بجوار المنزل مسجد والآن هو وقت خطبة الجمعة والشيخ منفعل جدا وهو يناقش موضوع الكاسيات العاريات وقصات شعر الفتيات اللاتي يستوردنها من الكافرات, وعلى الشاب ألا يعرف شيئا عن الفتيات أو فقه الزواج قبل ليلة البناء وأنه من العبث تثقيف الأولاد في سن الثانية عشر بأي شيء، وبالطبع لم يتكلم عن "البنت" ولم يشر حتى إلى ضرورة تعليمها فقه الزواج كما أشار إلى الشباب.
فتذكرت أنني عندما كنت أدرس الفقه كانت الكتب والمحاضرات كلها تركز على ضرورة تعلم الرجل لفقه المرأة ليقوم بدوره بتعليم زوجته وكأنها غير مكلفة مثله بطلب العلم وهو من سيعلمها أحكام الاغتسال وخلافه!
فسرحت بخيالي لحال الكثيرات "من الطبيعيات"، فوجدت أن العديد من الفتيات مكتئبات لأنهن مؤدبات، محافظات على التقاليد والعادات، ولا تستطيع الخروج عن القضبان حتى وإن كان في فسحة من المباحات.
فهذه تزوجت ولأنها فتاة ملتزمة جدا ومهذبة جدا جدا طلقت بعد شهرين لأن زوجها يطلب منها أشياء لم تتعلمها في القرآن الذي تحمله ولم تقرأها في السنّة المشرفة، فخرجت من هذه الزيجة بحمل وقهر وذل، ولدت الطفل وحدها وتقوم بتربيته وحدها، وتتمنى الزواج كغيرها حتى وإن كانت تجاوزت الأربعين، ولكن إذا تقدم لها خاطب، يثبطها أهلها ويقولون لها لقد جربت حظك وتقدم سنك فعيشي لتربية الصغير وخدمة أمك. ولذلك تكتئب من أبسط الأمور وتثور.
وعند النقاش تقول أنها لا تستطيع ولن تستطيع أن تعيش كما تريد إلا عندما يتغير رأي أهلها، فيشعرون بإنسانيتها وحقها ولا يعضلونها، ولكنها متيقنة من عدم قدرتها على السباحة ضد التيار فهي تفضل وتختار الإحساس بالظلم والقهر عن الانتفاض لحياة ترغبها وتراها الأفضل وأظنها غير واعية بالاختيار الأول وغير واثقة في قدرتها على الاختيار الثاني.
وأرى من هي في مثل عمرها وقد خرجت عن قضبان العرف والتقاليد فاستقلت بحياتها واستمتعت بها فتفعل ما تشاء وتتعدد أمامها الخيارات.
فهل أقصى اليمين أو أقصى اليسار؟ وهل من توازنات أخرى؟
وهذا العصف الذهني ذكرني بمن أعرفهم وقد ابتعدوا عن الدين كلية, واتجهوا لعالم الإلحاد لأنه الأفضل لاستقرارهم النفسي، فقد ابتعدوا عن القيود.
فهل الدين قيد؟ أم منهاج للحياة؟ هل الالتزام بالدين يسبب الاكتئاب؟ فلا للدين حصل ولا على الجمر قبض؟ أم أن التطبيق الأجوف هو السبب؟ هل الكاسيات العاريات هن سبب أزمة الشباب؟ أم أن الواقع المختل سبب الكثير من الخلل؟
أ
خبرتني أمي منذ كنت صغيرة أن شباب الزمن الماضي كانوا على خلق ولم يكن هناك دعوة دينية مثلما الآن، ولم يكن يتكلم شاب مع فتاة إلا من أجل الزواج، والآن أرى الفتيات يخرجن مع الشباب بل ويرقصن أحيانا بالشارع لمجرد تسلية الوقت وهن واعيات بأنها علاقة "طياري"، فهل مشكلة الشباب في خروج الفتيات كاسيات عاريات؟ أم أن الأمر أعمق من ذلك؟
هل نحن بحاجه إلى علماء البوذية ليعلمونا التأمل وتصفية الذهن من دوشة العولمة وطغيان الرأسمالية الظالمة المستعبدة التي نعيشها؟ أم أن في منهاج النبوة الحقيقي من السعة ما يغني عن ذلك؟
أظن أننا بعدنا كثيرا وتأخرنا كثيرا عن المنهاج الصحيح وعن الدين الحقيقي .
فتبا لمن يدعون لتضليل الناس باسم الدين لأهواء ما أنزل الله بها من سلطان.
وتبا لمن يسمع بأذن من طين وأذن من عجين باسم العرف والتقاليد.
وتبا لمن يسكت عن الحق وهو قادر على الإشارة إلى الصراط المستقيم "الحقيقي".
وأظن أنه آن لنا الرجوع للإسلام الحقيقي برحمته وإنسانيته وكرامته – لم أحدد معالم الطريق بعد -، وليس التطبيق الأجوف المشوه الذي تخلل فسبب الكثير من الخلل، فتخلخل المجتمع مثلما يسبب الزلزال في طبقات الأرض من انزلاقات وانهيارات.
واقرأ أيضاً:
وكسرها........ / يا ليت قومي يعلمون / حياة الأيامى / دعوها