منذ عدة أيام ونحن نصلي صلاة القيام بالمسجد جاءت صديقة لتقول لي همسا: فلانة طُلِقت وتريد الزواج وقالت لي أن أخبرك بهذا الأمر فقد تجدين زوجا مناسبا لها. وكانت قبلها بعدة أشهر اتصلت بي صديقة مطلقة أيضا وهي تقول لي أريد أن أتزوج وأسافر وقد تكونين سببا في ذلك.
وكان رأيي للاثنتين : أتمنى أن أكون سببا في سعادتكما وأسأل الله تعالى أن يغنيكما من فضله.
فجالت بخاطري مسميات أطلقها المجتمع على من لا زوج لها كالآتي:
-العانس : وهي التي كبر سنها ولم تتزوج بعد.
-المطلقة : وهي التي طَلقها زوجها أو خلعته.
-الأرملة : وهي التي توفي زوجها.
ولكن القرآن الكريم جمع الكلمات السابقة - والتي قد تسبب حرجاً لمن يتصف بها - في كلمة "الأيِّم"، وقد تطلق هذه الكلمة علي الرجل أو المرأة حيث قال تعالى في سورة النور:
"وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" صدق الله العظيم
في بيت الأيامى - وهو البيت الذي توجد به أكثر من أيِّم، كالأم وبناتها - يوجد شيء من النزاع على السلطة في قيادة المنزل فتكثر الصراعات، فالابنة التي لم تحقق شيئا عمليا تسعى لنيل الزعامة المنزلية، وأظن أنه بعد سن معين فإنه من الأفضل الانفصال عن بيت الأسرة، لأن الغالبية لا تستوعب أن لكل خياراته ونظامه الخاص، وليس الطاعة العمياء للنظم المنزلية بغرض السيطرة والتسلطية.
- قد تكون الأيِّم عاملة وقد يكون يومها ممتلئا بالاهتمامات والتحديات والأنشطة المختلفة مثلها مثل زميلتها المتزوجة تماما، إلا أن المتزوجة والتي تكون مسئوليتها زائدة برعاية زوج وأولاد فإنها تكون مستقرة نفسيا بشكل أكبر من غير المتزوجة حتى وإن قضت ليلها في العناية برضيعها وفي الصباح تذهب لعملها، فأقول سبحان الله، كيف ذلك وقد نامت نوماً متقطعا؟ إلا أنه عندما مرضت أختي ونام بجواري طفلها ذو البضعة أشهر وكان يستيقظ كل ساعة تقريبا فأنتبه من نومي لأحمله وأضمه وأهدئه، حينها شَعُرت بإشباع وإمتاع الأمومة وكيف ترجع الأمومة بفائدة عظيمة على الأم تنسيها التعب والمجهود، فقلت في نفسي الآن قد علمت واحدة من أسباب الاستقرار النفسي للمرأة المتزوجة وهي "الأمومة".
- تشعر المتزوجة بالرضا حينما لا يبخل عليها زوجها بالحب والحنان والدعم والتشجيع والاحتواء وقد تكون هذه الأمور سبباً آخر من أسباب الاستقرار النفسي للمرأة المتزوجة وهي "أن يشاركها في رحلة حياتها رجل يحبها وتحبه".
فحياة المتزوجة ممتلئة بالمسئولية إلا أنها نابضة بالحيوية والتجدد والإشراق، بينما حياة الأيِّم يعتريها في بعض الفترات نوع من الكآبة وكأنها حياة بلا ألوان، ونجد ذلك واضحاً في حديث مجموعة من الصديقات الأيامى فثمة كآبة مشتركة تظهر في حديثهن من آن لآخر, فقد تحتاج الأيِّم إلى الحب, وقد تحتاج إلى التشجيع، وقد تحتاج إلى الاهتمام, ولكنها تبذل ذلك كلما احتاجت له لتشعر به من داخلها.
تحاول الأيِّم أن تظهر قوية متماسكة، ولكنها تتعرض بين فترة وأخرى إلى أنواع مختلفة من الصراعات، فقد تكون في حالة ضعف وتحتاج إلى الدعم، ولكنها تظهر قوية خاصة إذا كانت مسئولة، وقد تعاني من عدم وجود زوجٍ معها، سواء كان ذلك برغبتها، أو أن وحدتها وضع قدري فُرِض عليها، ولكنها لا تستطيع البوح بذلك لأنه عيب وغير مقبول فضلا عن أن رأي الكثيرين أنه من الممكن أن تظل الأيِّم طوال العمر بدون زواج ولا مشكلة من ذلك بينما لا يستطيع الرجل ذلك، وقد تتعرض الأيِّم للوم بدءا من التلميح إلى القول الصريح بأنها مدانة لعدم وجود زوج معها كما لو كانت مجرمة تحاول تبرئة نفسها بأن ليس بها عيباً خطيراً وأنها ليست سيئة لكونها وحيدة، وقد تتعرض الأيِّم لمواقف مختلفة من الاتهام بالحسد لظنّ البعض بأن فاقد الشيء في الغالب يتمنى زواله من الآخرين.
من آن لآخر تشعر الأيِّم بأنها تحمل مشاعر كآبة وحزن، تشعر بسنين عمرها تمر وهي نصف إنسانة، حتى وإن ادَّعت بأن ذلك أفضل وأكثر راحة من المتزوجات.
استمعت لصديقاتي بحقهنِّ في بحثهنِّ عن زوج يَسكُنَّ إليه ويَسكُنُ إليهِنَّ، فهذا حق لهُنَّ، ولكن للأسف يرى آخرون أنه من الكرامة ألا يعرض أحداً امرأة على رجل، ولكنني أرى أن هذا الكلام فقد صلاحيته في هذا الزمان.
تتمنى الأيِّم أن تتجاوز وحدتها، ولكنها تخشى أن يدخلها اختيارها في بيت العنكبوت، فتقييم المجتمع لها في الغالب بالسالب، وحولها الكثير من علامات الاستفهام وكأنها لغز من الأفضل الابتعاد عنه.
إلا أنها تحاول وتواصل وتناضل لتحيا كإنسانة، تقدر نفسها وتحترم ذاتها وتدعم من حولها.
ورسالتي إلى الأيامى - وأنا منكن - لا تخافوا من الغد، فالغد غيب في علم الله، وعليكنَّ باليوم، فاغتنموا الوقت والجهد في الاستمتاع بالحياة وتحقيق رضا الله، أعطوا فائض مشاعر أمومتكم للأيتام، شاركوا في الأنشطة التطوعية، فهي بمثابة فرض كفاية ترفعونه عن أخواتكم المتزوجات، فكروا في نعم كثيرة منحها الله لكنَّ، مقابل ما منع عنكن بحكمته وتدبيره سبحانه وتعالى، فالله يعلم وأنتم لا تعلمون، وأيضا هو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته، ورحمة الله تعالى لها أوجه كثيرة
واقرأ أيضاً:
عندنا فرح / وكسرها........ / يا ليت قومي يعلمون / التخلخل والخلل: على شفا جرف هار!