"آي ثنك"، هذا التعبير يتكرر كثيرا في كلام الإنسان في المجتمعات الديمقراطية القوية، ويردده في جميع المراحل العمرية، ابتداءً من المرحلة المدرسية الابتدائية. فما أن تسأل، أو تصيخ السمع لحوار ستعتاد على سماع "آي ثنك"، وهي تشير إلى أن المتكلم قد أعمل عقله وفكره وتأمل وتوصل إلى رأي أو تصور أو استنتاج بخصوص الموضوع المتداول. بينما في المجتمعات المتأخرة لا تجد هذا التعبير إلا نادرا، لأن آليات النشأة والتفاعل مبنية على التبعية والأبوية وترديد أقوال الآخرين، أيا كانت مسمياتهم وتوصيفاتهم، فالإنسان لا يفكر ولا يمتلك القدرة على التصور وطرح الرأي، وإنما عليه أن ينقل ما يراه غيره، ويكرره ببغاوية عمياء.
ولأصحاب العمائم واللحى دور كبير في إلغاء التفكير أو منعه وتحريمه، وتربية الأجيال على إخماد العقل ومنعه من العمل، فعلى الجميع أن يتبع ما يقولونه ويفتون به، لأنهم بلا عقول، أو أن عقولهم قاصرة عن الإدراك. وهذا الأسلوب التفاعلي السلبي يطغى على الحياة ويحجرها ويمنعها من التطور والرقاء، لأن العقول يجب أن تعمل وتتفاعل لكي ترتقي وتتطور ويكون المجتمع أقوى وأقدر.
ولهذا فإن من الصعب تمرير أي فكرة إذعانية في المجتمعات المتقدمة، لأن الناس تفكر وتتساءل عمّاذا ترى وتريد، وتمضي في حواراتها الذاتية وتقديراتها الموضوعية لصياغة رأيها بعيدا عن رأي غيرها، حتى وإن اتفقت مع الآخر، فإنه يكون ناجما عن تفكير واعٍ وتقدير حصيف له أسبابه ومعزاته.
أما في المجتمعات المتأخرة فإن الاتفاق يكون محكوما بالعواطف والانفعالات والانتماءات الساذجة البلهاء الخالية من المعرفة والإدراك، والتقدير العلمي والمعرفي المبين، وهذا فارق شاسع ما بين مجتمعات متقدمة وأخرى متأخرة.
واقرأ أيضاً:
تنبؤات ديزي!! / حَضرَ التديّنُ وغابَ الدينُ!! / المحسوبية والكرسي!! / احترامي للحمير!!