ازدواجية العواطف Emotional Ambivalence هي حالة نفسية يشعر فيها الشخص بمشاعر مزدوجة تجاه شخص معين أو عدة أشخاص أو تجاه نفسه. ولها أسباب وأعراض ويترتب عليها نتائج سوف نتعرض لها في هذا المقال.
العاطفة كما نعلم تتمثل في مختلف الأحاسيس والمشاعر الجميلة منها والسيئة على حد سواء. ولكن في اللغة العربية عادة ما تستخدم لبيان العواطف الجميلة. عَطَف على فلان حسب القواميس يعني رقَّ له وتودد اليه، إلاّ أن العواطف Emotions قد تكون إيجابية أو سلبية بما أنها أحاسيس ذاتية. ولذلك هي موضوع رئيسي من مواضيع علم النفس. أما عامة الناس فتصفها في جوهرها أنها إما سارة أو غير سارة، خفيفة، سطحية، عميقة أو شديدة ،عابرة أو دائمة كالفرح مثلاً لكن الكثير من الناس غير واعين بأن العواطف تتدخل في السلوك وقد تحدده أو تحسنه أو تغيره وفي هذا التقديم أشير إلى أن بعض العواطف قد تكون غير سوية مثل ازدواجية المشاعر.
إذا دققنا جيدا في مفهوم فرويد عن الازدواجية، نجد أنه يتحدث عن ميول فطرية، لكنها تعمل باتحاد واتصال مع الأنا، أي الضمير، ومع العالم الخارجي، حينما تتحول إلى موضوعات. وتظلّ هذه الميول تحمل طبيعة الازدواجية، من دون أن تكون صفة مَرَضية. ومثل هذا الأمر ينطبق على الظواهر الاجتماعيّة والمجتمعات أيضا، كما يرى فرويد.
لكن، حينما تتجاوز هذه الازدواجية حدودها، كميل فطري غريزي، في مرحلة متقدمة من مراحل التجربة (تطور نموّ الشخصيّة) فقد تغدو ميلا مرضيا. أي أن ميول الكراهية والحب موجودة فينا، استنادا إلى وجود غرائز الحياة (الحب) وغرائز الموت (التدمير). ولكنّ هذا لا يعني أنّ البشر يولدون أشرارا أو أخيارا. إن الغريزة بالمفهوم الفرويدي محايدة، وإننا نحن الذين نكسبها محتواها الشرير أو الخيّر بالاستعمال والتوظيف في مرحلة متقدمة من مراحل النموّ.
استخدم فرويد هذا المفهوم كاساس لعمله الكلينيكي حيث اكتشف في تحليلاته للعصابيين أن أغلبهم يعانون من عواطف متضادة حيث يقول :"لا يوجد عصاب بدون تناقضات ورغبات متضادة، حيث جزء من الشخصية يميل نحو رغبة وجزء آخر نحو أخرى".
ربما نشأ هذا الاعتقاد لدى فرويد من رأيه حول عقدة أوديب حيث يعتقد فيها أن الابن يكره أباه ويحبه في نفس الوقت فهو يريد الاقتراب من الأب وفي نفس الوقت يريد أن يبتعد عنه. وهذه الفكره هي إحدى الأنماط الأساسية في نظرية التحليل النفسي.
وعلى نفس المنوال تطرق للغريزة التدميرية أو غريزة الموت (آروس) والرغبة والاشمئزاز منها في آن واحد حسب رأي فرويد لكي نضمن الصحة النفسية للأشخاص هو توجيه غريزة الموت أو التدمير إلى الخارج من الذات.ولكن هذه الطريقة هي التي بالضبط تريد التنشئة الاجتماعية منعها وإيقافها. ولكن التعمق في غريزة الموت أوصل فرويد إلى الغوص في الذات واكتشاف ثنائية العواطف مرة أخرى.
إذاً هذه الحالة تنشأ في الطفولة عندما يكون الطفل في المراحل الأولية للنمو النفس جنسي حسب تصنيف فرويد. ويتم تثبيت هذه الحالة إذا كانت تصرفات الآباء والأمهات متضادة. فالأم التي تحنو على ابنتها وتتحب إليها بشكل إفراطي ثم تنهرها على تصرفات لا تستحق وتبعدها عن نفسها ترسخ المشاعر المزدوجة لدى ابنتها. وكذلك الابن الذي يشعر بعداء تجاه والده ويحاول التنافس معه حول الفوز بقلب الأم، تترسخ لديه هذه المشاعر إذا كان الأب فظاً غليظاً معه تارة ورحيماً لطيفاً تارة أخرى. فهنا يصاب الطفل بتأنيب الضمير بسبب معاداته لوالده والبغض تجاهه في نفس الوقت.
الأعراض:
إن لم يتم التخلص من هذه المشاعر المتناقضة تجاه الوالدين و هما حجر الأساس لتشكيل العواطف سوف تستمر الحالة هذه مع الأشخاص المهمه في حياة الشخص بحيث:
-في الحب دائماً ما يتصرف بتصرفات متناقضة أحياناً يقترب إلى المحبوب وأحياناً يتصرف تصرفات تبعده عنه وتصل هذه الازدواجية إلى درجة لا يعلم فيها المعشوق هل يحبه العاشق أم يكرهه.
-في الزواج يبذل جهده لإرضاء زوجه أو زوجته ولكنه في نفس الوقت يتصرف تصرفات نبهه الطرف الآخر سابقاً بأنها تصرفات مؤلمة أو غير محببة له. ولكنه يكررها لاشعورياً فيجعل الآخر إما يكرهه أو يدوخ في التعامل معه وتفسير تصرفاته.
-في التعامل مع أبنائه يقترب منهم تارة ويبتعد تارة أخرى مما يؤدي بدوره إلى تربية أبناء يعانون من نفس الأعراض.
-بما أن هذه الحالة هي في الواقع عملية لاشعورية لايعلم فيها الشخص بأنه يكن مشاعر البغض والحب في آن واحد للطرف المقابل يستغرب لماذا تصرفاته الودية لا تلقى قبولاً من الطرف الآخر. وما هو سبب الملامة من أقرب الأشخاص إليه؟
-لا يستطيع الشخص الغور في علاقة عميقة ومستمرة مع شخص آخر سواء أهله أو عائلته أو محبوبه أو صديقه فهو مستعد دائماً لفسخ العلاقات وإن كان ذلك صعب له بسبب البعد الإيجابي لعلاقته ولكن بما أنها غير عميقة فلن يستمر حزنه على فقد الأشخاص لفترة طويلة.
-دائماً يفتقد الشخص العلاقات الحميمة الودية ويشعر بالوحدة لعدم استمتاعه بالأنس التي هي غاية من الغايات المنشودة لدى الإنسان.
-عدم تقبل الآخرين لحبه بسبب أنها ملوثة بالبغض وهو غير واعي بها قد يؤدي به في النهاية إلى الشعور بأنه منبوذ وغير محبوب وأن كل محاولاته للتقرب إلى الآخرين فاشلة وأن الناس لا يقدرونه ولا يفهمونه.
-تشديد هذه الحالة يسبب تشديد الخلل في العلاقات الاجتماعية وإيجاد نوع من التشاؤم في التعامل من الآخرين.
طبعاً هذه الحالة في مجملها كغيرها من العواطف والمشاعر تقع في طيف من الشدة والخفة وبالتالي كلما اشتدت الحالة كلما اشتدت الأعراض والنتائج السلبية لها.
النتائج:
كما هو في الفيزياء حيث كل فعل له ردة فعل كذلك في السلوك الإساني. فالأعراض التي ذكرناها أعلاه يترتب عليها نتائج تجاه الشخص أهمها هي كالآتي:
-فقدان الثقة تجاهه: لا يستطيع الناس أن يثقوا بإنسان تصرفاته متغيرة وليست على وتيرة واحدة. وأهم الأشخاص هنا هم أقربهم إليه في الحب أو الزواج أو العلاقة الوالدية. يفضل الإنسان أن يتربط بشخص أقل رومانسية ومشاعر ودية ولكن أكثر ثباتا من شخص لا تعلم ماذا ينوي تجاهك بالضبط فكثيراً ما يعيش شخص مع آخر لسنوات طويلة وفي النهاية لا يعلم هل الطرف المقابل يحبه أم لا؟ والأدهى والأمر من ذلك أنه هو لا يعلم في النهاية ماذا كان يكنه تجاه ذلك الشخص ويستغرب إذا فقده من عواطفه تجاهه!
-فشل العلاقات العاطفية: ازدياد هذه الحالة في الشخص إذا تقارن مع ارتفاع في نسبة جهله لأعراضه وحالته سوف يسبب في فشل علاقاته الغرامية أو الزوجية دون أن يعلم ما هو السبب أو أنه هو السبب في ذلك.
بالطبع كل ذلك يحصل بسبب عدم وعي الفرد بنفسه ومشاعره ولذلك لا يستطيع من حوله تنبيهه على تصرفاته لأنه لا يشعر بها أساساً إلا إذا أخضع نفسه للتحليل الذاتي أو العلاج النفسي. ومن المطلوب أن يراجع الإنسان ذاته حين يكثر عليه الالتباسات أو الانتقادات ليرى هل المشكلة تنبع منه فعلا أم من الآخرين؟ وماهي مشاعره الحقيقية تجاه من يحبهم؟
واقرأ أيضًا:
لماذا الرجال أكثر عرضة للشذوذ الجنسي من النساء؟ / سيكولوجية المتقين (2) / كيف تجتنب النساء إيذاءات المنحرفين / وباء النرجسية