لا زلت منشغلة ومتألمة ومتأملة لمصرع زميلي وصديقي العزيز، المراسل الصحفي الأفغاني "سلطان منادي"، كما أن الصحافة الأجنبية ما زالت تنشر كتابات حول مصرعه.
قالت الأنباء في البداية إن سلطان قد فقد حياته على يد حركة طالبان والتي كانت قد اختطفته مع صحفي بريطاني قبلها بأسبوع. والآن وقد انكشفت كل ملابسات مصرعه التي كان يلفها الغموض لنزداد نحن ألما على هذا الإنسان ذي الروح المرحة والقلب النقي، المتفاني في أخلاقياته إنسانيا ومهنيا حتى آخر لحظة في حياته. هذا الإنسان الحالم بمستقبل أفضل لبلاده والذي سعى على مدى سنوات عمره من أجل تحقيق حلمه بتعلم المزيد عن مهنته التي اختارته واختارها كما هي الأوطان تماما، تختارنا ثم نختار أن نخلص لها.
مات سلطان وهو يحاول إنقاذ حياة زميله من رصاص طالبان فاغتاله رصاص البريطان. لقد أخذ سلطان زميله في ظهره، وأخفاه وراء حائط ثم وقف وحده في وجه القوات البريطانية صائحا "نحن صحفيون". الباقي معروف، نجا الصحفي البريطاني على أيدي القوات البريطانية وتركوا وراءهم جثة "سلطان".. سلطان ذو الرابعة والثلاثين، الأب لطفلين صغراهما ولدت أثناء دراسته بألمانيا وكم كان مشتاقا لرؤيتها كما روى لزملاء دراسته فعاد في إجازته ليقبلها ويبتعد نهائيا..
طوفان من اللوم علي الغربيين اكتسح الصحافة العالمية يشير إلى ميول عنصرية في التعامل مع الصحفيين المحليين.. تمييز بين ما هو شرقي وما هو غربي.. تعليقات كثيرة وتوضيحات حول طبيعة عمل سلطان كما جاء في خبر مصرعه بجريدة الواشنطن بوست بأنه كان يعمل "مفسرا" وهي باللغة الإنجليزية أرقي بقليل من كلمة "مترجم" ذلك أنهم لا يسمحون للصحفيين المحليين بالحصول على لقب "مراسل صحفي". ويقول زميل عمل معه بالنيويورك تايمز "إن هذه الفئة ليسوا مترجمين ولا مفسرين ولا حتى صحفيين ولكنهم أكثر من كل هذا" ووصفهم بأن كل واحد منهم هو قطعة من التاريخ تمشي على قدمين وتنقل بوعي وحرفية ثقافة شعوبها وتقول الرأي السليم في كل موضع.
هل توجد حقا عنصرية في الصحافة الغربية..؟ بواقعية وصدق مع النفس هناك عنصرية في كل شيء حتى في الخبز الذي نأكله والماء الذي نشربه. ولكن الأهم هو في وجود رد فعل رافض لها في الأوساط الصحفية، يكبر مع الأيام ويأتي من كل اتجاه، حتى من داخل الغرب ذاته.
ولعل كم الألم الذي شعرنا به عندما عرفنا كيف مات سلطان يكون كافيا لخلق القوة الدافعة لكي نقف وقفة قوية بما يكفي أمام كل تفرقة وكل ظلم.. ولو أني لست من الحالمين المحلقين فعلينا أن نتوقع أن يسقط سلطان آخر وآخر في مهنة الصحافة بعنصرية أو بدون حتى يرسم لزملائه القادمين حياة مهنية أكثر عدالة.. مات سلطان بشرف وتركنا أمام مسؤوليتنا بأن نعيشها بشرف.
اقرأ أيضاً:
مصر أم الدنيا/ قانون الغاب