً لهذا الخوف.
- يصاحب ذلك خفقان وسرعة وعنف في ضربات القلب لدرجة تجعل الشخص يعتقد أنه أصيب بنوبة قلبية حادة.
- يتصبب العرق وتحدث رعدة في كل الجسم.
- يصاب المريض بالغثيان والدوخة وآلام في الصدر وتثمل في الجسم والأطراف ويصاب ذلك شعور بعدم الاتزان.
- ينتاب المريض إحساس بالاختناق وسحب الروح وشعور هائل بالخوف من احتمال الموت.
- صعوبة بالغة في الكلام واضطراب في الذاكرة، ويتحرك الشخص من مكانه بحثاً عن مخرج من حالة الهلع، وقد يقع مغشياً عليه أثناء النوبة في نسبه 20% من الحالات.
ويسأل الأطباء مرضاهم عن ملابسات وظروف حدوث النوبات وارتباطها بالإثارة أو الإجهاد أو التوتر النفسي، وكذلك عن عاداتهم فيما يتعلق بالتدخين وتناول القهوة واضطرابات النوم، والوسط المحيط بهم في المنزل أو العمل، ولكن المؤكد أن حياة هؤلاء الأشخاص تأثر بصورة بالغة من حيث علاقتهم في الزواج أو الأسرة وانتظامهم في العمل كما أن نسبه تزيد عن 50% منهم يصابون بالاكتئاب.
وتكون النوبات متكررة تتميز بالقلق الشديد (الهلع) ولا تقتصر على أو ترتبط بـموقف خاص أو مجموعة من الظروف، وبالتالي لا يمكن التنبؤ بحدوثها، وأما ما يشعر به الفرد أثناءها من تغيرات في جسده. فهو بالضبط كتغيرات الجسد في حالة الخوف وبالضبط كتغيرات الجسد في حالة الغضب. لكن المرعب والمسبب للهلع هو حدوثُ النوبة دون أي من تلك الأسباب التي يفهمها الشخص ويستوعبها؛
وأريدك أن تخلص من هذا الكلام إلى نقطتين الأولى: أن التغيرات الجسدية التي تطرأ على الجسد أثناء نوبة الهلع ليست أكثر من تغيراته أثناء الجري، أي أنها ليست خطيرة ولا تدل على مرض، وأما النقطة الثانية: فهي أن التفسير الذي نعطيه نحن لأنفسنا لما يطرأ على أجسادنا من تغير هو الفيصل في الأمر، فبينما يرجع الإنسانُ الأمر إلى تغيرات طبيعية لأنه بذل مجهودًا في حالة الجري فهو في هذه الحالة لا يصاب بالقلق لأن الأمر بالنسبة له يبدو مفسرا، وأما في حالة نوبة الهلع التي تحدثُ من تلقاء نفسها فإن الشخص يفسرها (في غياب أي من الأسباب المعقولة بالنسبة له) على أنها دليلٌ على خطرٍ ما يتهددُ جسده.
رغم ما تسببه حالات الهلع من عبء كبير على المصابين بها فإن الأمل في العلاج والشفاء يتزايد مع كشف غموض هذه الحالات، والتوصل إلى معرفة الكثير عن أسبابها وطرق تشخيصها وأساليب التعامل معها، ومن المهم التركيز على أن هذه الحالات لا تمثل مرضاً عضوياً، ولا يجب اللجوء إلى الأطباء من مختلف التخصصات وإجراء الكثير من الفحوص المعملية والخطوات غير الضرورية التي تهدد الكثير من طاقة المريض وجهده في البحث عن مرض بالقلب أو الجهاز التنفسي أو الجهاز العصبي، ومطلوب من المرضى وأقاربهم التمسك بالهدوء في مواجهة هذه الحالات والتخلي عن المخاوف والأوهام التي تصور أنها مقدمة لمرض عضوي أو عقلي خطير، فالأمر ليس كذلك، ولا داعي لكل هذا القلق.
ويسير علاج حالات الهلع في عدة اتجاهات أهمها العلاج بالأدوية النفسية مثل المهدئات والعقاقير المضادة للاكتئاب، وقد ظهر جيل جديد من الأدوية التي تؤثر في تركيز مادة السيروتونين يؤدي إلى نتائج إيجابية سريعة عند استخدامه، لكن الصبر مطلوب لحدوث استجابة جيدة حيث يتطلب ذلك 8 – 12 أسبوعاً حتى تتوقف النوبات، وهنا يجب الاستمرار لمدة كافية (من 8-12 شهراً) مع العلاج حتى يتحقق التحسن ولضمان عدم عودة الأعراض لهذه الحالة المزمنة حيث يحدث ذلك في نسبة 60% من الحالات بعد التحسن، ويتم العلاج الدوائي تحت إشراف الطب النفسي لاختيار الأدوية المناسبة بأقل آثار جانبية ممكنة.
ومن أساليب العلاج الأخرى استخدام الوسائل النفسية عن طريق جلسات العلاج السلوكي والمعرفي وكذلك العلاج النفسي الفردي والجماعي للمريض وأسرته، واستخدام وسائل التدريب على الاسترخاء والتعرض لبعض المواقف للتغلب على الأعراض وما تسببه من صعوبات أسرية واجتماعية، وقد يتم استخدام كل الأساليب العلاجية الدوائية والنفسي في نفس الوقت لتحقيق تحسن سريع ومنع كل المضاعفات المحتملة.
ولا شك أن قراءة القرآن والرقية الشرعية مفيدة جدًّا، ونحن دائمًا ننصح بالعلاج المتكامل، بمعنى أن الإنسان يجب أن يرقي نفسه، وعلى الإنسان أن يقوي من إيمانه وأن يلتزم بالعبادات بصورةٍ صحيحة، هذه كلها -إن شاء الله– حوافز ومقويات كبيرة، وبجانب هذا وتناول الدواء عليك أيضًا أن تفكر تفكيرًا إيجابيًا، فأنت الحمد لله لديك الكثير من الخير والنعم والإنجازات في حياتك، هذا دائمًا اجعله في انتباهك ومحط تفكيرك، لأنه يحفز تحفيزًا إيجابيًا. حاول ألا تترك أي مجال للأفكار السلبية حتى تُسيطر عليك، أنصحك أيضًا بممارسة الرياضة خاصة رياضة المشي سوف تكون مفيدة جدًّا لك من الناحية الجسدية ومن الناحية النفسية.
وأخيرا أخي الفاضل:
ليس هناك داعي للتشاؤم فأنت بشير... وأنصحك بالانتظام على العلاج بعد ما تفهمت بعضا عن حالتك ومعاناتك فأرجوا متابعة طبيبك ودوائك وبعض الإرشادات التي نوهت عليها بصفة منتظمة حتى يتم شفاؤك ومعافاتك....... ولك منى خالص الدعاء بالشفاء وأرسل لنا للاطمئنان عليك.