توفي زوج قريبتي منذ حوالي شهر, وكان ذلك بعد عدة أيام من مرض مفاجئ, وكأن الدنيا دارت تحت قدميها فجأة, فقد كان معلمها في المدرسة وهي طالبة ثم تزوجا في رحلة زواج دامت قرابة أربعة وثلاثين عاما.
قريبتي نشيطة جدا، فهي تتحمل مهام البيت والعناية بالأحفاد وأبنائها وزوجاتهم.
فاجأتنا ذات يوم بالاتصال لكي تتأكد من أنها غير آثمة في زيارتها لأبيها المسن وهي في أشهر عدة الوفاة! فأعطت التليفون لأخيها ليتأكد بنفسه: فقال لي نريد تطبيق القرآن! فقلت له أن القرآن لم يبين آداب عدة الوفاة, ولكن الشرح في السنة وفعل الصحابيات؛
ثم قلت له كيف لهذه النشيطة المفعمة بالحركة التي تخرج في اليوم مرتين؛ مرة لطلبات المنزل وأخرى للترفيه البسيط أو حاجات الأبناء -فهكذا كان نمط حياتها قبل أن تترمل- أن نلزمها بلزوم البيت أربعة أشهر وعشرة أيام إلا لضرورة، وألا نأخذ بعين الاعتبار رغبتها في الاستئناس بدفء والديها المسنين؟؟ فأوضحت له بعض الأمور والتفاصيل التي لم يكن يعرفها، ومنها استعداده لعلاج أخته من الاكتئاب المحتمل إذا لزمت بيتها بدون خروج.
يا الله... كم نشيد من سجون لنا ولمن حولنا باسم الدين؟؟ فبدلا من أن يكون الدين داعما لاتزاننا النفسي أصبح وسيلة ضغط وابتزاز بممارسة الإحساس بالذنب من خارج الفرد "خوفا من الحياد عن ما وجدنا عليه آباءنا أو لإحكام السيطرة"، ومن الداخل "لأن جلد الذات درب العبّاد الزهاد".
لماذا يتعلم الطفل أن من يطع والديه يحبه الله ومن لا يطعمها يبغضه الله ولا يرسل إليه الألعاب ثم يدخل النار! وللأسف كثيرا ما تكون رغبة الطفل نابعة من فطرتة الحقيقية قبل تشويهها بالتفصيل على متطلبات المجتمع.
وأتساءل الآن: أين الإسلام الحقيقي؟؟
واقرأ أيضاً:
دعوها / التخلخل والخلل: على شفا جرف هار! / في فرحهم منسيون / فروض الكفاية
التعليق: (ثم قلت له كيف لهذه النشيطة المفعمة بالحركة......... أن نلزمها بلزوم البيت أربعة أشهر وعشرة أيام إلا لضرورة، وألا نأخذ بعين الاعتبار رغبتها في الاستئناس بدفء والديها المسنين؟؟)
كيف لنا أن نلزمها؟ ليس لنا، وإنما لله تعالى: ((يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ)) [الطلاق:1].
فالأصل في معتدة الوفاة عدم الخروج، وهناك استثناءات وردت في السنة راعت احتياجات المعتدة الضرورية المادية والنفسية:
1-خروجها للقيام بحاجاتها واكتساب رزقها.
2-خروجها للمؤانسة عند جيرانها الملاصقين لها والقريبين منها وليس عند أية شخص.
ويجب عليها في كلا الاستثناءين أن ترجع فتبيت في منزلها، لأن حاجتها الضرورية لا تستدعي النوم عند الجيران، والاستثناءات دائمًا لا يتوسع فيها، وإلا كان هذا إلغاءً للحكم أو القانون من أصله.