وفي عالم البشر تنطبق هذه المنظومة التفاعلية على السلوك ما بين الدول والقوى المتصارعة فوق التراب الذي أشبعته نجيعا. فالأقوياء يهابون بعضهم ويتحرزون من أي خطأ أو زلة تتسبب بمواجهة بينهم، لأن ذلك يؤدي إلى أضرار مروعة ومدمرة للجميع، فالقوي عنده وسائل تترجم قوته وقدرته التدميرية، والضعيف موجود فارغ تتناهبه عواصف الأقوياء، التي تهب عليه أنى تشاء وتقتضي مصالحها ومنطلقاتها الموجهة لخطواتها وميادين إظهار قوتها.
ولهذا نجد الدول القوية تقف في حضرة هيبة كل منها، والضعيفة مهضومة مخنعة تتوسل بالأقوياء وتستجدي منهم الرحمة والعون الذليل. وفي المواجهات مع الأقوياء تتحقق تبادلات للكلام واستعراضات للعضلات، ولا يمكن لقوي أن يقوم بقعل عدواني على قوي لأن في ذلك إرادة انتحارية، وقفزة هلاك حتمي، ولهذا فإن الأقوياء يستخدمون الضعفاء كأدوات للتعبير عن المواجهات المتبادلة، وقد حصل ذلك بوضوح في الحرب الباردة بين القطبيين الأقوى، واليوم تعددت الأقطاب القوية والدول النووية، مما تسبب بتعدد المواجهات الغير مباشرة بين الأطراف القوية، وصارت الدول الضعيفة سوحا للتصارعات الدامية التي تخسر فيها المزيد من الناس والعمران.
وما يجري في المنطقة العربية لا يشذ عن هذا المسار التصارعي الغير مباشر ما بين القوى الأرضية المتهيبة من بعضها البعض. وهذا يفسر آليات التداعيات المتواصلة في المنطقة العربية لشدة ضعفها رغم توفر عناصر قوتها وتخمتها بالثروات المبددة في إذكاء النيران وتنمية الدخان. مما يعني أن المنطقة لن تهدأ أبدا على مدى القرن الحادي والعشرين، لأن الأقوياء يزدادون قوة والضعفاء يزدادون ضعفا واندحارا في الذي لا يغني من خوف ولا يطعم من جوع.
فناعور الدماء يدور والدموع تفور!!
واقرأ أيضاً:
التفنكرية!! / المنشغلون بسعادتهم وتعاستهم!! / وداعا للرصاص!! / الشر والخير مصلحة؟!!