الطفـل العنيـد (8)
ما وراء الطفل.. العائلة والعالم
كان تركيزنا فيما مضى على رد فعلك للطفل ولابد أنك الآن قد أصبحت خبيرًا في مزاج طفلك وتعمل بجدية لإرساء سلطتك الأبوية.
أصبحت تستطيع التوقع والتقبل والتعامل مع السلوك المرتبط بالمزاج، ولابد أن طفلك قد أصبح أسهل تعاملاً معك واستطعت أنت وهو الخروج من الدائرة المغلقة. ولكن التغيير في علاقتك بطفلك لابد أن يسير يدًا بيد مع تغيرات أخرى، تذكر التأثير الصعب لطفلك الصعب والذي انتقل منك إلى باقي العائلة والعالم بأكمله من حولك.
الآن تستطيع أن تأمل في تأثير جديد أفضل يسببه سلوكه الجديد، إن هذا وقت تكيف جديد للعائلة وأيضًا إن توجيه اهتمامك إلى عناصر رئيسية في بيئة طفلك سيقوي ويؤكد تطوره المستمر. وسنناقش معًا كيف نشجع هذا التطور الإيجابي، ولكن أولاً يجب أن نناقش توقعاتك.
لا تنزعج لو بعد فترة من التقدم الإيجابي تراجع طفلك إلى بعضًا من سلوكه القديم، إن العثرات طبيعية جدًا في تطور ونمو أي طفل وبالأخص في الطفل الصعب. هذا يشكل صعوبة في التقبل عند بعض الآباء "لقد كان جيدًا جدًا في الفترة السابقة".
حاول أن تكون موضوعيًا، فحتى في أكثر الأطفال طبيعية فإننا نلاحظ سلوكًا سيئًا في أوقات التغيير أو الضغط ومع الطفل الصعب فإن تلك العثرات قد تحدث لأشياء أقل وضوحًا. توقع أيضًا أن التقدم في منطقة معينة قد يسبق أو يتأخر عن منطقة أخرى، قد تجد خطاب شكر من معلمته في الحضانة تثني على التحسن في سلوكياته وفي الوقت نفسه تجده لا يزال يثير معارك مع أخيه بالمنزل. ولابد أيضًا من الحذر من المبالغة في إشعار طفلك أنه رائع بالمبالغة بمدح إنجازاته الصغيرة، هذه المبالغة سرعان ما سترتد عليك سلبًا وقد تشكل ضغطًا على الطفل وتوقعات يشعر أنه ليس كفئًا لها، بل وقد تسبب تدهورًا في سلوكه.
طبعًا لابد أن تقدر أن طفلك يحاول أن يكون أفضل وشعره إنك سعيد به ولكن مثلاً لا تقيم حفل كبير لتقدم بسيط في درجات المدرسة، أو يوم زيارة بدون مشاكل لجدته، إن أحسن مكافأة لطفلك هو أن يشعر باستمرار بتقبلك وحياديتك في التعامل معه.
تقوية العائلة
عندما تطبقين هذا البرنامج ستجدين أن انهماكك السلبي بطفلك الصعب قد قل كثيرًا وستستطيعين أن تجددي العلاقات العائلية حيث ستجدين أن لديك وقت فراغ أكثر بكثير.
الأخوة: يطور الأخوة وسيلة خاصة بهم للتعامل مع الطفل الصعب، قد يشعرون بالأسف له، قد يشعرون بالإهمال، قد يصبحون جيدين بصورة مبالغ فيها، وقد يسيئون التصرف فقط للفت الانتباه. وغالبًا يكون لفترة مؤقتة لحاجتهم إلى مزيد من الاهتمام، ويحتاج هذا إلى الثبات في الرعاية وإرساء سلطة الأبوين كما تعلمنا سابقًا. وقد نحتاج إلى مساعدة من الأخ الأكبر، ويجب أن نعرف إننا نحمله أحيانًا أكثر مما يطيق، فيجب أن تعترف بدوره وتطلب مساعدته في التعامل مع أخيه الصعب، إنه صحيح يأخذ منك اهتمامًا أكبر ولكن قل لأخيه "إننا الآن بصدد إحداث تغيير، لقد تعلمنا أشياءً جديدة ستمكننا من التعامل معه".
اشرح له بعض الوسائل التي ستستعملها معه مثل نظام ساعة التغيير أو نظام النجوم، أخبره أن هذه أساليب جديدة ومؤثرة. وقد يسألني أبوان ولماذا نخبره بتلك الأشياء التي لا تعنيه والتي قد تلفت انتباهه إلى أشياء جميلة مخصصة فقط لأخيه.
أخبر طفلك إن تلك الأشياء ستساعدنا على التعامل مع أخيه الصعب وليست لمحاباته أكثر، ولكن أيضًا ابدأ في تخصيص بعض الأنشطة لذلك الطفل فقط، غداء بالخارج، مباراة كرة وحدكما. أيضًا أخبره أن أي نوع من إساءة التصرف من قبل أخيه لن تمر دون عقاب، وعندما نسمح له بالجلوس على مائدة الطعام دون أن يأكل فإن هذا جزء من خطة لتنظيم عادته الغذائية وجعل جو العائلة أكثر هدوءًا. وإذا فعلت أية تغييرات جديدة أطلع عليها الأخ الأكبر وكمية المعلومات تعتمد بالطبع على عمر الطفل.
إن الطفل الذي يفرط في المثالية بدور مبالغ فيه وإن كان في هذا راحة لك بعد التعامل مع أخيه الصعب يلعب دور كبش فداء، وفي الإفراط في لعب هذا الدور ضرر بالغ فيما بعد. ولذلك بعد أن تمكنت من التعامل مع طفلك الصعب ووضعت تغييرات وقواعد جديدة بالمنزل تكلم مع طفلك الآخر عن مشاعره "أنا أعرف أنك قلق وإنك تحاول جاهدًا أن يكون سلوكك جديًا، ولكن يمكنك الآن أن تلجأ إليِّ في أي وقت تكون متضايقًا فيه"، شجعه على أن يعبر عن مشاعره، وإذا تمرد أو أساء التصرف في أحد المواقف مثل أي طفل لا تبالغ في القلق ولا في رد الفعل.
ملاحظة هامة:
لكل الأطفال طبع مزاجي، مثلهم مثل أي إنسان حتى ولو في مجمله سهل التعامل فقد يكون لديه خصلة أو خصلتين صعبتين وستجد في إرساء سلطتك الأبوية وخبرتك في التعامل مع الطباع الصعبة التي اكتسبتها ستتمكن من التعامل بمهارة أكبر مع المواقف المختلفة مع احترام شخصياتهم.
وقت للمتعة
ماذا عنكما كزوجين؟
لقد حان الوقت للانتباه إلى علاقتكما الزوجية، وللاهتمام باحتياجاتكما وخاصةً أن الزواج قد تعرض لكثير من الضغط في الفترة الأخيرة.
لابد من ترتيب وقت لكما فقط، استعن بفرد من العائلة أو بجليسة أطفال جيدة، عرفها على الأطفال بالتدريج، ابدآ في الخروج ثانيةً معًا، ادعوا الأصدقاء إلى المنزل أو اذهبا في رحلة صيد قصيرة في عطلة نهاية الأسبوع. ولابد من أن تُحضِّر طفلك لذلك قبل الذهاب ولكن لا تماطل وخاصةً في أثناء الوداع.
غالبًا ما يهمل آباء الأطفال الصعبين احتياجاتهم وهذا ليس جيدًا لأي أحد حتى الطفل ولذلك ابدأ في الاهتمام بنفسك أكثر من ذلك.
الأم بالذات لابد أن توسع آفاقها، قد تأخذ كورس دراسي أو تتابع هواية أو تخرج مع أصدقائها أو حتى تعود للعمل. ولابد أيضًا من تنظيم أوقات خروج مباحة للعائلة في عطلات نهاية الأسبوع، هناك أماكن مثالية للأطفال النشطين والصاخبين دون إزعاج أحد آخر، الحدائق، البحر، حديقة الحيوانات.
ألعاب الكمبيوتر
تستطيع إدخال ألعاب الكمبيوتر كوسيلة مساعدة في السيطرة على الطفل الصعب، بل ويسمى أحيانًا "الجليسة الإلكترونية".. في البداية يجب أن يضع الآباء آراءهم ومعتقداتهم عن مشاهدة ألعاب الكمبيوتر جانبًا مع عدم السماح بأي شيء غير مباح، واستعن بأي شيء قد يساعدك على السيطرة على طفلك الصعب، وقد تكون ألعاب الكمبيوتر في بعض الأحيان الوسيلة الوحيدة لتهدئة طفل متهيج أو وسيلة لمنح الأم بعض لحظات السلام التي تحتاجها لنفسها.
استعمال ألعاب الكمبيوتر مثالي ولكن بالطبع الإفراط في ألعاب الكمبيوتر يصبح صعبًا في عكسه بعد ذلك ولذلك كلما تمكنت أكثر من التعامل مع طفلك لابد أن تبدأ في وضع ساعات محددة من ألعاب الكمبيوتر ولا تشعر بالذنب إن قللت وقت مشاهدته لبرامجه المفضلة ولكن أيضًا اجعله جزءًا من الروتين اليومي صباحًا أو مساءًا.
مشاهدة التليفزيون بدون رقيب أو حسيب وبدون اختيار لما ينفع في الدنيا والدين خطأ كبير، لو أصرت العائلة على مشاهدة التليفزيون يجب وضع ساعات محددة للمشاهدة، وأن يكون ما يُشاهد مباح: أفلام كرتون لا تبعد الطفل عن معتقدات وسلوكيات دينه، أفلام تعليمية، علمية، حيوانات، حشرات، طيور.
الجد والجدة
إلى أي درجة تستطيع إدخال أبويك أو حمويك في هذا النظام الجديد في التعامل مع طفلك. هذا يعتمد على شيئين: مرونتهم واستعدادهم للتفهم، وأيضًا على مقدار العلاقة التي تربطكم.
ناقش وسائل السيطرة معهم وركز على الطبع المزاجي للطفل، تناقش معهم فيما تعلمته حتى يصبح هناك نوعًا من الثبات في التعامل مع الطفل. ولكن لو كان للجدين أسلوب صارم وغير مرن في التربية اسأل نفسك عن استجابة الطفل ورد فعله لذلك الأسلوب، لو تقبله في إطار حبهم له فتجاهل الموقف ولا تتدخل فيه ولكن فقط طالبهم ألا ينتقدوك أمامه أو يقللوا من سلطتك عليه.
التعامل مع الضغط والتغيير
إن الطفل الصعب بالذات لديه مقياس حساس جدًا للمشاكل التي تسبب الضغط والتوتر في العائلة فقد ينتكس مؤقتًا في تلك الأوقات.
لابد أن تتعرف على تلك المواقف التي قد تسبب لك مشاكل مع طفلك، بعض هذه المواقف قد يكون إيجابيًا والآخر سلبيًا، فمثلاً:
٠ مواسم الأعياد.
٠ الإجازات الكبرى.
٠ إجازات المدرسة.
٠ المعسكر الصيفي.
٠ الرحلات.
٠ طفل جديد في العائلة.
٠ أول أيام أو أسابيع بالمدرسة.
٠ مدرسة جديدة.
٠ تغيير المنزل.
٠ فقدان وظيفة أو صعوبة مالية.
٠ عودة الأم للعمل.
٠ مرض الطفل.
٠ طلاق الأم والأب.
٠ مرض في العائلة.
٠ وفاة شخص مقرب للطفل.
في هذه الأوقات لا تبدأ أي شيء جديد أو تتقيد دون مرونة بالقوانين، حاول أن تجعل روتين اليوم كما هو مألوفًا بسيطًا قدر استطاعتك وإذا شعرت بتراجع طفلك فعد ثانيةً لتطبيق وسائل التحكم.
فمثلاً: طفلة ذات خمس سنوات كانت تسير بنجاح على روتين صباحي ومسائي دون الحاجة إلى نظام النجوم، وفجأة عادت إلى طريقتها العشوائية الصعبة، احتار والديها في السبب ثم إدراكا أن العائلة بها عدد من التغييرات والصراعات، فالأب مثلاً قد ترك وظيفته لأخرى ولم يعجب ذلك التغيير الزوجة وكان هناك العديد من المناقشات والخلافات حول هذا الموضوع. ورغم أن معظم تلك الصراعات كانت بعيدًا عن سماع الطفلة ولكنها شعرت بالضغط المتزايد في العائلة.
فور إدراك الوالدين ذلك يجب تفسير الأمر للطفلة بصورة بسيطة مع العودة إلى نظام النجوم حتى تنتظم العلاقات ثانيةً. بعض الأطفال صعبي المزاج يكونون حساسين أكثر من غيرهم لعلاقتكما كزوجين وللتغييرات في محيطهم.
الأحداث الإيجابية مثل الرحلات والأعياد والعطلات لابد من ترتيبها ومناقشتها وقد يتفاعل الطفل مع كل ذلك الحماس بالتدهور والتغيير للأسوأ. ولكن حاول الاستمرار قدر إمكانك على الروتين اليومي، وأعد استعمال وسائل التحكم من جديد لو احتجت إليها مثل: ساعة التغيير، وحضِّر طفلك جيدًا للمواقف الجديدة، عرفه على جدولك للسفر والخطة الموضوعة للعطلة. وتحدث الانتكاسة المؤقتة عادةً بأن يصبح أكثر خوفًا وتعلقًا بك، يتغير نظام نومه، أو يسيء التصرف، لا تقلق ولا تنتكس أنت أيضًا وحافظ على أسلوب متعاطف محايد، حاول توفير قاعدة آمنة للطفل عندما يمر بوقت صعب وغالبًا ما ستكون تلك الانتكاسة مؤقتة.
الطلاق والزواج الثاني
النظام الجديد للعائلة كأن يربي الأطفال والد وحيد أو زوج أب أو أم قد أصبح أكثر شيوعًا الآن. وهناك العديد من الدراسات حول تخفيف ضغط الطلاق على الأطفال.
هنا بالنظر إلى الطبع المزاجي للطفل، الثبات هو مفتاح التعامل مع الطفل الصعب، لو تعامل كل الكبار المهمين في حياة الطفل معه بنفس الطريقة التي ناقشناها سيمر خلال تلك الأزمة. قد يكون هذا صعبًا جدًا في بعض حالات الطلاق لأنه يحتاج إلى اتصال عقلاني يكون صعبًا جدًا في هذا الجو المشحون، ولكن لابد من المحاولة بأفضل ما تستطيع أن تفصل مشاعرك الشخصية تجاه طليقك عن علاقتك مع طفلك.
عندما يزور الطفل الأب خلال العطلات أو في نهاية الأسبوع لابد أن يحافظ الأب ما أمكن على روتين الطفل المعتاد (ولا داعي لجعل الطفل ضحية العناد والرغبة في الانتقام من الطرف الآخر).
أهم ما يجب تذكره إنك لو كنت والدة عاملة لابد من التدقيق في اختيارك للراعي البديل (الدين – الأخلاق – السلوك الطيب).
في العائلات التي تحتوي على زوجة أب أو زوج أم لابد أن يشاركا معا في البرنامج وكذلك الأخوة نصف الأشقاء لابد من مشاركتهم في معرفة طباع الأخ المزاجية.
ملاحظة أخيرة: الطفل الصعب قد يشكل ضغطًا على الزواج ولكن نادرًا ما كان سببًا وحيدًا لقرار الانفصال، ولذلك حاول ألا تخرج غضبك على طفلك وتجنب الإشارة أو التلميح بأي وسيلة إنه كان سببًا فيما حدث أو في انهيار الزواج.
ويتبع >>>>>>:الطفـل العنيـد (10)
واقرأ أيضاً:
كيف نربي طفلاً منظمًا؟ (2) / الطفل العصبي / كيف تصنعين طفلاً يحمل هم دينه؟