تأملت نور في كلمة قديمة ذات أحاسيس عميقة مرتبطة عندها بالقدم والأصالة، "كلمة العشم"، وما تحمله من معان.
تحتار نور، هل مازالت هذه الكلمة؟ أم انتهت صلاحيتها؟ هل هذه الكلمة موجوة في العلاقات الصحية الحقيقية؟ أم أنها بأصالتها مرتبطة بالاعتمادية والتعلق؟
تعلمت نور من والدها أن تشارك أفراحها مع من شاركوها آلامها، فقد كانت تسمعه كثيرًا _رحمه الله تعالى_ وهو يقول: في فرحهم منسيون وفي همهم مدعوون! فقد كان دائمًا في عون مَنْ يعرف ومن لا يعرف.
هل كل الناس يا أبي متألمون ولا يجدون ما يفرح ليشاركونا كما نشاركهم آلامهم؟ هل لا يوجد عندهم غير الآلام والأحزان؟ وإذا حدث ما يفرح استعانوا على قضائه بالكتمان من باب "دارِ على شمعتك"
التمست نور العذر لمن تعرفهم، بأن أغلبهم يكافحون ويحاولون، وبالطبع ما بين الحين والآخر متألمون. ترحب بمشاركتهم ومساندتهم. ولكن عندما كانت حدودها النفسية غير مؤمنة. دخلت نور في كهفها معتزلة الناس؛ لأنها لا تتحمل حمل المزيد من الألم. فجميع من تعرفهم يكافحون، ولكنهم لا يعلمون أنها تحتاج قسطا من الراحة؛ لتلتقط أنفاسها وتراجع نفسها وتشحن طاقتها وتراجع علاقاتها لترتبها، ثم تؤمن حدودها النفسية لتحميها من الاختراق. فهي دائما تبحث عن النور.
منذ عدة أيام أنجبت قريبتها بنتين بعد عدة سنوات من الزواج بدون أبناء. فرحت نور كثيرًا ولكنها تألمت قليلا لأن خبر الحمل كان خفيا خشية الحسد!
وما زاد من ألمها هو أنها كانت شاركت قريبتها نفسها منذ حوالي ثلاث سنوات، عندما أنجبت القريبة ولدين وتوفيا.
تتذكر نور مشاركتها في غسل وتكفين الأطفال بألم. تتذكر حملها لأحدهما في كفنه والسير به مسافة معقولة إلى المسجد والانتظار لوقت الصلاة القادم. يا الله موقف مهيب يسوده الصمت أثر بها أكثر من شهر.
أليس من حق نور أن تحمل الفرح وتشاركهم كما شاركت في الألم؟
هل هذا عشم؟ أم تعلق؟
تتأمل نور في حال قريبها "والد قريبتها"، وولي أمرها بعد وفاة أبيها، والذي يعد في عرف الناس "والد"، ولكنه يخشى على ابنته الحسد!
فيكتب على بابه ممنوع الاقتراب أو التصوير. معلنها للجميع: محدش يزورنا في البيت لأننا خائفون.
تتساءل نور:
هل هذا هو الولي يا أهل الدين الذي تطلبون رفقته في سفرها؟ أو توقيع عقد زواجها؟
أصبحت نور تضحك باكية كلما سمعت هذه الكلمة وتشعر بفراغ غياب مقصدها. وتتساءل ألا يوجد معيار لذلك الولي؟ أم أنه أصبح في عصرنا هذا مجرد واجهة اجتماعية مجوفة خالية من المعنى؟
قررت نور أن تحترم نفسها وأن تحترم حدودها النفسية، وأن تراعي حدود الآخرين. محترمة خياراتهم ومستوعبة إياها جيدا. إلا أنها أصبحت أكثر انتقاء لدائرتها المقربة ولمن سيشاركونها رحلتها.
تتطلع نور لعلاقات حقيقية صحية ناضجة مع أناس حقيقيين، فقد تلقت رسائل قوية ومتتالية في التعلق بكل أشكاله وصوره. فهي دائما تبحث عن النور.
واقرأ أيضاً:
دعوها/ التخلخل والخلل: على شفا جرف هار! / فروض الكفاية