مقاومة الاستغلال على مستوى الأمة
الفصل الثالث عشر
مقاومة الاستغلال على مستوى الأمة:
منع القادة والأمراء من استغلال أموال الأمة:
وأذكر هنا موقفا لنبي الأمة صلى الله عليه وسلم، حيث كانت فاطمة ابنته رضي الله عنها تطحن حبوب القمح والشعير إلى أن نزفت أناملها فشكت ذلك في بعض الأيام إلى بعلها علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال لها قولي لأبيك يعطيك خادمة من سبايا المسلمين، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت يا رسول الله إني مفتقرة إلى خادمة تعينني على أشغالي وتحمل عني بعض أثقالي؛ فقال عليه الصلاة والسلام ألا أعلمك ما هو خير لك من خادم وأعز من سبع سموات وسبع أرضين، فقالت يا رسول الله علمني، فقال صلى الله عليه وسلم إذا أردت فقولي قبل منامك ثلاث مرات سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
وفي الأخبار أنهم لم يكن لهم في البيت إلا كساء كانوا إذا غطوا به رؤوسهم انكشفت أرجلهم وفي الليلة التي كانت فاطمة عروساً وزفت إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان تحتها جلد شاة وكانا ينامان عليه وما كان لفاطمة من متاع البيت سوى كساء ومخدة من أدم حشوها ليف لا جرم ينادي لها يوم القيامة يا أهل الموقف غضوا أبصاركم حتى تمر سيدة النساء فاطمة الزهراء.
وأذكر لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعض مواقفه مع ولاته و قواده، عندما علم أنهم اغتنوا وأثروا؛ وذلك أمر متوقع حدوثه لقادة وأمراء فتحوا بلادا غنية أو حكموها واستثمر بعضهم ماله في تلك البلاد؛ فاغتنوا بالطبع؛ فما كان من سيدنا عمر رضي الله عنه إلا أن أعطى بيت مال المسلمين نصف أموال هؤلاء الأمراء وأبقى عليهم نصفها الآخر، وذلك لدفع شبهة استغلال مناصبهم في جمع تلك الأموال، والأهم من ذلك هو كتابته لأموالهم قبل تعيينهم في مناصبهم حتى يتثنى له محاسبتهم عند نهاية خدمتهم، فيجعلهم هذا يراجعون أي مال يتجمع لديهم، ويتأكدون من مصادره، ويحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبهم رضي الله عنه، هذا الأمر من حيطته رضي الله عنه وأرضاه، وخوفه على افتتان الصحابة بكثرة المال، ولكن لا يقدر على ذلك إلا رجل كالفاروق رضي الله عنه وأرضاه:
فعن عبد الله بن عمر أن أباه قد أمر عماله فكتبوا أموالهم، منهم سعد بن أبي وقاص، وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان فشاطرهم عمر في أموالهم، فأخذ نصفاً لبيت مال المسلمين وأعطاهم نصفاً، وذُكر عنه أن عمرا كان إذا استعمل عاملاً كتب ماله، وذلك كي يسهل حسابه إذا بدر منه ما يفيد أنه يستغل مركزه ووظيفته.
ويُقال أن عمر بن عبد العزيز كان ينظر ليلاً فيقصص الرعية ومشاكلهم في ضوء السراج فجاء غلام له فحدثه في سبب كان يتعلق ببيته فقال له عمر أطفئ السراج وحدثني فإن هذا الدهن من بيت مال المسلمين فلا يجوز استعماله إلا في أشغال المسلمين.
هكذا يكون حذر السلطان وتوقيه إذا كان عادلاً؛ فهو يخاف أن يستغل ثمن فتيلة ضوء من مال المسلمين في شئونه الخاصة!!!.
وكان لعمر بن عبد العزيز غلام وكان خازناً لبيت المال وكان لعمر بنات جئنه يوم عرفة وقلن له غداً العيد ونساء الرعية وبناتهم يلمننا وقلن أنتن بنات أمير المؤمنين ونراكن عرايا!!، ولا أقل من ثياب بيضاء تلبسنها في مثل هذا اليوم، وبكين عنده؛ فضاق صدر عمر فدعا غلامه الخازن وقال له أعطني راتبي عن الشهر القادم، فقال الخازن يا أمير المؤمنين تأخذ راتبك من بيت المال سلفاً!!، أتظن أن لك عمر شهر فتأخذ راتب الشهر!!، فتحير عمر، ثم قال: نعم ما قلت أيها الغلام بارك الله فيك، ثم التفت إلى بناته وقال اكظمن شهواتكن فإن الجنة لا يدخلها أحد إلا بمشقة.
وما أجمل الأبيات التالية المليئة بالقناعة والكرامة والعفة والعزة وصون النفس عن النقائص:
قنعت بالقوت من زماني وصنت نفسي عن الهوان
خوفا من الناس أن يقولوا فضل فلانا.... على فلان
من كنت عن ماله غنيا فلا أبالي.... إذا جفاني
ومن رآني بعين نقص رأيْـــتُـهُ بالتي رآنــي!!
ومن رآني بعين تم رأيته كامل المعاني
ويتبع >>>>>>>>>>> استيلاء بعض الولاة على أموال الرعية