اكتئاب دوري أم مقابل وسواسي؟ متابعة وفرحة الشفاء
الخوف والمسؤولية عند واحدة مش طبيعية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
كتبت لكم مرتين من قبل لكن لا أذكر عناوين الاستشارات، المهم أني في آخر استشارة قلت أني تحسنت كثيرا وشفيت من حالة الاكتئاب، لكن الطبيبة أعطتني افكسور 150 وريميرون (وسيروكويل إن لزم الأمر) لمدة شهر لكنني لم أكمل الشهر وتوقفت تماما عن كل الأدوية وعانيت معاناة من أعراض سحب الإفكسور لم أعانيها حتى في أحلك أيام اكتئابي، لكني الآن بخير والحمد لله ولم أكن مخطئة حين قلت أني لا أحتاج لمضاعفة جرعة الافكسور لأني شفيت.
بعد ما أوقفت الدواء بفترة بدأت أعراض الثناقطبي تظهر علي، أيام أكون نشيطة وحبوبة وفي قمة الإبداع وأيام أكون خاملة ومكتئبة، لكن هذا لا يضايقني ولا يعرقل سير حياتي لأني أعرف كيف أتعامل مع الاكتئاب وأنجز أكبر قدر من الأعمال في أيام النشاط حتى لا أشعر بالفشل في أيام الاكتئاب، وبدأت بعض وساوس الطهارة تظهر أيضا لكني أتجاهلها تماماً، ولاحظت أني لما أخرج إلى أماكن مزدحمة أتعصب ولا أريد أن أشتري شيء فقط أريد العودة للمنزل، وربما أبكي ونحن في طريق العودة -(هذا حدث قبل العيد بأيام ربما كانت الزحمة فعلا شديدة وتصيب أي شخص طبيعي بالعصبية؟)-، لكن كل هذا ليس مشكلة بالنسبة لي فأنا اكتسبت خبرة والحمد لله من تجربة اكتئابي ومن الاستشارات هنا على الموقع، كيف أتعامل مع المرض، فقط أحببت أن أذكر لكم تاريخي المرضي في عجالة كتمهيد لاستشارتي الأساسية.
مشكلتي الآن هي الإحساس بالمسئولية عن كل الناس ومن ثم التقصير ثم اللوم والعتاب وهذا يدفعني للاكتئاب مرة أخرى، أحس بالمسئولية تجاه كل مسلم ومسلمة، أشعر بالذنب لأني لم أنصر إخواني في فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان والصومال وكل بلد فيها المسلم مضطهد، حتى من يعذبون في السجون، أنا في دائرة مفرغة أريد الخروج منها، تارة أقول لا أستطيع العيش كالبهائم وأغض طرفي عن المستضعفين فأشاهد الأخبار وأكتئب، ثم أحاول إخراج نفسي من الاكتئاب وأقول لا يكلف الله نفساً إلا وسعها وأتوقف عن مشاهدة الأخبار، ثم أرجع مرة أخرى وأشاهدها وهكذا.
أشعر أن دعائي لهم لا فائدة منه (لا لأن الله لا يستجيب للدعاء) ولكن لأن دعائي طالع من قلب موقن بأن الدعاء ليس وسيلة للنصرة, لم لا أنصرهم فعلياً؟ (لكن هيهات) أريد أن أخرج من هذه الدائرة، كيف أحقق المعادلة الصعبة؟ كيف أكون غير غافلة عن إخواني المسلمين وفي نفس الوقت لا أكتئب؟
ثاني مشكلة وهي الأهم، هذه آخر سنة لي في الكلية (طب أسنان) والعام الماضي لم أعالج إلا مريضة واحدة والطبيبة المشرفة هي التي قامت أصلا بنصف الشغل أنا أخاف من الخطأ وأنا أبحث عن مريض لأتدرب عليه أقول في نفسي "يارب لأ يا رب لأ" وأتظاهر أني أسعى حتى لا يلومني أحد إذا لم أنتهي من عدد الحالات المطلوب مني، أخاف إن عثرت على مريض أن أبوظ له أسنانه ويدعي علي ويشتمني وسط زملائي، دائما عندي إحساس أن الـ handpiece ستنزلق من على السنة وتجرح المريض، أو أنها ستخرج عن سيطرتي وتخترق السنة لتصل للعصب وتصيبه، عندي إحساس بالفشل وعدم الثقة بالنفس لأن زملائي معظمهم اشتغلوا العام الماضي وأنا لأ، هذا العام لابد من أن أشتغل وأخلص الحالات المطلوبة، ماذا أفعل في خوفي هذا؟ ولو فشلت مع مريض كيف أعذر نفسي؟ وعذراً على الإطالة؛
ملحوظة: أمارس الرياضة على العجلة الثابتة كل يوم لمدة 15 دقيقة كعلاج للثناقطبية وأنا مرتاحة هكذا ولا أريد أن أرجع للأدوية مرة أخرى
وجزاكم الله خير.
29/9/2011
رد المستشار
الأخت الفاضلة "د. هدى"، بعد التحية؛
أريد أن أذكرك أولا بردي عليك عندما تحسنت حالتك وعنوان المتابعة الماضية وتفصيلها ثم أبدأ ثانيا بالرد عليك:
أولا : عنوان المتابعة الماضية وتفصيلها: اكتئاب دوري أم مقابل وسواسي؟ متابعة وفرحة الشفاء
الأخت الفاضلة "هدى"؛
بعد السلام عليكم، كم أنا سعيد لأن الله القدير عافاك وبدأت بوضع قدميك على طريق الشفاء والسواء وذلك باتباع الآتي:
1- التداوي بالأسباب الموضوعية: بيولوجيا (بالدواء كما وصفه الطبيب) – معرفيا (بتبني طرق إدراكية أخرى مثل محاولة تغيير نظرتك السلبية إلى إيجابية كعدم تضخيم الذنوب ومحاولة تشتيت النظرة السوداوية الآنية والنظرة المتفائلة للمستقبل بثقتك أن الشفاء آتٍ بإذن الله مع بذل بعض المجهود.... إلخ) – سلوكيا (بوضع برنامج يومي بممارسة رياضة بسيطة ولمدة بسيطة أو مساعدتك لأمك في المطبخ أو الصلاة والصيام والقراءة ومشاهدة التلفزيون والجلوس في ضوء الشمس) – ودينيا (بتحسين علاقتك مع الله مع عدم اليأس).
2- الخروج من حدود الذات والالتصاق بها إلى الواقع الموضوعي الخارجي ويتلخص (بالعطاء لمن حولك كأمك أو الآخرين سواء من لا يعانون وذلك برسم البسمة على وجوههم أو من يعانون وذلك بفيض النصائح من خلال خبرتك الشخصية).
ولكن اعلمي أن الشفاء مسؤولية (وهي ضريبة السواء):
- فلا تجعلي من فرحك مثلا يحتذى به لكل الحالات والأحوال (فتصبحين كطفل أعطوا له آلة حادة فيقطع بها الرقاب بدلا من تقشير الفاكهة).
- ولا تتسرعي بالتصريح (كتبت إليكم من قبل في موقع مجانين وتم تشخيصي كاكتئاب ثنائي القطبية وتفاعلي وجسيم الثلاثة مع بعض لكن ما علينا المهم أني مكتئبة وأتعالج منذ 5 أشهر).... لأن تشخيص الداء هو البداية الصحيحة لوضع خطة العلاج فاعلمي أن لكل داء دواء ولا يوجد دواء واحد لكل داء. واعلمي أن حالتك ليست كغيرك فلكل حالة حال ولكل قول مقال.
- واحذري بالكلمات الإنشائية والتعبيرية مثل: (كلامي ملخبط وغير منظم بس أحب أقول لكل مكتئب ومكتئبة لازم تعملوا ثورة وتنتفضوا، كفاية ضعف واستسلام واكتئاب، كفاية اللي راح من حياتكم، كفاية دمار، فرحوا أهلكم والناس اللي بيحبوكم بشفائكم، أنت ربنا خلقك عشان يعطيك ميزة ليست لأحد غيرك, ميزة تستطيع مساعدة الآخرين بها, ابحث عنها ونمها وبلاش تخلي الاكتئاب يدفنها، أنتج واشتغل وأفد الناس وارسم ابتسامة على شفاهم، ما تخليش الاكتئاب يفسد اللي باقي من عمرك, قل له كفاية, اقض عليه، خذ قرارك بحزم واحسم امرك, عايز تخف ولا لأ؟)، فكما قلت لك أن هذا كلاما مثل حد السكين وكأنك لم تمري بخبرة الاكتئاب فهناك من الناس فعلا من لا يريدون الشفاء (لأسباب كثيرة) بل أن بعضهم يفضل الموت ولكن يلجأ إلى قتل نفسه (الانتحار) نفسيا وجسديا وذلك لفشله في إيجاد الطريق وفي هذه الحالات يحتاج إلى المساعدة برفق بدون كلمات رنانة للأخذ بيده.
وأما ما أدعوك إليه:
الاستمرار (فيما بدأت به) والإصرار (على عدم العودة إلى الخلف) والاستزادة (من رصيد العلم الديني على يد المشايخ والدنيوي على يد العلماء) والتفكر (قبل النصح -فهو قمة المسؤولية-) والإبداع (في رسم طريق جديد لك ولغيرك) والصبر (على تحمل آلام الولادة الجديدة والنضج).
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)، صدق الله العظيم سورة العصر
ثانيا الرد على تساؤلاتك ولو أنها تكمن في طيات ردي سالف الذكر:
1- بخصوص الدواء: فالدواء لا يقطع إلا بأمر الطبيب المعالج حيث أن له أسلوبا في طريقة التوقف عن تناوله وكذلك أقل مدة للمعالجة ستة أشهر وليس شهر. وكذلك فالذين يعانون من الاكتئاب الدوري قد يستمرون فترات طويلة في تناول الدواء وذلك لتأثير الدواء المناعي (الوقائي) من ارتداد (ارتكاس) المرض مرة أخرى. وأنا كمعالج لا أنصحك أن تنتظري أوقات نشاطك لإنجاز ما تريدينه ثم التوقف في أوقات اكتئابك ولكن أريد استمرار نشاطك بلا توقف (فخير الأعمال أدومها وإن قل).
2- أما عن مسؤوليتك عن أخواننا في الين فهي مسئولية للجميع وفعلا لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ولكن لا يمنعني ذلك من متابعة الأخبار لأعرف أحوال الناس ولا أغفل عن دوري طول الوقت. وما هو دورك؟ فكثير، من أول الدعاء مع اليقين أن الله سبحانه وتعالى إما أن يحقق الدعاء أو يبعد به مضرة أو يؤجله ليوم الحساب بما هو خير منه ولذا فلا تيأسي وواصلي الدعاء مع الظن الحسن بالاستجابة. ثم التفوق في دراستك والاهتمام بها فعسى يحتاجك المسلمون لخدمتهم خيرا من اللجوء لغيرك والذين لا يؤمنون بما تؤمنين به فلا يهتمون بمرضاهم ويسعون في إضعافهم. وكذلك الصدقة الجارية للمبتلين من المسلمين على قدر استطاعتك ولو باليسير وكل هذه الأشياء مواقف إيجابية بدلا من الهروب من المواجهة ومقابلة المشاكل بالعجز والإحباط.
3- بالنسبة للكلية والمهارات المطلوبة فالمواجهة ما زالت مطلوبة وأفضل حل للمشاكل مواجهتها ولا تنسي أنك ما زلت طالبة تحت التمرين فالخطأ مسموح به ولست خبيرة فتقعين في مسئولية الخطأ والمهم هو التدريب المستمر تحت إشراف المعيدين والمعلمين ولمواجهة الخوف والرهبة ممكن تشتتي انتباهك عن المريض بذكر الله المستمر أو ترديد بعض الكلمات أو القرآن وأنت تتعاملين مع المرضى فيختفي الإحساس بالخوف ومع تكرار ذلك تصبح سيطرتك على المواقف أفضل وتصبح الأشياء الصعبة سهلة وآلية لتكرار الخبرة.
4- كما وضحت لك قبلا فالدواء ضروري جدا جدا فهو بمثابة البلسم أو الترياق الذي ينظم بيولوجية المخ ويعيدها إلى وضعها الصحيح.
وأتمنى لك الرضا والسعادة في الدارين، ولك مني خاص الدعاء، وإلى اللقاء.
ويتبع>>>>>>: هدى والتشوه المعرفي م2