السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
جزاكم الله خيرًا، وجعل عملكم هذا في ميزان حسناتكم، وأسأل الله أن يجمعنا في الجنة إخوانا على سرر متقابلين.
مشكلتي تكمن في خيالي الجامح خاصة عندما أضع نفسي في الفراش حيث تبدأ الأفكار تتوارد إلى عقلي وتبدأ القصة:
أحيانا أتخيل أن معي مالا كثيرا فيتحرك الدماغ لنسج سيناريو ما بهذا الخصوص. أحيانا أخرى أتخيل أنني أقيم مركزا دعويا كبيرا يضم أشياء كثيرة تفيد الشباب. أحيانا ثالثة أتخيل أنني قد أصبحت رئيس بلدية، وأنني سوف أصنع كذا وكذا، وهكذا دواليك... سؤالي: هل هذا مرض نفسي؟ وهل يضر بحيوية التفكير لدي؟ وإن كان كذلك فكيف أستطيع أن أتخلص منه؟
المشكلة الثانية تكمن في عدم مقدرتي على التعبير عما يجول في صدري سواء أكان هذا في إعداد خطبة الجمعة التي أرتب لها أفكارًا طيبة، لكن يعجِز قلمي عن كتابتها، وتمتنع الأفكار والكلمات عن الخروج، وفي الامتحانات تكون الإجابة لدي لكن لا أستطيع أن أكتبها، وهلم جرا…
أرجو من حضراتكم أن تساعدوني مأجورين، بورك فيكم، وزادكم الله علما.
* تم نشر هذه الاستشارة سابقاً على صفحة مشاكل وحلول
16/1/2013
رد المستشار
الأخ العزيز؛
تطلب المشورة منا في أمرين: أولهما هو أحلام اليقظة، وثانيهما عدم القدرة على كتابة ما هو موجود في ذاكرتك على الورق.
أما أحلام اليقظة فهي نعمة من نعم الله على الإنسان يستطيع من خلالها أن يفرغ كثيرًا من معاناته النفسية، ويستطيع أن يطور مفاهيمه عن نفسه، ويستطيع أيضًا أن يتعلم منها أشياء كثيرة، منها على سبيل المثال كيفية التصرف في مواقف معينة لم يوضع فيها من قبل وكأنه يجرب نفسه أو يدربها.
كما أنها تحل للشخص الكثير من المشاكل النفسية التي قد تنجم عن أحداثه اليومية العادية، فمثلاً إذا كنت في موقف ما أصابك الإحراج أو الخوف من شخص آخر واستسلمت لقوله "رغم رفضك الداخلي له" أو حتى انسحبت من أمامه مبديًا اعتراضك كأبسط أنواع الاعتراض الخارجي، لكنك ما تزال تحس بالضيق والغضب، عند هذه النقطة كثيرًا ما يجمح خيالك في تخيل أنك وقفت له وقلت كذا وكذا وكذا، فتجد أنك مع تكرار المشهد المتخيل تحس بالراحة شيئًا فشيًا، أليست هذه نعمة؟
ألا يتخيل أحدنا بعد أن يوبخه مديره الظالم ويضطر هو كمرؤوس مغلوب على أمره للصمت، إذا أصبح وحده.. يتخيل الموقف مرة أخرى ولكنه في هذه المرة المتخيلة يرد عن نفسه ويقول ما أراد، ويشعر بعد ذلك بالراحة.
أحلام اليقظة هذه طبيعية وصحية، وأحلام اليقظة التي تتعلق بما نحبه ونتمناه ولا تصل أيدينا بعد إليه أيضًا أحلام يقظة صحية، وكل أحلام اليقظة أكاد أقول: كلها صحية وطبيعية، ولا تستهلك الطاقة الحيوية للتفكير، بل إنها تثريه وتزيده قدرة على الإبداع الفكري والسلوكي.
إذن متى تصبح أحلام اليقظة أحلامًا يحذر الطبيب النفسي منها؟ هذا هو السؤال الذي ينبغي، والإجابة عليه بسيطة جدًا.
فما دامت أحلام اليقظة في الحدود الطبيعية فلا بأس، ويقصد بالحدود الطبيعية ألا تطغى الفترات التي تستمر خلالها أحلام اليقظة على فعالياتك وأنشطتك وواجباتك اليومية كإنسان مسلم.
وما دامت الأحلام بالنسبة لك هي مجرد أحلام، أي أنها شيء مختلف عن الواقع، وأنت تدرك ذلك بجميع أبعاده، فلا تتخيل مثلاً أن الفتاة التي تخيلت أنك تزوجتها أثناء أحلام اليقظة قد أصبحت بالفعل زوجتك أو أنها تحس بأنك تتخيلها هكذا، أو بطريقة أبسط: بعدما تقضي ساعة في تخيلك أنك رئيس البلدية لا تقوم مثلاً بالذهاب إلى مجلس المدينة للوقوف على أحوال موظفيك! أي ما دمت تعرف أن الحلم حلم ومختلف عن الحقيقة التي تعيشها مع الآخرين، أي عن الواقع، فهذه أحلام يقظة طبيعية.
وأما الأمر الثاني فمحير بعض الشيء، فعدم القدرة على كتابة ما هو موجود في ذاكرتك على الورق شكوى تستدعي التأمل العميق؛ فالأفكار موجودة في دماغك والقلم موجود في يديك والورقة أمامك، ولست مراقبًا مثلاً لنقول بأنه شكل من أشكال الرهاب الاجتماعي، بل أنت تكتب خطبة الجمعة، أي أنك تخطب الجمعة.
ثم إنك أيضًا تحكي لنا عن موقف مماثل وأنت في الامتحان، ولا أدري هل ما زلت تمتحن أم أنك تحكي عن ذكريات من أيام الدراسة؟
أيضًا هنا لست في موقف نستطيع فيه أن نتكلم عن الرهاب الاجتماعي، ربما يمكننا الكلام عن حالة تسمى سكتة انفعالية Emotional Block تحدث لبعض الطلبة أثناء الامتحانات، حيث يكون رغم أنه يعرف المعلومة، غير قادر على استرجاعها من ذاكرته، وتسمع الطالب يقول لك شعرت أن مخي أو دماغي أبيض تمامًا وليس فيه شيء بمجرد أن وضعت ورقة الأسئلة أمامي؛ فالذي يحدث في السكتة الانفعالية هو أنه لا يستطيع التذكر رغم تأكده من حفظ المعلومة في ذاكرته.
والغريب في شكواك يا أخي أنك لم تشر إلى شيء من ذلك وإنما فقط قلت: "عدم مقدرتي على التعبير عما يجول في صدري، سواء أكان هذا في إعداد خطبة الجمعة التي أرتب لها أفكارا طيبة لكن يعجِز قلمي عن كتابتها وتمتنع الأفكار والكلمات عن الخروج".
ولا أدري هل لذلك علاقة بأحلام اليقظة؟ إن كان لأحلام اليقظة دور في ذلك فإن أحلام اليقظة التي تشكو منها هي من النوع غير الطبيعي وغير الصحي بالمرة؛ لأنها تعوقك عن أداء فعالياتك وأنشطتك اليومية، وفي مثل هذه الحالة عليك باستشارة أقرب طبيب نفسي متخصص.
ويمكنك الرجوع لإجابات أخرى حول نفس الموضوع:
بين حديث النفس وأحلام اليقظة
أحلام اليقظة.... وبعد
أحلام اليقظة: استجابات بديلة للواقع
أحلام اليقظة أحلى م اليقظة!
أحلام اليقظة: أريدها وأرفضها
أحلام يقظة مفرطة: مفتوحة كل الاحتمالات
وأهلا وسهلا بك دائما.