المرأة يمكن أن تكتئب أكثر من الرجل (حقيقة علمية) هل هذا بسبب تقلبها المزاجي بأسبابه البيولوجية والشعورية؟!!
مترددة وحائرة، وأحيانا وحيدة حزينة وتعيسة، تعيش حياة بائسة في محيط لا يكف عن ترديد أن الإسلام كرَّم المرأة، وأنها في مجتمعات المسلمين المعاصرين تعيش أفضل من أختها الغربية التي (يعاملها الرجل كسلعة، وتبيع الشركات والمصانع لها أوهام الجمال في علب فخمة، وتعيش وهم الحرية والاستقلال بينما هي من يدفع فاتورة المساواة بالرجل!!) مللت من سماع هذا الكلام السخيف، وبعضه كلام لا يخلو من حق، لكنه الحق الذي يراد به باطل!!
والباطل هنا هو غض الطرف عن الوضع المزري الذي تعيشه المرأة في أوطاننا رغم أن القوانين تتغير كل يوم في صالحها، وأوضاعها العامة تتقدم باضطراد فهي الآن وزيرة، وقاضية، وعضو برلمان، وهكذا!!!
لكنها وفي الوقت ذاته صارت تبحث عمن يحترمها ويحبها ويشاركها مشاعرها ومشاكلها وتساؤلاتها في عالم متغير، وظروف ضاغطة، وهي اليوم لا تكاد تجد لنفسها مكانا بأوضاعها الجديدة هذه في حياة الرجل الشرقي المضغوط الضائع ـهو الآخرـ في عصر التيه والفوضى!!
هذه وضعية عالمية، لكن الزيادة عندنا أن مجتمعاتنا لا ترحم، فعلا لا ترحم، فهي تستسهل وضع أغلب المشكلات والمسئوليات في رقبة المرأة التي ما منحها أحد الفرصة ولا التدريب ولا التكوين لتعول وتختار وتستقل وتتحمل!!
وضع مدهش أن نربي البنت على الهشاشة والضعف، والخوف من الرجال، ومن العالم ثم نضع على كاهلها كل الأثقال والأوزار والسخائم: فهي منبع القيم، وبوتقة الإنضاج والتربية، وهي صمام أمن الأسرة والمجتمع!!
ملايين النساء منبوذات وحيدات تعيسات يتقدمن وظيفيا، ولكن في عالم الأحاسيس والمشاعر والعلاقات بالرجال "محلك سر"!!...
وضع أود لو يثير فينا التأمل أكثر مما يثير الرثاء لأن أوضاع النساء السلبية هذه تعني أن الوجع عميق وواسع في المجتمعات من حولنا لأن النساء تاريخيا وتقليديا، وربما بالفطرة، هن صانعات البهجة والاستقرار والسلام!!
تجتاح مجتمعاتنا رياح وفتن تأتي من الغرب والعولمة بما تحمله من تهديدات لأنماط التفكير المتخلف المستقرة عندنا منذ عقود، وبما تحمله من وعود بحياة أكثر عدلا وسعادة، وبخاصة للمرأة، وإذا كانت حقيقة هذه الوعود "مش أد كده"، فإن واقعنا يبدو أسوأ!!!
إذا تحجبت المرأة عندنا فلن تعدم من ينظر إليها كمتخلفة خاضعة لهوى الرجال وضغوط المجتمع، وربما لا تجد وظيفة في مجال تخصصها لأن البنوك والفنادق والشركات الرأسمالية تتاجر بأجساد الموظفات كجزء من المظهر العام للمؤسسة، والحجاب يكسر هذا العقد الضمني، وذلك المشهد الاستهلاكي بامتياز!!
وإذا لم تتحجب المرأة فطبعا تنتظرها الدعوات بالويل والثبور وعظائم الأمور من وكلاء الرب في الأرض، أعضاء هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا أقصد الهيئة الرسمية المسماة بهذا في السعودية، إنما أقصد ملايين المتطوعين بالزجر والتبكيت والسخط المنكر في النهي عن المنكر!!!
مجتمعاتنا تضع المرأة في نفس المحيط مع الرجل، ولكن مسموح للرجل أن يتهيج جنسيا، ويراهق عاطفيا، ويغامر كل يوم وليلة، ويصرخ سرا وعلانية: أريد مثنى وثلاث ورباع، بينما المرأة لو أحبت فهي منحلة، ولو عبرت عن مشاعرها فهي رخيصة، ولو اشتهت الرجال فهي إذن عاهرة رسمي!!!
يصوغ الإسلام نظاما للزواج بحيث تبحث المرأة عن الرجل المناسب والصيغة المناسبة (وفي هذا الصدد توجد فتاوى معتبرة من مجمع الفقه الإسلامي بجدة وغيره، والأصل في الأشياء الإباحة والتيسير) فمن وجدت الزواج التقليدي بمعادلة "رجل واحد لامرأة واحدة" فأهلا وسهلا، وإذا لم تجد لسبب أو لآخر فإن الفرص كثيرة لأشكال زواج أخرى بحيث ترتبط المرأة بالرجل في إطار شرعي لا يقول لها هو فيه، ولا يقول لها أحد: يا عاهرة!!
بل هي زوجة لها حقوق قابلة للتفاوض والتنازل من الطرفين، فيكون أمامها الصور الشرعية لزواج المسيار وغيره، وتختار المرأة ما يناسب ظروفها دون وصمة، هذا هو المفروض فما الذي يحدث فعلا؟!
أقنعة متجهمة فوق وجوه كاذبة، وألسنة خبيثة تلوي الكلام بالكتاب، وما هو من الكتاب، لتضيق على المرأة الخناق، فكل زواج غير التقليدي هو خداع وإهدار لحقوق المرأة المسكينة دائما، البلهاء أبدا، والتي ما تنفك محتاجة إلى من يحذرها من السقوط في الرذيلة، أو أن تجري وراء قلبها فتخسر!!!
انتظري الزواج التقليدي مهما طال بك العهد، أو بلاش أحسن!!
يا سلام؟! هكذا ببساطة... فض فوكمو!!
والنتيجة أن الملايين قابعة في انتظار ما لا يجئ لأن التنازل في المطالب المادية للزواج التقليدي تسميه مجتمعاتنا "البيع بالرخيص"، وكل أشكال الزواج غير التقليدي يصرخ الحمقى بأنها زنى، وتضييع لحقوق المرأة، وهم أحرص على حقوقها منها!!!
المرأة التي يناسبها أن تكون زوجه ثانية يرفضها المجتمع لأنها "خطافة رجالة" والمرأة التي يناسبها أي نمط أخر بعد أن فاتها أو لم يناسب ظروفها معادلة رجل واحد لامرأة واحدة طوال الوقت، لآخر العمر... أية امرأة خارج هذا الإطار الذي يضيق أكثر يوما بعد يوم، هي امرأة غير موجودة، أو غير مرغوبة في التصنيف الاجتماعي لنا، وللأسف فإن أغلبية النساء اليوم عندنا من هذا النوع: ضاق بهن السبيل، وانقطع الطريق، وأصبحن أسرى الغباء العام، والتضييق العام، والغضب العام، والرغبة العامة في التطهر من الإثم على حساب "الحيطة الواطية" -وهو تعبير مصري عن الاستضعاف- وغالبا فإن المرأة لا تستطيع مقاومة كل هذه الضغوط فتستسلم وتعاني في صمت، أو تكابر وتشارك في الزفة والطبل والزمر لمواكب ذبحها قربانا في احتفالات وثنية تنتهي بنحر كل حقوقها العاطفية والجنسية والوجدانية في أن يكون لها شريك تختاره وتختار صيغة الارتباط به في حدود ما شرع الله، مهما كانت تفاصيل الاتفاق بينهما داخل هذه الحدود!!
المجتمعات لا تعطي المرأة هذا الحق مهما كان عمرها، ومهما كانت درجتها في التعليم، ومهما كانت ظروفها، (نحن أدرى بظروفها ومصلحتها)!!!
ليس من حقها أن تريد وتختار، وليس من حقها الفرصة أن تتحمل مسئولية قرارها واختيارها!!
وبدلا من تركها في حالها لتدبر أمرها وتختار وتتحرك أمورها، بدلا من المرونة والتنوع والاختيارات التي يتيحها دين واقعي متعطش إلى التيسير على الناس، بدلا من هذا التكريم الحقيقي للمرأة الموجود في أنظمة الإسلام الاجتماعية، بدلا من الحرية والتحرر والانحياز الظاهر في صف المرأة مما رتبه لها الإسلام الحقيقي، فإن المتعطشين للدماء ونحر الذبائح يجدون المرأة وسيلة وفريسة سهلة ودماء رخيصة لغسل جوانب الشرف الرفيع، والكرامة الضائعة!!
والمرأة غالبا ما تستجيب لأنها فعلا أضعف من مواجهة أهلها والمجتمع والمشايخ، وصيحات الويل والثبور، ونظرة الرجال من أبناء مجتمعها، ونظرات النساء الأخريات أشد وأقسى!! ومن يتحمل هذا يا ناس؟!!
في هكذا مناخ ربما لا ينتبه أحد إلى عمليات التشوه التي تلحق بنفسية المرأة العربية، والرجل أيضا يتشوه، لكنني أتأمل هنا تلك التحولات التي تلحق بالمرأة العربية فتؤدي بها إلى أن تكون مسخا شكلته أفعال وردود أفعال تجري يوميا بطول أوطاننا وعرضها!!
تشتد أظافرها، وتستطيل أنيابها، وتصبح مثل نمل الأمازون، وهو نمل لا يجيد البناء، فقط يقاتل، ويجلب أصنافا أخرى لتخدمه!!!
في إطار التكيف مع البيئة المحيطة الضاغطة تصبح المرأة عندنا مخلوقا شرسا لا يمارس إلا القتال طوال الوقت تقريبا في معارك حقيقية أحيانا، أو في معارك متوهمة مع أعداء متخيلين!!
وهنا تستسلم المرأة لدور المقاتلة ولا تلاحظ أنه يعني تشوهها وضمور أجمل ما فيها غالبا، لكن يبدو أنها تهمس لنفسها عندئذ: وهل لدينا وقت أو فرصة أو مساحة للجمال أو التجمل؟!!
وتتشوه المرأة، وهي تلاحق الرجل بوصفه رأس الشرور، ومجمع الآثام، وهو استسهال شائع نمارسه جميعا حين نختزل أية ظاهرة مركبة في جنس أو شخص أو فكرة أو مؤسسة إنه مثل السراب حلا في صحراء قاحلة، أو كجدار في نفس الصحراء يفتحك فيه باب على الخواء!!!
وتتشوه حواء العربية وهي تفلسف كل هذه التشوهات، وترى أن الرجل الشرقي لا يحترمها، بينما لا ترى أبدا أنها لا تحترم نفسها، وأنها صارت تنحر نفسها ورغباتها وحقوقها الإنسانية لتنال رضا المحيط أو لتتحداه، فأصبحت مجرد صدى سالب أو موجب، مجرد هامش على متن مجتمعات مريضة تهذي!!
مجرد تجميعة قص ولصق، أو محاولة تلفيق فاشلة!!
تتشوه حواء وهي تسدل على نفسها الأكسية لتكف عنها الألسنة، أو تنزع عن إنسانيتها اعتبارات وحدود لا ينضج بشر بدونها، فهي تحتشم أو تتعرى أمام صنم مجتمعات وثنية التفكير تختصر الحشمة والعفاف في زي، أو تختصر الحرية والتحرر في خلعه!!!
وفي العمل والإبداع والإنجاز والعلاقات كما في الزي والجنس والصراعات تعيش حواء الكوابيس، في انتظار ما لا يجئ!
كلمتني زوجة يخونها زوجها ويخبرها: كنت الليلة مع فلانة، وبالصوت والصورة بكاميرا هاتفه المحمول يلقطهن عاريات متبذلات، ويريها!!!
القصة مزعجة، ولكن أكثر ما يزعج فيها أن هاتيك النساء اللائي يقمن علاقة جنسية مع هذا الزوج لسن من نوعية العاهرات بأجر، ولكن مجرد فتيات تأخر زواجهن، أو مطلقات لا يجدن شريكا، إنهن من الملايين اللائي سقطن من إطار الزواج التقليدي الضيق، ولم يجدن لهن مكانا ولا متعة ولا حق ممارسة الجنس إلا في ظروف أراها مهينة، وأرى كل أشكال الزواج أكرم منها، ولكن من يفهم أو يقبل أو يستجيب؟!
سهل للغاية أن نبصق أو نتحسر على الهاوية التي انحدر بعضنا إليها، وسهل أن ندين هؤلاء النساء بأنهن يفضلن الفاحشة على الطهر!!
ومن السهل أن نشجب استسلامهن للأهواء وللسقوط في الزنى، ونندد بغفلتهن أو ضعف مقاومتهن!!
سهل أن نحشد الأصوات ضد الخنا والخيانة، والصعب أن نفهم كيف يمكن مواجهة هذا عمليا، وسهل أن نطلق الكلام الفارغ في التنديد بالشر والتأكيد على الثوابت، والصعب أن نغوص بحثا عن الجذور وعن علاج أوجاع ملايين النساء الوحيدات، على الأقل بأن نرفع الوصاية عنهن، والكف عن الكذب وخلط الحلال بالحرام، وتزوير الأحكام، وترديد السخف من موقع الذين لا يفقهون لا في الدنيا، ولا في الدين!!!
تقف حواء العربية اليوم أمام المقصلة متهمة بتضييع الأجيال، ونشر الانحلال، وبأنها صارت مسخا هجينا بين ذكورة ضامرة، وأنوثة متآكلة!!
تقف في مفترق طرق وهي تائهة ضائعة وحيدة مهزومة معترفة بهذا الوضع أو منكرة!!
وهذا الوضع لن يدوم طويلا!!!
واقرأ أيضًا
على باب الله: الضجر/ على باب الله: خيانة دين
التعليق: إننا تحكمنا عاداتنا وتقاليدنا وموروثاتنا وليس ديننا ونأخذ من ديننا القشور التي تخدم عاداتنا.
الإسلام كرم المرأة لكن عاداتنا وتقاليدنا تجعل المرأة كائنا أدني. فالتكليفات في ديننا للرجل والمرأة سواء،
المرأة في مجتمعنا عبارة عن سلعة تباع وتشترى فمثلا في ديننا الزاني والزانية عقابهما واحد ولكن في مجتمعنا تختلف النظرة للمرأة والرجل من ناحية المجتمع والقانون في هذا وكذلك نظرة المجتمع للمرأة عندما تتزوج ثانية أو عندما تتزوج مرة أخرى فهذه الأمور وغيرها نحكم فيها علي المرأة من ناحية العادات والتقاليد وليس عن طريق الدين فديننا كرم المرأة ومجتمعنا أهانها.
ولابد أن نناقش دور المرأة ومكانتها من الناحية الدينية ونوضحه وأن نعلم الرجل واجبه نحو زوجته وبيته وما هي مواصفات الزوج من الناحية الدينية. وأن نربي أبناءنا علي هذا فنعلم كل من البنت والولد دوره تجاه الطرف الآخر.