ذهب كل المدافعين عن المستشار أحمد الزند (وزير العدل المقال) إلى أن ما حدث منه كان زلة لسان، وأنه لم يقصد إهانة النبي حين قال أنه سيحبس كل من يخطئ في حقه حتى لو كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم.... وهؤلاء المدافعون لا يعرفون ماذا تعني زلة اللسان في علم النفس، فهي تعبير عن مكنون النفس الحقيقي، وهي إحدى الوسائل لمعرفة مخزون اللاشعور، أي أن اعتبار ما حدث زلة لسان لا يبرئ صاحبه بل يدينه أكثر لأن اللاشعور لا يكذب ولا يتجمل بل تفلت منه العبارة العاكسة لقناعات الشخص الحقيقية على الرغم من أنه ربما ينزعج منها على مستوى شعوره ويحاول التراجع عنها لأنه على مستوى الشعور قد لا يستطيع قبولها أو قد يخشى عواقبها فيعتذر ويتراجع. وهذه الزلة تحمل في طياتها حالة الاستعلاء على الجميع بما فيهم مقام النبوة، وهي متسقة مع تصريحات وسلوكيات كثيرة للمستشار الزند.
وعلماء النفس التحليليين ذكروا بأن محتوى اللاشعور يكون بعيدا عن منال الإنسان في الأحوال العادية، وأن ثمة نوافذ قليلة يمكن أن تفتح على هذا المحتوى فنطلع على قدر منه، وذكروا من هذه النوافذ زلات اللسان والأحلام والتداعي الحر، ومن هنا لا تعتبر زلة اللسان لغو حديث بقدر ما تعتبر تعبيرا عن أعماق النفس الخفية.
ولو ربطنا زلة اللسان هذه بتصريحات أخرى للمستشار الزند وهو وزير للعدل نتذكر حين قال بأن القضاة أسياد وغيرهم عبيد ، وقال بأنه لن يهدأ له بال حتى يعدم عشرة آلاف من الإخوان مقابل كل جندي أو ضابط من الشرطة أو الجيش، وصرح في الكويت أنه يريد أن يصدر تشريعا يعاقب والد ووالدة أي شخص يتهم بالإرهاب، وأنه سيسجن كل من أخطأ في حقه حتى ولو كان النبي، وأن تعيين أبناء القضاة سيستمر رغم أنف الجميع مهما كانت الاعتبارات، وأن المواطن المصري يستطيع أن يعيش بجنيهين في اليوم. وهذه التصريحات تعكس جنوحا في التفكير وقصورا في الرؤية لدى الرجل ولا تليق بمقام منصب وزير العدل الذي يفترض فيه أن يكون رزينا ومتوازنا ومحايدا حتى مع من يكرهه أو يعاديه.
ولو أضفنا إلى ذلك حالة الغضب الدائمة التي يظهر بها الرجل في جل أحاديثه وتصريحاته وحجم صراعاته مع كثير من الأشخاص والفئات، ندرك حجم الخطر في سلوكه حين يكون مسؤولا عن منظومة العدالة في مصر، فالمفترض أن القاضي لا يقضي وهو غضبان، وأن القاضي لا يدخل في خصومات شخصية مع أحد، وأن القاضي يلتزم بنصوص القانون فلا يتوعد ولا يهدد أحدا بناءا على اعتبارات شخصية أو توجهات فكرية، والقاضي لا يتعالى على الناس ويعتبر نفسه سيدا وهم عبيد، والقاضي لا يتصرف بعنصرية، والقاضي لا يحمل الأب والأم خطأ ارتكبه الابن مهما كان حجم هذا الخطأ فالقاعدة القرآنية (والقانونية أيضا) هي "أن لا تزر وازرة وزر أخرى"، والقاضي لا يصر ويؤكد مبدأ المحسوبية في التعيين.
لاشك أن تصريحه المسيء الأخير كان حلقة في سلسلة من التصريحات الجامحة والجانحة والتي كانت مشبعة بمشاعر الغضب والكراهية والرغبة في الانتقام من الخصوم، وحالة من الجاهزية للاشتباك والصراع مع كل من يختلف معه، ويزيد الأمر خطورة أن الرجل كان مسؤولا عن إدارة منظومة العدل في البلاد وهو بهذه التركيبة المندفعة نحو الصراع دائما.
وأخيرا نسأل الله له الهداية وقبول التوبة.
واقرأ أيضًا:
أنا السيسي / مصر بعد الانقلاب: الأمن عاد، والخوف ساد! / الدم الرخيص / سيكولوجية الثورة