سيكولوجية النصب والاحتيال1
ما هو النصب والاحتيال؟
"هو استخدام التضليل من أجل الحصول على أموال الآخرين، أو الامتلاك بالباطل لأشياء ذات قيمة مادية عن طريق الغش والخداع والمراوغة والتزييف واختلاق الأكاذيب والمعاذير، وتبديل الواقع والمبالغة والتهويل بجاذبية مصطنعة تشد أنظار وأسماع الآخرين بما يضمن استثارة دوافعهم وانفعالاتهم وعواطفهم" (التعريف للدكتور أكرم زيدان في كتابه: سيكولوجية المال، سلسلة عالم المعرفة، مايو 2008).
والنصب والاحتيال له صور كثيرة؛ بعضها بدائي مثل لعبة "الثلاث ورقات" التي كان يمارسها النصّابون في الميادين العامة وساحات الموالد الشعبية، وبعضها شديد التعقيد ويتضمن قدر عالٍ من الذكاء والابتكار، وهذا الأخير ما نراه في العصر الحالي، حيث يمارس النصّاب عمله ويحتال على ضحايا على قدر كبير من العلم والثقافة والتجربة، ولهذا يحتاج لكم هائل من الغش والخداع والمناورة والمراوغة والكذب المتقن وتبديل الواقع وشد الأنظار واستثارة الدوافع واللعب على دوافع التملك والإغراء بالمكسب الهائل والسريع، وإعطاء ضمانات وهمية ولكنها كافية لإقناع مثل هؤلاء الناس بالتسليم له وهم في حالة خدر لذيذ، إلى أن يفيقوا في يوم من الأيام على الكارثة ويكتشفوا أنهم كانوا ضحية لنصّاب يفوق ذكاؤه ذكاءهم.
وبرغم تكرار حوادث النصب والاحتيال فإن الناس لا تتعلم، ربما لأن النصّابين يجددون في وسائلهم المبتكرة، أو لأن الناس لديهم قدر من الدوافع والاحتياجات يجعلهم لا يرون الواقع كما هو بل يرون احتياجاتهم فيندفعون بلا منطق نحو المصير المحتوم، خاصة وأن كثيراً من النظريات الاقتصادية الحديثة أثبتت أن الناس ليسوا دائماً منطقيين في التعامل مع المال بل يحيط تعاملهم الكثير من المشاعر والانفعالات والتحيّزات، وهذا ما يلعب عليه النصّابون، فقد عرفوا ذلك بفطرتهم الشريرة قبل أن يكتشفها العلم.
التركيبة النفسية للنصّاب
الصورة النمطية للنصّاب لدى عموم الناس هي أنه شخص شديد الذكاء والمكر والدهاء والخيانة وانعدام الخلق والضمير، وقد يكون الأمر كذلك في بعض الحالات، لكن القراءة العلمية لحوادث النصب تثبت بأن لكل نصّاب تركيبته ودوافعه وظروفه، لذلك يحسن بنا أن نرى تلك التركيبة النفسية في مظاهرها وانعكاساتها المختلفة لكي نحيط بكل الجوانب التي يتميّز بها النصّابون، فهم ليسوا سواءً، فقد نجد بعض الصفات التالية بتباديل وتوافيق مختلفة في شخصية كل نصّاب:
1) الكذب هوالصفة المحورية والأساسية لدى النصّاب، لكنه غالباً ما يكون بارعاً في كذبه بحيث يمر وقت قبل أن يكتشفه من يتعامل معه، والكذب صفة لا تتخلف أبداً في أي نصّاب، أي أنها صفة مشتركة لدى كل النصابين على اختلاف تركيباتهم واتجاهاتهم. لذلك يعتبر الكذب عيباً جسيماً في الشخصية لا يمكن التسامح فيه.
2) المراوغة والخداع والتضليل؛ وهي صفات ثانوية تنشأ عن الصفة الأساسية وهي الكذب.
3) المبالغة، وتعني المبالغة في الحديث عن الأمانة والإخلاص والقيم، أو المبالغة في التلويح بالمكاسب الهائلة.
4) الاستهانة بالنظم والقوانين والأعراف؛ حيث يبدي النصّاب قدرة فائقة على تجاوز كل العقبات القانونية والاجتماعية للوصول لأهدافه، وهو يميل لأن يسلك طرقاً خلفية لتحقيق ذلك.
5) التاريخ الطويل المضطرب؛ إذ لا تظهر شخصية النصّاب في يوم وليلة، وإنما تتكون عبر تراكمات لسلوكيات تنتهك الحقوق والممتلكات، فمثلاً نجد أن النصّاب كان مشهوراً بالغش في الامتحانات، ومشهوراً بالكذب، ومشهوراً بالسرقة من البيت أو من زملائه في المدرسة، ومولعاً بالحصول على ما يريد بالرشوة أو بالوساطة أو بالتزوير أو بالخداع. وهو غير مستقر انفعالياً، إذ تجد تقلبات كثيرة في حياته فينتقل من بلد إلى بلد أو من علاقة إلى علاقة، ولديه تاريخ سابق في الفشل في مشروعاته.
6) الطموح المفرط؛ وهذا ما يجعله في حاجة شديدة إلى مال كثير يجمعه في وقت قليل، حيث لا يوجد لديه وقت للسعي بالطرق المعتادة ليجمع مالاً محدوداً في فترة زمنية طويلة.
7) إعلاء مبدأ اللذة؛ فهو يسعى لتحقيق أقصى قدر من الاستمتاع في حياته، فتراه يهتم اهتماماً مبالغاً فيه بالسيارة التي يركبها والمسكن الذي يعيش فيه وملابسه وشياكته والأماكن التي يرتادها، والأصدقاء الذين يجلس معهم. وفي المقابل هو لا يعطي لمبدأ الواقع قيمة، فهو أسير للذاته واحتياجاته بصرف النظر عن أي اعتبارات اجتماعية أو أخلاقية أو قانونية.
8) لا يشعر بالذنب؛ فمهما كان عدد ضحاياه، ومهما كانت معاناتهم من سلوكه، فهو لا يشعر تجاههم بأي ذنب أو تعاطف.
9) لا يتعلم من أخطائه؛ ولهذا نجد في حياته الكثير من محاولات الكذب والتضليل والخداع والتزوير، وأنه تعرض بسبب ذلك لمشكلات اجتماعية أو قانونية، ومع ذلك لا يكف عن تكرار أفعاله السلبية.
10) قدرة فائقة على معرفة نقاط ضعف الضحايا وتوظيف هذه النقاط الضعيفة لكي يتمكن من استغلالهم؛ فهو يختار ضحاياه من الطامعين في المكسب السريع مثله (وهذه مساحة مشتركة بين الجاني والضحية في جرائم النصب والاحتيال).
11) قدرة فائقة على طمأنة الضحايا من خلال إعطائهم ضمانات وهمية، كعلاقاته ببعض الشخصيات الموثوق بها (أو المفترض أن تكون موثوق بها كالوزراء وأبناء الوزراء)، وإبداء ميزانيات تبدو مقنعة، وأصولاً تبدو كافية لتغطية احتياجات الضحية في حال فشل المشروعات المعروضة.
12) النرجسية؛ بمعنى الإفراط في حب الذات وتقديرها، والشعور بالتفرد والتميز، والرغبة في التألق والظهور والإبهار، والتمركز حول الاحتياجات الشخصية، وكل هذه الأشياء تجعل الشخص النرجسي في حاجة إلى الكثير من المال للإنفاق على ذاته المتضخمة ليحقق الإبهار لمن يراه.
13) الشعور بالنقص؛ وهو دافع لعمليات تعويض يقوم بها الشخص لمواجهة هذا الشعور، فيضطر لأن يبالغ في امتلاك عناصر القوة وإظهارها (طبقاً لنظرية ألفريد أدلر)، وبما أن المال يعتبر أحد أهم عناصر القوة، إذن يصبح الحصول عليه هدفاً أعلى. والشعور بالنقص يلازمه شعور بالدونية تجاه الآخرين، وهذا يدفع من يشعر بالنقص إلى أن يسلب الآخرين مصدر قوتهم (المال) ويضيفه إليه، وبهذا يستعيد توازن القوى بينه وبينهم.
وربما يشكل حصوله على المال بطرق النصب نوع من الانتصار عليهم لا يحققه كسب المال بطريق الجهد والمثابرة، فهو في حالة النصب يثبت لنفسه أنه الأذكى والأجدر، وأنهم الأغبى والأسوأ، أي أن هناك صراعاً نفسياً بين الجاني والضحية يمثل فيه المال أداة للصراع ويصبح من يحوزه منتصراً على الآخر.
14) غواية المال؛ فالنصاب يضعف تماماً أمام أي قدر من المال، كما يضعف أي مراهق أمام فتاة إغراء، وهي غواية لا يستطيع مقاومتها بسهولة، لذلك هو دائم السعي وراءه والاحتيال من أجل الوصول إليه.
15) تعوّد الأخذ دون عطاء، فمنذ صغره يحصل على كل ما يريده من أبويه أو غيرهما دون بذل جهد، لذلك تتضخم عنده مستقبلات الأخذ وتضمر عنده ملكات العطاء، ولهذا نجده شديد الشراهة للأخذ ولا يشبع أبداً، وهو قد تعود أن يحصل على ما يريده من أيدي الآخرين وليس بجده وتعبه وكفاحه، فالآخرون بالنسبة له مكلفين بإعطائه ما يحتاج وكأنهم مدينين له دائماً.
16) البذخ والرفاهية؛ فهو يعيش بشكل مبالغ فيه من الأبهة والفخامة والترف، ولا يهمه من أين يأتي المال لتوفير كل ما يرتع فيه من مظاهر.
17) ضعف الانتماء؛ ويظهر في هشاشة علاقة الشخص بأسرته وبمجموعة الرفاق أو الأصدقاء، بل وفي علاقته بالوطن أو الناس عموماً، ولذلك يسهل على النصاب الحصول على المال ثم الهروب به إلى أي مكان في الأرض ليستمتع به، ولا يشعر بالحنين للأهل أو الوطن.
18) ضعف العلاقة بالواقع؛, فلا يستطيع النصّاب رؤية الفرص المتاحة للكسب الطبيعي، كما لا يستطيع إدراك المخاطر التي تحيط بسلوكه المنحرف، فهو في حالة إنكار وانعدام رؤية إلى أن يقع في المحظور.
19) الرغبة في الإثارة، وتلك الرغبة تتحقق أكثر من خلال عمليات النصب والاحتيال، خاصة حين يستطيع النصّاب خداع شخصيات تتميز بالذكاء العالي، كما أن العمل خارج نطاق المألوف يعطيه إحساساً بالمخاطرة اللذيذة، والتحدي الذي يشعره بقوته، وأنه قادر على أن يسلب الآخرين قوتهم.
20) الانتقام، وهذا يظهر لدى النصّابين الذين ينتقون ضحاياهم من الطبقات الاجتماعية الأعلى ومن الأغنياء عموماً، فلديهم إحساس داخلي بأن هؤلاء حصلوا على أموالهم بغير حق، ولذلك يشعرون بمتعة وهم يسلبونهم تلك الأموال.
21) السادية؛ وهي شعور بالسعادة واللذة لرؤية الضحايا وهم يتألمون ويعانون بعد أن سلبهم النصّاب أعز ما يملكون وهو المال، أي أن النصّاب هنا يستمتع مرتين، مرة وهو يستحوذ على المال، ومرة أخرى وهو يرى دموع الضحايا وحسراتهم، ولذلك لا نستغرب رؤية النصّابين وهم يعيشون خارج البلاد يستمتعون بثرواتهم التي نهبوها في غاية السعادة ولا ينتابهم أي شعور بالندم أو الألم.
22) الإنكار والتبرير والإسقاط؛ وهي دفاعات نفسية لا شعورية تسهل للنصّاب استكمال نصبه، وتحميه من لوم الذات أو صحوة الضمير، فهو لا يرى فيما يفعله شيئاً خطأ، ويبرر كل أعماله أمام نفسه وأمام الآخرين بأنها مشروعة تماماً، ثم يسقط الأخطاء والمشكلات على الآخرين، أما هو فليس مسؤولاً عن شيء مما حدث، لذلك حين تستمع لأي نصّاب (أو لمحاميه) تشعر أنه لم يخطئ في شيء قط وإنما الضحايا هم المخطئون، أو أن الظروف هي السبب.
23) ضعف الأنا الأعلى؛ فالنصّاب ليس لديه ضمير كاف يردعه، وضعف الضمير هنا يحميه من الشعور بالذنب، ويسمح له بالاستمرار في عمليات النصب مدفوعاً بالاحتياجات البدائية للجزء الغرائزي البدائي في النفس (الهو).
وقد جمعت بلوم (1972) سمات النصابين وحاولت وضعها تحت نمطين مشهورين من أنماط الشخصيات وهما:
- اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع.
- اضطراب الشخصية النرجسية.
وهذا يكاد يكون صحيحاً إلى حد كبير، وما نراه في الواقع هو فعلاً مزيج من سمات هذين النمطين من اضطرابات الشخصية.
وقد وجد أن اضطراب الشخصية النرجسية في عموم الناس في حدود 1%، أما في النصابين فنجد أن السمات النرجسية توجد في أكثر من 80% من الحالات. أما اضطراب الشخصية المضادة للمجتمع فهو أيضاً في حدود 1-3% ولكنه يوجد في النصابين بنسبة قد تصل إلى مائة بالمائة. وليس شرطاً أن يوجد نمط الشخصية بالكامل، لكن على الأقل يوجد عدد من السمات المرتبطة بهذا النمط.
وفي المجتمعات المتخلفة تكثر السمات النرجسية والسمات المضادة للمجتمع، وهذا يفسر لنا شيوع النصب والاحتيال فيها على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
0 التركيبة النفسية للضحية (المنصوب عليه):
الصورة النمطية لضحية النصب –كما تأتي في الأفلام القديمة– هي القروي الساذج، أو الشخص العبيط الغرير، أو كبار السن، أو منخفضي الذكاء عموماً، وهذا جائز في عمليات النصب البدائية التي يقوم بها هواة ويستخدمون وسائل بسيطة.
أما في هذا العصر فإن ضحايا النصب قد يكونون غاية في الذكاء وعلى قدر كبير من التعليم والثقافة، وقد يكونون رجال أعمال لديهم خبرة كبيرة بالسوق وطباع البشر، وهنا يحتاج الأمر إلى نصّابين محترفين من نوع خاص يستطيعون استمالة واستهواء واستلاب هذه النوعية من البشر، ويستطيعون تحييد دفاعاتهم وتخدير حذرهم وحرصهم، ويستطيعون اللعب على نقاط ضعفهم، وبهذا ينجحون في خداعهم.
والضحية من النوع الأخير يشعر بالدهشة والصدمة، ويشعر أيضاً بالخجل من نفسه ومن الآخرين، وربما يمنعه هذا من الإبلاغ عن النصّاب لأنه يشعر بالعار ويسأل نفسه "كيف حدث هذا معي؟!! لقد نجح هذا الشخص في اغتصابي وأنا سلمت له نفسي!!!".
وكما في سائر الجرائم يلعب الضحية في جرائم النصب والاحتيال دوراً هامّاً وإيجابياً في حدوث الجريمة بوعي أو دون وعي، وبناءً على التركيبة النفسية للضحية نستطيع أن نقسمهم إلى أنواع مختلفة:
1) الطمّاع: وقد يكون أكثر طمعاً وجشعاً من النصّاب، وهنا يلتقط الأخير فيه هذه الرغبة المتوحشة في الثراء فيلوح له به، ويلعب على نقطة ضعفه بمهارة شديدة، وينجح في استثارة غريزة التملك لديه، وهي غريزة قوية بطبعها في الإنسان لا تهدأ ولا تشبع. وحين تستثار غريزة التملك يتم استبعاد العقل النقدي بدرجات متفاوتة تسمح للنصّاب بنصب شباكه حول الضحية مهما كان ذكاء الأخير وفطنته.
والطمّاع لديه شراهة هائلة للمال، وتلك الشراهة تجعله لا يصبر على تنمية أمواله بالطرق المستقيمة المعهودة، بل يريد طرقاً جديدة وغير مألوفة، وهنا فقط يقبل المغامرة والمخاطرة لتحقيق كسب سريع بأقل جهد ممكن وحبذا لو كان بغير جهد مطلقاً، وفي تلك الظروف يقل حرص الطمّاع وحذره، وهنا يدخل النصّاب عليه فيجده جاهزاً للتسليم على الرغم من ذكائه وحرصه المتوقع.
وهذا يفسر لنا كيف تتم عمليات نصب واحتيال على رجال أعمال كبار وعلى شخصيات لها مكانتها الاجتماعية المرموقة ولا يتوقع منها غفلة أو سذاجة. وقد يتكرر خداع مثل هذه الشخصيات مرات بعد مرات دون أن تتعلم الدرس أو يتعلم غيرها، وبهذا تتوالى حوادث النصب والاحتيال في المجتمع على الرغم مما يحوط كل جريمة من توعية وتحذير.
2) الكسول (الاعتمادي السلبي): وهو يسلم أمواله للنصّاب بهدف استثمارها كنوع من الاستسهال لديه لأنه لا يريد أن يتعب نفسه في استثمارها، ولا يكلف نفسه حتى عناء البحث والتقصي عن تاريخ وسلوك النصّاب، بل إنه يرضى بأي ضمانات يمنحه إياها النصّاب ويقنع نفسه بكفايتها وفاعليتها حتى لا يكلف نفسه الكسولة مزيداً من المشقة.
3) الساذج: وهو بطبيعته قليل الذكاء يسهل التغرير به وخداعه، ولا يحتاج مجهوداً من النصاب غير أن يعطيه فقط إحساساً بالأمان والرعاية والتقدير، وبما أن الساذج يفتقد لهذه الأشياء فهو ينظر للنصّاب على أنه شخص طيب يمكن الوثوق به.
4) المحتال: ويحتاج هذا النوع من الضحايا لنصّاب أكثر قدرة منه على الاحتيال، وهنا تحدث مباراة في النصب والاحتيال يفوز بها الأكثر دهاءً وذكاءً ومراوغة. والضحية المحتال تعوّد في حياته أن يكسب من الطرق الخلفية، لذلك فهو لا يشعر بالغربة حين يتعامل مع النصّاب، إذ أن أصل ثروته كان غير مشروع وجاء من طرق غير معهودة، وهو قد ألف تلك الطرق، بل إنه لا يطيق غيرها، إذ تعود أنها الأسرع والأسهل لجمع المال.
5) المستفِز: وهذا النوع يعيش حياة كلها ترف وبذخ ويظهر ثراؤه بشكل يجمع حوله النصابين والمحتالين حيث تستمر محاولاتهم للإيقاع به، وتواتيهم الفرصة في وقت ما وفي ظروف ما تضعف دفاعات الضحية فينفذون إليه من أي جانب. والمستفِز لديه شراهة هائلة للاستهلاك، ومن هنا يكتشفه النصابون بينما هو يقوم بالإنفاق ببذخ فيسيل لعابهم لماله.
6) بعض الفئات الهشة: كصغار السن، أو كبار السن، والقرويين، وأصحاب الذكاء المنخفض، والمرضى النفسيين الذين يفتقدون القدرة على التمييز أو الحكم السليم على الأمور، وذوي الاحتياجات الخاصة.
البيئة المحيطة بعملية النصب
هناك بيئة نستطيع وصفها بأنها بيئة محرضة على النصب والاحتيال، وهذه البيئة لها خصائص نذكرها فيما يلي:
1) الفساد: حيث ينتشر في كثير من جوانب الحياة، فيبدأ الأطفال أولى دروسهم في النصب من خلال الغش في الامتحانات، ويتعلمون منذ نعومة أظفارهم أن يحصلوا على أشياء دون بذل جهد أو تعب، وهم يجدون تشجيعاً من ذويهم ومن المجتمع على ذلك ويعتبرون ذلك شطارة وفهلوة، فيكبرون وقد تطبّعوا على ذلك فيكملون طريقهم بالرشوة والسرقة والاختلاس وتزوير الانتخابات واغتصاب السلطة، أي سلطة.
2) الحرمان: والحرمان هنا أمر نسبي، إذ ليس بالضرورة أن يكون النصّاب فقيراً أو معدماً، وإنما يكفي شعوره الشخصي بالعوز والفقر حتى ولو كان غنياً، فالأمر هنا نسبي ويعتمد على إدراك الشخص لحاجاته ونواقصه. والحرمان ليس مقصوراً على الحرمان المادي بل قد يكون حرماناً من الأمان أو حرماناً من الحب، أو حرماناً من التقدير الاجتماعي، أو حرماناً من تحقيق الذات، أو غيره من أنواع الحرمان... وهنا يتجه الشخص للنصب للحصول على أموال الآخرين بهدف إشباع ذلك الحرمان، ويصبح المال هنا وسيلة رمزية للإشباع عن حرمانات متعددة.
3) عدم الأمانة: بمعنى أن تصبح الأمانة شيئاً ثانوياً أو هامشياً في المجتمع؛ فتجد صاحب السلطة يسيء استخدام سلطته، والطبيب ليس أميناً مع مرضاه، والمحامي يمارس أقصى درجات الخداع والتمويه وربما التزوير، والمهندس لا يراعي الله ولا يراعي ضميره في مواد البناء، والحرفي لا يتقن عمله، والقاضي غير نزيه.
4) الطمع: فكل إنسان يريد أن يحصل على أقصى ما يمكن وأن يتفوق على أقرانه في الامتلاك والملكية، وأن يتباهى بما لديه، وأن يشعر بالأمان كلما تضخمت ثروته (أو يوهم نفسه بذلك). وحين تستعر غريزة التملك لا يمكن أن يطفئها مال، فهناك "اثنان لا يشبعان: طالب علم وطالب مال"، "ولو أن لابن آدم واديين من مال لابتغى ثالثاً"، "ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب."
5) نمط الحياة: كأن تكون لدى الناس شراهة استهلاكية تدفعهم للتورط في شراء واقتناء أشياء كثيرة تفوق قدراتهم فيضطرون للاقتراض ثم للنصب، وربما للسرقة أو الاختلاس أو حتى القتل. أو يكون الشخص من المقامرين أو المدمنين حيث تزيد الحاجة للمال عما تتيحه فرص الكسب الطبيعي. أو تكون لدى الأشخاص رغبة في الظهور بمظهر الثراء أو الكرم الزائد كنوع من المباهاة الاجتماعية.
6) ضعف القوانين وبطء التقاضي: مما يمنح النصّاب فرصة للاستفادة من ثغرات القوانين ومن يأس الناس من الحصول على حقوقهم عن طريق القضاء.
7) شيوع قيم الفهلوة واعتبارها نوعاً من المفهومية والشطارة والذكاء.
ولكي نرى جريمة النصب في المجتمع المصري وندرك خطورة شيوعها وانتشارها ثم نتحدث عن علاجها، فلا بد أن نرى جذورها وتشعباتها ومكافئاتها المختلفة، فنرى مبكراً جريمة الغش في الامتحانات، ونرى جريمة الوساطة والرشوة، ونرى جريمة تزوير الانتخابات، ونرى جريمة اغتصاب السلطة، فكلها جرائم متصلة يكمن خلفها الكذب وسلب الحقوق والعدوان على الآخر والتلذذ بنهبه.
ولا يمكن علاج النصب في الأموال دون تنقية وتنظيف الضمير ثم المجتمع من كل هذه الانحرافات الأخلاقية والسلوكية، والتي يتورط فيها مجرمون تقليديون في بعض الأحيان، ويتورط فيها مجرمون غير تقليديين من ذوي الياقات البيضاء والمراكز البرّاقة في أغلب الأحيان، وهذا الفريق الأخير هو ما يطلق عليه "السيكوباتي المهذب".
واقرأ أيضا:
لماذا يقتل المصريون بوحشية؟ / المصريون والشعوذة / لو لم أكن مصريا... لحمدت الله على ذلك