مقدمة
تستهدف هذه المراجعة توضيح موقع هذا العقار في الطب النفسي بصورة موجزة من خلال مراجعة استعماله في الممارسة الطبية السريرية للصحة العقلية.
نزل هذا العقار الأسواق في عام 1996 ويمكن القول بأنه آخر عقار مضاد للاكتئاب من الجيل الجديد لمضادات الاكتئاب يُستعمل بصورة واسعة نسبياً. ولكن هل هو عقار جديد حقاً؟
ليس هناك من جديد بصراحة في هذا العقار الذي ينتمي إلى عائلة العقاقير المضادة للاكتئاب الرباعية الحلقة Tetracyclic Drugs ، وكان أشهرها عقار الميانسيرين Mianserin . هذا العقار ضاع ضمن شهرة وشيوع استعمال العقاقير الثلاثية الحلقة Tricyclic Antidepressant التي لا تزال تصارع العقاقير الحديثة المضادة للاكتئاب تسويقيا حتى يومنا هذا.
عقار الميرتازابين لا يختلف كثيراً عن العقار القديم (الميانسيرين) الذي يجهل وجوده الكثير من الأطباء. هذه التشابه لا يشمل فقط التركيبة الكيمائية للعقار وإنما طريقة استعماله، أعراضه الجانبية، والجرعات المستعملة في الممارسة السريرية. لم يوفق العقار القديم في احتلال موقع متقدم ضمن العقاقير الأخرى وكان دوماً يُضاف إلى عقار آخر بدلاً من استعماله بمفرده كمضاد للاكتئاب. مع مرور الوقت انتهى أمره ومن شحة استعماله انتقل إلى مخازن ومستودعات العقاقير بدلاً من وجوده في الصيدليات.
لكن عقار الميرتازابين ربما أكثر نجاحاً من العقار القديم.
استعمال العقار في الممارسة السريرية
لا يوجد دليل علمي إحصائي يشير إلى أن هذا العقار أكثر فعالية من مثبطات استرجاع السيروتنين (م.ا.س) وموقعه ضمن العقاقير المضادة للاكتئاب هذه الأيام التي تتصدرها م.ا.س لا يختلف عن موقع الميانسرن أيام ما كانت مضادات الاكتئاب الثلاثية الحلقة تتصدر السوق. مع مرور الوقت ترى هذا العقار يشيع استعماله كعقار مساعد يضاف إلى م.ا.س مع وجود أعراض اكتئاب لم تستجب للعقار الأولي.
يبدأ العلاج أولاً باستعمال قرص 15 مغم ليلاً لمدة أسبوع على الأقل ويتم رفع الجرعة بعدها إلى 30 مغم. أكثر ما يميز العقار عن غيره في هذه المرحلة تلطيفه للنوم ليلاً وللشهية نهاراً ويشكو المريض بعد مدة لا تتجاوز بضعة أسابيع من ارتفاع الوزن وخمول وإرهاق وقت الصباح. رغم ذلك فإن البعض من المرضى المصابين بالاكتئاب يرحبون بهذه الأعراض الجانبية أحياناً والبعض الآخر يرفضون الاستمرار على العقار بسببها.
ليس هناك ما يمنع الطبيب العام أولاً والاستشاري ثانياً من بداية علاج الاكتئاب باستعمال هذا العقار ولكن الغالبية منهم يميل إلى استعمال السيتالوبرام ( Citalopram ( Cipram أولاً استناداً إلى الإرشادات الطبية المحلية ولكن مع فشل العقار بسبب عدم الاستجابة أو الأعراض الجانبية فقد يفكر الطبيب بعدها بعقار آخر من صنف م.ا.س.ا أو يلجأ إلى الميرتازابين بدلاً من إضافته إلى عقار آخر في هذه المرحلة.
لا يعتبر هذا العقار الاختيار الأول في علاج الاكتئاب الجسيم الشديد أو المقاوم للعلاج ولكن هناك من الأطباء من يرفع الجرعة إلى 45 مغم ليلا وهناك من يتجاوز المألوف في الممارسة السريرية ويرفع الجرعة إلى 60 مغم ليلا. مع ارتفاع الجرعة إلى 45 مغم يوميا أو أكثر يختفي تلطيفه للنوم والشهية ويصبح شأنه شان بقية العقاقير المثبطة لاسترجاع السيروتنين أو النورادرينالين أو كليهما.
هناك استعمالات أخرى للعقار كثيرة الملاحظة في الممارسة السريرية وهي:
1- يتميز هذا العقار عن بقية العقاقير المضادة للاكتئاب بعدم تأثيره سلبياً على الفعالية الجنسية3. الشكوى من التأثير السلبي للعقاقير على الحياة الجنسية في الصحة النفسية شائعة وخاصة إن استفسر عنها الطبيب المعالج. يتم أحياناً تغيير العلاج إلى الميرتازابين في هذه الظروف ولكن المريض الذي تحسن اكتئابه بصورة ملحوظة قلما يقبل هذا العرض خوفاً من انتكاسة جديدة.
2- إضافته لعقار الفينالافاكسين Venlafaxine في الاكتئاب المقاوم للعلاج2. تحتاج هذه الخطوة مراقبة طبية منتظمة وتحت إشراف استشاري في الطب النفسي.
3- استعماله في علاج التململ الحركي Akathesia المصاحب لاستعمال مضادات الذهان1.
4- استعماله لعلاج الاكتئاب المصاحب للقهم العصبي.
رحلة المريض مع العقار:
نادراً ما يصل مريض من طبيب عام إلى استشاري في الطب النفسي وهو على عقار الميرتازابين كاختيار أول أو ثاني. رغم أن هناك بعض المرضى الذي يستجيبون له بصورة إيجابية بمفرده ولكن في غالبية الأحوال تتم إضافته إلى عقار آخر وخاصة الفينالافاكسين. خليط العقاقير المضادة للاكتئاب لا يستند دوماً إلى أدلة علمية دامغة لصعوبة إجراء البحوث الخالية من التحيز الإحصائي. ولا ينطبق ذلك على الخليط فحسب وإنما يتجاوزه إلى البحوث العلمية التي يتم إجرائها قبل تسويق العقار وطالما تم توجيه إصبع الاتهام نحو شركات الأدوية بعدم نشرها البحوث التي لم تستنج وجود فعالية إيجابية للعقار4. رغم ذلك الشكوك فإن العقاقير المضادة للاكتئاب لعبت دوراً إيجابيا لا غبار عليه في الصراع ضد الاكتئاب وتم إخضاعها لبحوث علمية أكثر دقة ومصداقية من جميع العلاجات النفسية الكلامية.
رغم تلطيف العقار للنوم والشهية إلا أن ارتفاع الوزن قد يتصدر جميع أسباب وقف هذا العلاج في الممارسة السريرية حتى مع استجابة المريض لعلاج الاكتئاب. رغم تأثيره الإيجابي على الفعالية الجنسية ولكن غالبية المرضى لا يرغبون المجازفة في تغيير العلاج إليه مع تحسن أعراض الاكتئاب مع عقار آخر ويفضلون الصبر على عودة الفعالية الجنسية إلى طبيعتها يوماً ما.
لا يحتاج العقار إلى متابعة طبية منتظمة بسبب تأثيره على إنزيمات الكبد وأعراض جانبية جسمانية متعددة. ولكن هناك عددا من الآثار السلبية Adverse Events المخيفة بشكل خاص للمريض ومنها الشفع أو ازدواج الرؤية Diplopia والذي هو أكثر حدوثا في السيدات خاصة خلال الشهر الأول من استعمال العقار، وهناك أيضًا متلازمة نادرة جداً تسمى متلازمة جوركن لها علاقة باستعمال هذا العقار.
حالة سريرية: سيدة في متصف العقد الرابع من العمر تعاني من اكتئاب مقاوم للعلاج تصاحبه أعراض ذهانية. لم تستجب للعلاج بمختلف العقاقير المضادة للاكتئاب وأكثر من علاج كلامي ومساندة اجتماعية ومهنية. تحسنت أعراضها المرضية في نهاية الأمر بنسبة 50% مع استعمال عقار الفينالافاكسين بعد أسبوعين من الوصول تدريجيا إلى جرعة 375 مغم يوميا مع الليثيوم 800 مغم يوميا يصاحبه تركيز طبيعي في الدم، وعقار الأميسيلبرايد Amisulipride 400 مغم يوميا.
لم تختفي أعراض الاكتئاب تماما ولا تزال تمنعها من العودة إلى ممارسة عملها وواجباتها المنزلية. وافقت على إضافة الميرتازابين تدريجيا إلى خليط العقاقير أعلاه حتى وصلت الجرعة إلى 45 مغم ليلا، وبعد أسبوعين من الوصول إلى هذه الجرعة اختفت أعراض الاكتئاب تماماً.
بدأت تشكو من آلام في المفاصل وجفاف العين والفم بعد 8 أسابيع مع ارتفاع طفيف في إنزيمات الكبد. راجعت قسم الطب الباطني وتم تشخيصها بمتلازمة جوركن Sjorgen Syndrome وهي متلازمة مزمنة يهاجم الجسد فيها أنسجة الغدد اللعابية والدمعية والمفاصل.
بدأت الشكوك تحوم حول جميع العقاقير وتم الاتفاق بين الأطباء على تخفيض جرعة الميرتازابين إلى 30 مغم ليلا أولا ولكن أعراضها الجسمانية لم تتحسن حتى مع جرعة 15 مغم ليلا. وافقت المريضة بعد تردد طويل على توقيف العقار الذي ساهم في تخليصها من الاكتئاب ولكن على مضض. ومع توقف العلاج اختفت المتلازمة ولم تعد بعد مرور عامين ولكن اكتئابها انتكس خلال 6 أسابيع من توقيف العقار.
الاستنتاج:
٠ عقار الميرتازابين له موقعه في علاج الاكتئاب ولكن تلطيفه للنوم والشهية بل وحتى الحياة الجنسية للمريض لا يحظى بترحيب الكثير من المرضى.
٠ رغم الإشارة إلى الحالة المرضية المدونة أعلاه فإن العقار لا يحتاج إلى مراقبة طبية منتظمة.
٠ قد يستحق العقار انتباه أكبر من الطب النفسي واستعماله بمفرده بدلا من وضعه كعقار احتياطي يضاف إلى غيره.|
المصادر:
2- Malhi G, Ng F, Berk M (2008).Dual-dual action? Combining Venlafaxine and Mirtazapine in the Treatment of Depression. Aust NZ J Psychiatry. 42(4): 346-349.
3- Saiz-Ruiz J, Montes J, Ibanez A, Diaz M, Vicente F, Pelgrin C, Vinas R, Arias F, Carrasco J, Ferrando L, Ramon Y. Cajal Research Group(2005). Assessment of Sexual functioning in depressed patients treated with Mirtazapine: A Naturalistic 6-month Study. Human Psychoparmacol 20(6): 435-440.
4- Turner E, Matthews A, Linardatos E, Tell R, Rosenthal R (2008). Selective Publication of Antidepressant Trials and its Influence on Apparent Efficacy. N Eng J Med 358: 252-260.
واقرأ أيضًا:
وصفات من الجحيم 3- اللامتروجين Lamotrigine / حكاية الم.ا.س والم.ا.س.ا: علاج الآثار الجنسية