مضطرا للكتابة أجدني في خضم حرمان من الإنترنت.. ومجانين وسداد وأسماء وأميرة وحنان وعلاء مرسي.... إلى آخر المستشارين الذين تعرفون أنهم معنا ينشطون الآن... حرمان من كل هذا بدأ مساء الإثنين حين اكتشفت أن الإنترنت في مجانين مقطوع ولا توجد حرارة في خط التليفون.
أجريت عددا من الاتصالات لأضمن إصلاح خط التليفون قبل عودتي من العيادة مساء الثلاثاء... لأجهز مجانين لأني قررت في سفري هذا إلى دبي ألا آخذ أي وسيلة تمكنني من تحرير مجانين أو تحديثها..... على أن أرتب كل شيء مساء الثلاثاء وقررت أن أعطي نفسي إجازة بالعافية بحيث تبدأ الخميس 28 أبريل وتنتهي مساء الأحد 1 مايو.... وربما ساعدني على ذلك أني كنت سأذهب أولا إلى كلية التربية الفنية بدعوة من أ.د عايدة أبو القطط لمناقشة رسالة عن أثر العلاج بالفن على مرضى الفصام.... أي أنني كنت سأتصفح الرسالة الورقية وليس لابتوب.
في حوالي الحادية عشرة صباحا وأنا في عيادة الزقازيق عرفت أن خط التليفون في مجانين تم إصلاحه لكنني للأسف أعتمدت على راوية موظف السنترال (مواطن مصري في شركة مصرية) قال لي كله تمام يا دكتور وهو أصلح من الخارج أي من الصندوق خارج البيت يعني لم يجرب التليفون.....! ورغم ذلك لم أنتبه إلى أن القاعدة في مثل هذا النوع من التواصل هي الكذب....
خرجت من العيادة في حوالي التاسعة مساء الثلاثاء قاصدا مجانين لأفاجأ بأن الحراة ما تزال مقطوعة... سلمت أمري إلى الله وكنت مضطرا للاستيقاظ مبكرا لأسافر إلى القاهرة صباح الأربعاء 27- 4-2016 لارتباطي بمناقشة الرسالة... وقلت أحاول تحرير مجانين من عيادة روكسي في القاهرة.
واستغرق الطريق 3 ساعات كاملة رغم أنه في العادة يحتاج إلى ساعتين وكنت أنتظر الانتهاء من المناقشة لأنطلق من كلية التربية الفنية من الزمالك إلى مصر الجديدة (روكسي).. لأن مجانين تحتاج إلى تحديث.. وإن كنت سأصل ظهرا.... وفعلا في الواحدة والنصف ظهرا وصلت إلى عيادتي في روكسي لأفاجأ بأن الإنترنت مقطوع وحرارة الهاتف غائبة...
أجريت عددا من الاتصالات لأكتشف أن عطلا ما أصله السنترال وأنهم يقومون بالإصلاح وعلي الانتظار ساعة.. ولما أزل كل ساعة يحددون الساعة وأنا أسرق الوقت بين مريض ومريض لأتصل وأعرف أنه لم ينته العمل.. ووصلنا حتى العاشرة مساءا بلا حرارة...... بعدها نزلت من العيادة متجها إلى شقتي بجوار قصر القبة قريبا من روكسي
وبينما أنا في الطريق قررت أخذ شيء للعشاء من مطعم "مؤمن" الموجود في ميدان روكسي... وبعد أن حددت الطلب كان علي الانتظار حتى يتم تحضيره وبينما أننتظر لفت نظري وجود ضجة مزعجة مصدرها شاشتي التلفاز على يميني وأمامي.. ولست أدري لماذا شعرت بأن هذا غير ملائم لمطعم "مؤمن" الذي كنت أصنفه ضمن المحلات الراقية كان اسم القناة "المولد" وكانت الأغنية المذاعة لمطرب شعبي سميك الصوت غناؤه شبيه بـ "الجعير" كما تقول في مصر هو مطرب شعبي كما واضح إلا أن اللعب التكنولوجية في التصوير والإضاءة تعطيك إحساسا بوجود جهد فني يخدم هذا الغثاء المزعج... بما يضع الواحد في حالة من القرف أو الاشمئزاز المعرفي.
فكرت أن أكلم أحد العاملين في المحل لكنهم كانوا منشغلين بوضوح بين الجالسين لتناول طعامهم في المحل وبين أمثالي ممن ينتظرون طلباتهم... انتهت أغنية ذي الصوت السميك... ولم تكد حتى جدت أغنية أخرى لمطرب شعبي معروف وفاجأني ما يحدث فقد كان الكليب المصور عبارة عن:
فتاة شقراء مرة وسمراء مرة.. تسير في الشارع ومن خلفها يجئ المغني منتقلا في اليمين إلى اليسار وهو يغازلها بغنائه وحركاته وإيماءاته وهي ترد متظاهرة بالتجاهل... المشهد لا يمكن تسميته بغير تمثيل فني للتحرش بالبنات في الشارع..... مرة أخرى أصابني الاشمئزاز المعرفي.
أصبح طلبي جاهزا... وحان الوقت لإبداء التساؤل والاعتراض ما هذا في التلفاز؟ فقالوا عذرا يا افندم هذه عادة طلبات الزبائن!... رفعت حاجبي وقلت وما هذه القناة؟ اسمها "المولد"!!!.. فكان ردهم حضرتك ماذا لو رأيت قناة "التِـت"....... يبدو حضرتك مش مصري.. قلت لهم لا للأسف... للأسف مصري... وأكملت لنفسي ومسؤول بالتأكيد عن كثير من هذا الهراء المثير للاشمئزاز في بلادي.
أشرت للتاكسي رغم كون المسافة معقولة والمشي خير من الركوب لكنني كنت أحتاج من أحادثه... وكان شابا مصريا في أواخر العشرينات يحمل مؤهلا جامعيا سيحتاجه في الزواج ويعمل سائق تاكسي... قلت له من غيظي إذا رأيت في التلفزيون امرأة تمشي في الشارع وأحدهم يغني لها مرة من على اليمين ومرة من على اليسار أليس هذا تحرشا؟ قال بالتأكيد قلت هذه أغاني فيديو كليب تعرض في التلفزيون قال لا هؤلاء فنانون لا يحاسبهم القانون!
لو كانت الإنترنت متاحة لتواصلت مع سداد.... منذ مساء الثلاثاء وأنا بلا إنترنت... كل الأربعاء ومجانين بلا تحديث.... وفقط عندما أصل إلى دبي عصر الخميس ستكون الواي فاي متاحة ولكنني فقط أستطيع التواصل وليس تحرير مجانين من تليفون محمول!
مضطرا للكتابة الورقية كنت أشعر برغبة شديدة في الكتابة إلى سداد وقد اعتدت على وجوده قريبا من الإنترنت فرغم كونه يعيش في كاردف ببريطانيا إلا أن نشاطه وعطاءه المستمرين يجعلان وجود الإنترنت بين يدي مصدر اطمئنان لم أعرفه قبل انضمامه لفريق مجانين... وقبل السفر عادة ما ألجأ إليه أكثر مرسلا استشارة تأخر المستشار المكلف بها أو سقطت بلاده في أعاصير ودوامات الربيع العربي المأسوف، فإذا قلت له هذه تأخر صاحبها أو مستشارها من اليمن وأنت أدرى إلخ.... تراه يرد في خلال ساعات... منعتني أعطال السنترال أولا في مجانين ليلتا الإثنين والثلاثاء، ثم للصدفة المرعبة في روكسي! هل هي فعلا صدفة؟ الله أعلى وأعلم منعتني من تجهيز مجانين ومن التواصل مع المستشارين... لكنني أود الاعتذار لكل المجانين عما قد يعتري مجانين وأنا لا أملك مفاتيح التحرير للتحديث أو التصويب... وأود الاعتذار كذلك لكل المصريين عن قدر لابد أتحمله من التقصير الذي أدى مع كثير من العوامل الأفدح إلى ما وصل إليه الحال في مصر من انحطاط للذوق العام.
كتبت الجزء السابق من هذه المدونة أو بالأحرى نقلته من الورق إلى الكومبيوتر يوم الثلاثاء 3 مايو، ولم أتمكن من فعل شيء فيه طوال الأربعاء 4 مايو في عيادتي في روكسي ذلك أن غياب الخميس السابق في رحلة دبي عن العيادة يعني تكدسا للمتابعات والجلسات على الأقل وربما للزبائن الجدد، وهو ما كان خاصة وأنني سرقت من هذا الخميس ستة ساعات الصباح لارتباط بلجنة ترقيات في مركز عكاشة للطب النفسي بجامعة عين شمس ثم بمحاضرة:ع.م.س لحالات الشذوذ الجنسي: خبرة عربية في المؤتمر الثالث للطب النفسي للقوات المسلحة...
لكنني عند مغادرة عيادة روكسي مساء الأربعاء في الحادية عشرة مساء قررت المرور على مطعم "مؤمن" لأنتقي عشاء وأرى على أي قناة يكون التليفزيون هذه المرة... والحقيقة أنها كانت مجموعة إعلانات متتالية... تفصلها مشاهد كروية، ولأنني لست من المهتمين بكرة القدم فقد كانت المواد الإعلانية أهم ما لفت انتباهي وكانت موجهة للذكور..... واللافت لي فيها وبتكرار مزعج أيضا كان الذكر الذي يفتقر الخشونة ويبدو بين بين.... رغم عدم توافق ذلك في فهمي مع كون الإعلان غالبا عن نوع من الثياب أو الأدوات الرياضية... شيء بعيد كما يفترض عن الليونة والنعومة والتفاهة المتكررة أيضًا بإزعاج... لكن في كل الأحوال هذا أفضل من التلوث السمعي والبصري الذي صاحب زيارتي لمؤمن مساء الأربعاء الماضي أي ليلة السفر.
تلا ذلك عدة جلسات ومقابلات مع مرضى جدد، ثم انطلقت مسافرا إلى الزقازيق.... لأكمل كتابة هذه المدونة التي كتبتها ورقيا أولا وصارت الرابعة بين مدوناتي التي لها أصل ورقي... بينما صديقي القديم وشريكي بالفكر والجهد -المتقطع- أحيانا وبالدعوات دائما، في مجانين أحمد بن عبد الله ما يزال يكتب ورقيا إلا على الفيسبوك سامحه الله... دعواتكم لمصر وللجميع.
واقرأ أيضًا:
رهاب اللامحمول لا تصدق معدا ولا صحفيا / Air Spinner من لندن إلى الزقازيق