رأيت شعار رابعة لأول مرة على الفيس بوك... ثم تذكرت أني ربما رأيته في مظاهرات حدثت في تركيا أثناء اعتصامي رابعة العدوية والنهضة... ولا أنكر إعجابي بفن من اتخذ من معنى رابعة أصابع الكف الأربعة شعارا وتساءلت بيني وبيني عن لماذا اللون الأصفر.... ثم سمعت في الجزيرة عن أن ظهور هذا الشعار على الفيسبوك انتشر بشكل سرطاني ليبلغ في يومين حوالي 85 ألف مستخدم اتخذوه لأنفسهم شعارا،...... حاولت في تلك الفترة أن ألعب بالفوتوشوب في الألوان والكتابة وتمنيت أن تنتشر المبادئ التي يدعو لها ويمثلها الشعار كما أراه وهي مناصرة الحق وصون العهد والإصرار على الشرعية التي اتفق عليها الناس تمنيت أن يرتفع شعار رابعة في كل بلاد العالم الإسلامي المتجهة نحو الديمقراطية أو التي حققت بعضا منها.... حاولت صنع نموذج بوستر بالفوتوشوب أكتب فيها أسماء البلدان التي رفع بالفعل بها شعار رابعة دعما لمناصري الشرعية والتي أنتظر أن يرفع...
ثم طغت أحداث الفض الوحشي على كل شيء وتحولت رابعة (بكل بشريتها في الواقع) إلى رمز ملائكي في نفوس كثيرين وأنا أحدهم، ومع القمع المتزايد بعد ذلك للشعار واللغط الطويل العريض الذي أثير حوله من التافهين والمتتافهين... مع ذلك القمع صورت يدي وبالفوتوتوشوب جعلت الخلفية صفراء لكن يدي لكنازتها وقت ذاك لم تعجبني ولما أرَ فيها الصمود والشموخ في الشعار الأصلي ذي الكف الأسود... لكن ما فيها من تحد وإصرار ويقين بالانتصار للقضية كان كافيا... ناهيك عن الدعم المعنوي الذي كان مهما جدا في ذلك الوقت لمؤسس الموقع وراعيه العبد لله.
في محرقة الفض فقدت مجانين واحدا ناشئا من مستشاريها هو الشهيد حسن السيد حسن محمد..... وهو مثال للأخصائي النفسي المجتهد الملتزم الناشط الواعد... تقبله ربنا في الشهداء الصالحين، وفقدت إحدى صديقات مجانين الزميلة الدكتورة نرمين محمد أخاها الشهيد مهندس عبد الرحمن في مجزرة المنصة..... وكتبنا عن أهل رابعة كثيرا قبل وبعد الفض وهذا ما كتبت:
الحالة النفسية للإسلاميين في رابعة العدوية!
أهل رابعة... سلاما.. أسمى من كانوا بيننا!
الومضات المعرفية الشعورية لـ رابعة العدوية !
ثورة أم عورة ؟! عن ماذا كشفت 30 يونيو؟
شعار رابعة الذي أرفعه إنما يعني لي مجموعة من المعاني الجميلة لمستها في رابعة وأهل رابعة ممن أعرفهم في حياتي أو رأيتهم أثناء زيارتي للاعتصام،.... هو معنى مصر المصرة على حقها في أن تجرب رأيها وأن تكون مخلصة لمبدئها إلخ. ذلك من معاني يشاركني فيها آخرون كثيرون ويخالفني فيها آخرون أحترمهم لكنني أراهم لا يعرفون الحقيقة كما أعرفها.
أثناء شهر أغسطس وسبتمبر كنت أشارك بالفعل في رفض الانقلاب، وكنت أحمل شعار رابعة في التظاهرات كما ظهر في مدونتي: بدون فيديو: مظاهرة روكسي 3 سبتمبر
بعد ذلك متأثرا بتوصية أمي المتكررة... اقتنعت بأن في المصريين كثيرون مصرون ولست أبدا وحدي "أنت كبرت يا بني ووحيد ليس لك أخ وفي رقبتك زوجتان ولك طفل رضيع ولست تتحمل بكل المقاييس، وهناك من هم أكفأ منك بمواصلة التظاهر"، رضيت طاعة لأمي المسنة وشيئا من الكسل والخوف ربما لا أنزه نفسي ولكني عزيتها بالكف المنشورة على كل صفحات مجانين دعما للخلق الحسن والعزيمة والإصرار على استرجاع حق الشعب الذي أعرف.
وتوالت بعد ذلك تصرفات مفرطة الغرابة من السلطة الحاكمة والإعلام الانقلابي في مصر تجاه الشعار وحاملي الشعار.. وبدأت النكات والمضحكات والمبكيات المتعلقة بالشعار تدور على الألسنة.. وتهمة تحول شعار رابعة... وهو ما دفع أصحابه وأنا شخصيا منهم إلى زيادة الاعتزاز به! وفي نفس الوقت دفع الآخرين إلى فرط الكره لذات الشعار!
وإبان ذلك توالت انتقادات لرفع الموقع شعار رابعة بدت لي غير ذات دلالة في بداية الأمر... لكنها سرعان ما توالت وبدأت أكتشف أنها أيضًا تصدر عن أشخاص ذوي قدر وذوي فكر -هو بالتأكيد مختلف عن فكري شخصيا لكنه جدير بالاحترام- وأن من المهم أن أراعي شعور هؤلاء مثلما أراعي شعور أهل رابعة.
النظرة المنصفة للشعار يجب لكي تكون منصفة أن تدرك أن من يرفع شعارا إنما يرفع معنى يعنيه هو شخصيا بذلك الشعار أي أن الشعار جزء من رافعه وليس منفصلا عنه! وهو كذلك لا يقيم بمعزل عن معناه عند من يرفعه... يختلف عن ذلك المعنى تماما معنى شعار رابعة عن شعب الثلاثين من يونيو أو شعب الإعلام المصري أو شعب الدولة العميقة...إلخ... وهم يفرطون في تأويلاتهم للشعار تارة يربطونه بالإرهاب وتارة بإسرائيل... وهنا ارتباط ظريف فهو إرهاب إسرائيلي.... ثم تكتمل النكتة حين يتم ربطه وربط جماعة الإخوان بالإرهاب الفلسطيني متمثلا في حماس!... هم يضحك هم يبكي!
أيا كانت التأويلات والتشويهات وأنى اتفقت أو اختلفت فهي لا تعني من يرفعون الشعار ولا تزيدهم إلا ارتباطا به وإصرارا على رفعه، ذلك أنه مهما اختلفت التأويلات للشعار فإنها لا تصم الشعار بالنسبة لصاحبه ولا تخدم حقيقة إلا احتراب الناس من حول الشعار وهذه في ذاتها إساءة لشعار كشعار رابعة لأنه في حقيقته رمز للسلام رغم كل محاولات التشويه.
هناك نقطة مهمة تتعلق بحكاية رفع الشعار على الموقع هذه، فشعار رابعة هو شعار يعتز د. وائل أبو هندي برفعه ولكنه ليس شعار الموقع فقد حمل موقع مجانين تاريخيا خليطا عجيبا من الرأي والرأي الآخر كما يظهر من رد أخي سداد على صاحب استشارة: موقع مجانين ورسالته
تقليديا كتب وشارك وأجاب الجميع على مجانين ولم يكن الموقع حكرا على فئة أو جماعة إلا طالبي أو مقدمي الخدمة النفسية الاجتماعية من المتحدثين بالعربية ولكن كل الاتجاهات من داخل مصر وخارجها ومن الإسلاميين والليبراللين واليساريين وغير المصنفين كتبوا وما زالوا يكتبون ولست في حاجة لإعطاء أمثلة فقليل من تصفح أبواب الموقع المختلفة يكفيك.
أصل أخيرا إلى هدفي من كتابة المدونة بعدما رأيت اليوم من أحداث في أكثر من محافظة وأسوأها الحادث المنكر البشع المتمثل في تفجير مديرية أمن الدقهلية، ثم ما تلاه من هجوم البلطجية على منشآت الأهالي بدعوى أنهم إخوان! في نفس المدينة أيضًا... بعد هذا المنحدر القذر الذي أسأل الله أن ينزه مصرنا عنه وبعد رد أحد المعلقين عليَّ –رغم تطاوله- تحت استشارة ملاحظة: حول عنوان الموقع مجانين
أجدني أشفق على أحبائي من متصفحي الموقع الذين بالتأكيد تلوث (بالزور والتشويه) عندهم شعار رابعة وأتخذ القرار بأن يبقى فقط شعار رابعة في الصفحة الأولى للموقع معبرا عن رأي الشخصي كوائل أبو هندي... دون أن يكون مفروضا في كل صفحات الموقع خاصة وأن من مستشارينا كثيرون لا يرفعون أي شعارات ومنهم من يرى أن دورنا يجب أن يكون أكثر من مجرد الدعم برفع شعار على موقع إنترنت... ومنهم أيضًا من يعادون هذا الشعار، وأخيرا فإن أكثر وأنشط مستشارينا ليسوا مصريين ولا واقعين في ما نحن فيه من ابتلاء... يكفي كل مستشار ابتلاؤه في بلاده.
إذن أبدو الآن مقتنعا بأنه يكفي تصدر شعار رابعة الأصفر الموجود في الموقع فقط للصفحة الرئيسية، لكي لا أستفز مشاعر بعض المتصفحين رغم إصراري على أن هذا ينقص من شرف ظلت تحمله صفحات مجانين شهورا كلها... في النهاية لابد من الفصل بين مؤسس موقع مجانين والموقع نفسه مثلما كان دائما موقع مجانين.
واقرأ أيضًا:
الحالة النفسية للإسلاميين في رابعة العدوية! / يوميات من رابعة / مسار الثورة... زوروا رابعة!.. فاصل ونواصل! / الومضات المعرفية الشعورية لـ رابعة العدوية !
التعليق: ما يختفي تحت الشعار معان تفهمها نفوس لا تتنفس سوى الكرامة, بشر يعشقون اعشاش الحرية, بشر ظننت لوهلة بأن هذا النوع اندثر, بشر يلتحفون السماء ويدثرون بشرفات القمر, بشر نتشرف بكوننا إخوة .
رابعة اختصرت فيضان الكلمات, زلزت المؤمرات, أغاظت طغاة, رابعة تذكرنا بدماء زكية حنت أرض مصر العريقة, دماء في ميزان رب السماء لا تضيع هباء .
قيم رابعة الجميلة لا تتصدر المواقع لكنها تتصدر كل القيم الثورية الجميلة, القيم التي بنيت عليها كل نفوس محبة للكرامة,
لميدان رابعة اشتقت, لتلك الكلمات ارتعدت, لذلك الصمود ذهلت, لتلك النفوس تقت .
رابعة سنعود, فلا تحزني ..............