الخفيف والمخيف: أشعر بالذنب، وأخشى الفضيحة
السلام عليكم ورحمة الله؛
أحب أن أشكركم على موقعكم الرائع والذي استفدت منه كثيراً، لا أدري من أين أبدأ ، وإلى أين أنتهي، فقصتي طويلة وأرجو منكم المعذرة. كنت فتاة ملتزمة بديني وكنت محافظة جداً على قيام الليل والدعاء والإلحاح بالدعاء في كل وقت خاصة أوقات الإجابة، مع العلم أنني لست موظفة، وأغلب وقتي أقضيه بالبيت ولدي وقت فراغ كبير جداً غالباً ما أقضيه أمام التلفاز أو النت إلى أن جاء ذلك اليوم والذي دخلت فيه غرفة محادثة (شات) وتعرفت على شاب وتطورت العلاقة فيما بيننا حتى وصلت إلى الخروج معه، وتدنى مستواي الديني وصار ذلك الشاب هو محور حياتي.
ولا أخفي عليكم أنه في البداية وعدني بالزواج حتى أنه بدأ يرسم لي من خلال كلامه حياتنا معاً، وقد جذبني كثيراً حبه وكلامه وأسلوبه. لا أستطيع أن أصف لكم كيف كان كلامه لي فهو خيال كله حب ورقة وحنان. إلى أن جاء ذاك اليوم الذي اكتشفت فيه أنه متزوج ولم يمض على زواجه غير سنتين فقط، وليس لديه أولاد.
عندما عرفت ذلك عاتبته كثيراً وحاولت الابتعاد عنه لكنه بكى وتأسف لي وحاول معي كثيراً حتى لا أبتعد عنه لكنني ابتعدت عنه وكسرت شريحة جوالي، وبعدها رجعت إلي الله وتبت إليه واستغفرته مع العلم أنني خلال تلك الفترة التي كنت معه فيها كان ضميري يؤنبني كثيراً على ما أفعله ومعصيتي لربي وخوفي على أهلي من الفضيحة، أما هو فقد بدأ يرسل لي الرسائل عبر البريد الإلكتروني يعاتبني بها ويرسل رسائل حب واشتياق حتى أنني رجعت إليه بعد ثلاثة أشهر من ابتعادي عنه، ووجدته قد تغير كثيراً عما عرفته في السابق ففي أول معرفتي به كان كلامه يبدو متحمسا وأشعر منه بأنه يكنّ لي فعلا حباً كبيراً وكانت طريقته في التعامل كمن كان فاقداً لشيء ثم وجده ففرح جداً بلقائه، وكان يحكي لي عن مشاكله مع أهله وعن حياته وأسراره وعن كل شيء، وكان يتكلم معي وكأنه طفل صغير يكلم أمه.
ولكن بعد ابتعادي عنه ثلاثة أشهر ثم رجوعي إليه وجدته صار شخصاً آخر غير الذي عرفته فقد أصبح متحفظاً جداً، يتجنب الحديث عن أسراره والأمور الخاصة به، وتغير تماماً ولا أعرف السبب، لكن علاقتنا استمرت لمدة سنتين. وأنا خلال تلك الفترة كلها في صراع نفسي بين قلبي وعقلي وربي وأهلي، وأصبح ضميري يؤنبني بعد كل مكالمة لي معه وأستحي من الله عز وجل.
وكان عقلي يقول لي اتق الله وأن هذا الشخص كذاب، مع العلم أن كذبه علي اتضح لي في مواقف كثيرة، لكنني كنت كالمخدرة التي لا تشعر ولا تحس، لكن قلبي هو الذي أتعبني وأشقاني فهو يحبه بل ويحبه بجنون جعلني أغفر له كل أخطائه وكذبه، تعبت معه كثيراً وكنت أشعر بالذنب تجاه الله وأخاف الفضيحة ففي خلال السنوات الثلاثة حدث بيننا أشياء كثيرة جداً بين لقاءٍ وكلام وجنس خفيف.
التقيت به مرتان في شقة مفروشة ومرتان في السيارة، الذي حدث بيننا في الشقة كالذي يحصل بين الزوجين لكن على خفيف!!! وبعدها ندمت ندماً شديداً جداً وتبت إلى الله توبة قررت أن لا رجعة فيها وحاولت هذه المرة أن لا أعود إليه كما فعلت في المرة السابقة وقررت التوبة بعد لقائي معه بأربعة أيام فكسرت شريحة جوالي وحظرته من بريدي الإلكتروني وقررت أن أنساه تماماً وسبب ذلك هو أنني تقرفت جداً منه عندما رأيته آخر مرة فقد كانت رائحته سيئة جداً، هذا غير أن تعامله معي كان جافاً بعض الشيء مما أثار الحساسية في نفسي، وكان يريد أن يدخل ذكره بدبري وكان ذلك مؤلماً جداً فرفضت ذلك وغضب مني بعض الشيء حتى أنه طلب مني أن أعود إلي البيت كأنه ملّ مني وكانت طريقته في ذلك اليوم وأسلوبه مما أثار كراهيته في نفسي، لذا حسمت الأمر بيني وبين نفسي وقررت الابتعاد عنه حتى لو تعبت، وتبت ودعوت الله كثيراً ورجوته وبالفعل - ولله الحمد- منّ الله عليّ وكرهته بصدق، ولم أعد أحبه كما كنت أحبه سابقاً ، وقد مضى على تركي له شهران بالضبط ، لكنني أرجو منكم أن تحللوا لي لماذا كان في البداية طيباً وحنوناً ثم في النهاية بدأ يقسو علي؟
أحمد الله وأشكره أن منّ علي بكرهي له لكن الذي أتمناه وأن أجد حله لديكم هو أن تجيبوني كيف لي أن أنساه؟؟ فأنا أريد أن أمحوه من ذاكرتي وأريد أن أفتح صفحة جديدة مع نفسي وكأن شيئاً لم يكن. التفكير فيه عذبني، أتذكر كل شيء حصل بيني وبينه سواءاً كان جسدياً أو حديثاً لفظياً. هل يوجد حل لي أو تمرين أقوم به لكي أنساه؟ أريد أن أصبح كمن كان نائماً ثم استيقظ من نومه ولم يذكر شيئاً من حلمه.
أريد أن أدفن الماضي وأن أفتح لنفسي حياة جديدة. فهل يمكن ذلك؟؟؟ أرجوكم ساعدوني فليس لي بعد الله غيركم. مع العلم أنني حالياً أدرس دبلوم حاسب آلي وأحاول كثيراً أن أشغل نفسي بالدراسة، لكنني تعبت كثيراً من التفكير فيما حصل بيننا. فهل من سبيل لنسيان ذلك؟؟ كما توجد نقطة تحيرني من ناحيته ولا أعرف لها تفسيراً، فهل أجد لديكم من يفسرها لي، ذلك أنني أذكر أنه عندما كان يكلمني بالجوال كان كلامه يمتلئ بالشوق واللهفة والحب، حتى أنني كنت أشعر أنه يريد أن يخرج من الجوال ليحتضنني بقوة، أما عندما أقابله فيكون شخصاً آخر يمتلئ بالبرود والقسوة ولا أدري لماذا وما تفسير ذلك؟؟
أعتذر جداً عن الإطالة، وأرجو المعذرة منكم، ولكم مني ألف تحية، وأرجوكم رجاءاً خاصاً ألا تهملوا رسالتي فأنا في أمسّ الحاجة للنصيحة والإرشاد، أريد أن أنساه أرجوكم ساعدوني ولكم مني كل الحب والاحترام والشكر.
26/3/2010
رد المستشار
أهلا بك، ونرجو أن نكون عند حسن ظنك.
تحدثت أنت عن الجنس الخفيف، وأنا أتحدث بمناسبة رسالتك عن النمط المخيف!! وما أدراك ما النمط المخيف؟!
إنه نمط حياة ملايين الفتيات العربيات اللائي تشبه حياتهن حياتك:
لا زواج، ولا عمل، وأغلب الوقت في البيت، أمام الإنترنت والتفاز، في انتظار تحقق الأحلام المؤجلة والمتعلقة غالبا بالزواج، وقد تكون الطامة بزواج شائع مثل صاحبة مشكلة: منفتح التفكير: يستيقظ ليلاً وينام نهاراً...، والتي تعيش تعاسة يومية في جوار زوج هو من النوع الشائع والمنتشر من الشباب والرجال!!
ما يخيفني هو هذا الاستسلام الذي نبدو عليه لنمط ردئ من الحياة، أو ما يسميه المصريون:"الموت بالحياة" في عيش ملايين يستوي الكبش لديها مع الغزال.. كما يقول الشاعر، وتبدو في غيبوبة عن مراجعة هذا الموات، حيث يعتقد كل واحد أنه وحده يعاني ويتألم، أو يعتقد أن واقعه إنما هو قدره، ولا فكاك منه، وأن حياة هذه المجتمعات البائسة هو مصير مكتوب ومحتوم نتكيف معه، أو لا ينبغي أن نناقشه بغية تغييره!!
الأسهل هو أن نستسلم، وأغلبنا مستسلمون!!!
والمخيف في رسالتك هو أنك لم تستفيدي من الخبرة والتجربة!!
فقط تقرفت من صديقك هذا بسبب قسوته ورائحته، وتريدين محو التجربة كأن شيئا لم يكن، ولا تجدين أية مشكلة في نمط حياتك المخيف والشائع: فراغ وانتظار وأحلام مؤجلة، لا معنى للحياة، ولا هوايات، ولا اهتمامات تذكر، مع تقديري لمحاولاتك في أن تنشغلي بالدراسة عن التفكير فيما حصل لك معه!!!
المخيف أن نمط تفكيرك هو مثل النمط الشائع لدى الملايين منا حيث تسألين: كيف أتخلص من الذكريات؟! ولا تسألين: لماذا حصل ما حصل؟! وكيف لا يتكرر؟! وماذا أنا فاعلة لأحيا بشكل مختلف؟! أو لعلك سألت نفسك هكذا سؤال، وأجبت مثل الملايين إجابة بسيطة لا تحل شيئا نسميها نحن: البعد عن الله، وكأن البعد عن الله هو سبب كل مشكلاتنا، وليس نتيجة من نتائجها مثلا، أو دون توضيح معنى الابتعاد، وتعريف الاقتراب منه سبحانه!!
ولا أكتمك سرا أنني مندهش من التبسيط المخيف الذي نتعامل به من التدين والالتزام، فكم من فتاة راجعتني في عيادتي وقالت في ثنايا شكاواها: أشعر بالتقصير في حق الله، وأريد أن ألتزم أكثر، وأستفهم عن بنود عزمها لتنفيذ هذا الالتزام الأكثر، فتفاجئني بأنها تريد إراتداء ألوان قاتمة، أو عباءة فضفاضة، وأن تخصص من وقتها حيزا أكثر لقراءة الأذكار، والأوراد، والقرآن، وحضور دروس العلم، والوعظ، وحذف سماع الأغاني، ومشاهدة المسلسلات!!
ولاحظت وتلاحظين أن هذه البنود جميعا تتحرك في هامش محدود ومحدد، حيث لا أحد فيه مثلا، بينما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم الذي نزعم حبه: "خير الناس أنفعهم للناس"، وما انتشار نمط حياة راكد وبائس إلا نتيجة وحصاد لغياب كل جهودنا عن إصلاح حياتنا العامة بكل نواحيها، وما لم يكن لديك خطة لإصلاح حياتك الشخصية بحيث تكون لها مذاقات ومساحات ومعاني وأنشطة، وهو غير النمط السائد، حيث حياة الأغلبية بلا طعم ولا لون ولا رائحة، لأنه ما لم يتغير نمط حياتك ـ الذي أراه مخيفاـ فإنك ستكونين عرضة للمزيد من التجارب، والخبرات المؤلمة!!
ببساطة لأنك ـ وهذا طبيعي ـ تبحثين عن الحب، ولك رغبات، واحتياجات عاطفية وجنسية في مجتمعات يقوم نمطها الشائع على انتظار الفرج لا إصلاح الخلل!! ولا يفكر أحد في احتياجات الملايين! فما هي خطتك على الأقل لاستثمار وقت الانتظار فيما يجعل لحياتك معنى وطعم ودوافع تشعرين معها بكيانك ووجودك وإنجازات تفرحين بها، بدلا من أن تحصلي على هذه المشاعر والاحتياجات عبر علاقات مخيفة تتورط فيها أغلب البنات بدلا من الجنون أو الاكتئاب، أو ممارسة السحاق، أو مواصلة الانتظار، فإذا بهن يحصدن الإهانات والألم في مسارات بدأت بوعود الزواج، وأحلام السعادة؟!!
النمط السائد حاليا يقول بأنك ستعودين للانتظار بعد هذا الذي تقرفت من أسلوبه ورائحته، والأسهل أن تظل حياتك كما هي فتكونين عرضة لمغامرة جديدة، خطيرة ومخيفة، في مناخ من محدودية انعدام البدائل المتوازنة الإنسانية المشبعة للاحتياجات الأبسط، فما هي خطتك يا عزيزتي؟! هذا هو السؤال الأهم!!
وهو سؤال أطرحه على كل إنسان عربي، والمجال مفتوح للمقترحات، لعلنا نفيد ونستفيد.
قلبك الذي أحبه بجنون فعل ذلك لأنك لم تعرفي غيره، والنمط السائد في حياتنا يعتقد ببلاهة منقطعة النظير أن عزل المرأة عن الرجال يصونها ويحفظ عفتها، بينما واقع الأمر أنه يسلمها فريسة سهلة جاهزة لصياد مقرف مثل صديقك ذاك، ولكن الفريسة لم تعرف غيره، وهي حين تعود إلى المصيدة تفعل هذا بدافع من الظن أنه رجلها، وهي بذلت وابتذلت نفسها في مسار هكذا علاقة، ولكن يقول لها عقلها الباطن"ربما": من أين ستحصلين على الحب الذي تحتاجين؟؟ وهل ستتورطين في علاقة جديدة أم الأفضل، والأسهل أن تستمر المحاولات لعله ينصلح، وتعتدل الأمور؟!! وتبقى ملايين الفتيات رهن خليط من مشاعر الذنب، والخوف من الفضيحة، الرغبة المشتهاة، وألم الكبت الشائع، الأحلام الضاغطة، والخوف من المستقبل، بين مذاق اللمسة والقبلة والوصل والحنان، وتناقضات علاقة محرمة ومخيفة جدا في اختياراتها ومساراتها، والأكثر رعبا هو عدم وجود بدائل معقولة، أو متاحة، أو عقلانية في مجتمعات فقدت رشدها، وتتخبط في قبضة العشوائية والفوضى والاستسلام للتفكير اللاعقلاني السائد!
لا توجد أزرار، ولا عقاقير، ولا تمارين لنتخلص من خبراتنا، وإن كان مدربو البرمجة اللغوية العصبية يدعون أنهم يقومون بذلك!!
لكن أحدثك على قدر علمي، وما أطمئن إليه، وأعرفه.
أما تحولات صاحبك السابق هذا فيمكنك فهمها من خلال ما سبق لي، وتكلمت عنه، في مشكلات حديثة عن فهمنا الشائع الذي هو تصور يفصل الجنس عن الحب، وينظر إلى الجنس نظرة دونية، مقارنة بعواطف الحب، وتغيرات مواقف صاحبك السابق، أو مزاجه المتقلب، وطريقة تعامله معك، يمكن فهمها مرتبطة بحسن تعامله معك حين كان يراك حبيبة، ويعاملك هكذا، سواءا قبل اكتشافك عن زواجه، أو حين يحادثك على الجوال، وسوء تعامله معك حين يراك، أو يتصورك، أو يتعامل معك بوصفك خاطئة دينيا وموضوعا جنسيا!! والجنس في تصورنا الشائع يبدو موضوعا أقل احتراما!!
هو لطيف، وأنت بالنسبة له موضوع محبب طالما ارتبطت في لحظة ما عنده بالحب وعالمه، وأنت حقيرة، ودنيئة حين ترتبطين في لحظة أخرى عنده بالحرام وبالجنس وعالمه، وكما شرحت من قبل فإن عالم الحب في أذهان أغلبنا هو عالم البراءة والبقاء والسعادة، بينما عالم الجنس ليس كذلك، وتابعينا بأخبارك.