الدعوات العنصرية تفرق أبناء الأمة
الفصل الثامن عشر
"الإنسان الذي لا يعمل، كالشجرة المورقة التي لا ثمر فيها"
حب العمل
كيفية تحويل العمل العادي إلى شأن روحي:
"إن تحت النسيج المزين بالتطريز، يوجد شبكة من الخيوط ذات الأطراف المتدلية والألوان المتعددة"
كان أحد المديرين يشكو من إرهاق وتعب وقلة نوم بالرغم من أن نتائج التحاليل والفحوصات التشخيصية كانت طبيعية؛ لذا فقد وصف له الطبيب عقارا مضادا للهيستامين، فظهر عليه بعض التحسن، ولكنه في نهاية المطاف ذهب إلى أحد الأطباء النفسيين، وبالرجوع إلى تسلسل الأحداث التي مرت بهذا الرجل، فقد اتضح أن زوجته هجرته لأنه كان دائم الشعور بالتعب ولا يكف عن التذمر من عمله، كما سبق وتم فصله مرات عديدة، وكثيرا ما غير عمله مما عرض الأسرة لصعوبات مالية. كانت الزوجة تشعر بالضيق من قيامه بتجديد السيارات، وأجهزة التليفزيون، وأجهزة الاستريو، ومن قيامه بإجازات طويلة، وكان تفسير ذلك في عقله أنه إشباع لرغبات الطفل في داخله، والواقع أنه كان يشكو من توقف تطوره كشخص راشد مما جعله في حالة قصور ذاتي نفسي، فلم يكن إشباع رغبة فورية له تلبي سرعة كافية في نظره.
وكان هذا المدير يتقلب في كثير من الأعمال خلال عدة سنوات، وكان يعتمد على أناقته وطريقة تحدثه والتي تجعل من السهل عليه تجاوز المبادئ الأساسية للعمل، وكان يتخيل أنه وصل لأعلى المراتب وأنه يلتقي مع المشاهير من الفنانين والفنانات وكل ذلك كان نتيجة لفلسفته القائلة: "تظاهر بالأمر إلى أن لا يعود بإمكانك التمثيل!، واهرب قبل أن ينكشف أمرك".
إن السعادة لا تعني إشباع رغبات جميع الحواس أو السعي المستمر المحموم وراء الإثارة. فنحن نبالغ في تقدير قيمة أوقات الراحة، حتى أن هناك أشخاصا يحاولون إيجاد طرق للراحة خلال ساعات العمل.
كيف يكون الإنسان العادي سعيداً؟ والإجابة ببساطة أن يعمل وأن يحب، والمعنى هنا أنك إذا أحببت عملك فإن هذا الحب يتحول إلى إيمان؛ يقول حكيم: "ليكن فعلك أكثر من قولك، فإن زيادة القول على الفعل دناءة وشين، وزيادة الفعل على القول مكرمة وزين"، ويقول آخر:"الأعمال أعلى صوتا من الأقوال"، ويقول حكيم ثالث: "النضج هو قدرتك على إتقان العمل، وإن لم تكن مراقبا".
إن كل جزء من العمل مهما بدا عاديا وتافها يمكن أن يفسح المجال للتفكير والشعور بالرضا، شرط أن يؤدى بإخلاص عميق وبخيال صادق وواقعي وحقيقي، يقول وليام آرثورد: "إن أبواب الإنجازات تتسع لذلك الشخص الذي يرى في الأشياء التافهة إمكانيات غير محدودة".
والآن أجب عن الأسئلة الخمس القادمة:
هَلْ تَصحو أوقات الصّباح وأنت كاره الذهاب للعمل؟
هَلْ تَعِيشُ في خوفٍ مزمن من فقدانك لعملك؟
هَلْ تُؤدّي عملاً يَجِبُ أَنْ يقومَ به مرءوسيك؟
بالرغم من أنَّ إنتاجك وإنجازك يُصنّفانِ على أنهما من ذي المستوى العالي، فإنك لا تحصل على ترقياتِ وزياداتِ بصورة مُطرِدة؟
هَلْ تَخَافُ من النجاح؟
إذا كانت إجاباتك بنعم على الأسئلة السابقة فأنت غير مؤكد لذاتك في نطاق عملك، وذلك
مهما كانت مكانتكَ المادية أو الاجتماعية -أقل من المتوسطة أو متوسطة أو فوق المتوسطة أو حتى من الطبقة الراقية- فأنت غير مؤكد لذاتك حول جانب هام من جوانب حياتك المختلفة، ذلك الجانب هو عملك، والذي من المفروض أن يكون من الأعمدة التي تقوم عليها حياتك، يقول المثل العربي: "كل شيء بالأمل إلا الرزق بالعمل"، وإذا لم تكن مؤكداً لذاتك في نطاق عملك فهناك احتمال قوي أن يؤثر ذلك على جوانب حياتك الأخرى. إن عدم قدرتك على تأكيد ذاتك في عملك غالباً ما ينشأ عن الصورة التي تستقبل بها ذاتك وترى بها شخصيتك، وكل هذا يتوقف على مقدار ثقتك بنفسك واعتزازك بها، لذا يُعتبَر تأكيدك لذاتك في عملك من الاختيارات الهامة في حياتك. يقول سيدنا علي رضي الله عنه: "بَركةُ العُمرِ حُسنُ العمل".
إن العمل نفسه هو امتداد لذاتك نفسها، فأسلوبك في العمل يُظهرُ إلى حد ما أسلوبِكَ وطريقتك في الحياة، كذلك سرعتك وأسلوبك في حل ما يواجهك من مشاكل، إن الشخص الأكثر تأكيداً لذاته في عمله هو شخص يحاول إظهار نفسه والاعتزاز بها أمام الآخرين؛ وذلك بإظهاره الرضا الكامل عن عمله في الحياة، أما إذا كان لديك مشاكل في عملك تؤثر على تأكيدك لذاتك فإن مُحصِلة ذلك هي الاستياء، بل الاستياء التام من عملك، يقول سيدنا علي بن أبي طالب: "العِلمُ مَقرونٌ بِالعَمل، فمنْ عَلِم عمل، وقيمة كُل امرىِءٍ ما يُتقِن"
إن تأكيد الذات في العمل يَتضمّنُ خمس مهاراتٍ أساسيةَ
(1) التوجه النشط: ويعني التوجه النشط التركيز على تحقيق أهدافِ عملِكِ، والخطوات التي يَجِبُ عليك اتخاذُها لإنجازِهم، وهكذا يُمْكِنُكَ أَنْ تَستعملَ كل مواهِبُكَ لأقصى حدٍ مُمكِن، فالحركة بركة والتواني هَلكَةٌ، وعالج آفة الملل بكثرة العمل، وستجد في النهاية أن العمل أثمن كنز، يقول الرصافي:
ليس للمرءِ أن يعيشَ بلا كَدٍ وإن كان من عِظَامِ الرِّجال
وليكن توجهك النشط مؤثراً وفعالاً عليك أن تعشق ما تقوم بعمله؛ يقول المثل الإنجليزي: "من يَعشق عمَلَهُ يَجِدهُ أمتَعَ مِنْ اللعب".
(2) القدرة على إنجاز العمل: تُظهِر التداخلات والعقبات والمشاكل مهاراتك في إنجازك لعملك، أما إذا وجدت صعوبة في مواجهة تلك الصعوبات والمشاكل والتداخلات فأنت بحاجة للمزيد من الإتقان في تعلم مهارات عملك، ومن يتقن مهنته لا تتسخ يداه، ويُقال: بالجهد المتقن تهزم الصعاب، والبضاعة الجيدة الناتجة عن العمل المتقن تباع بسهولة، أما العمل المستعجل فليس بالعمل المتقن، فلا تسعى إلى سرعة إنجاز العمل ولكن اسع لتجويده، فإن الناس لا يسألون عن مدة إنجازه، وإنما ينظرون إلى إتقانه وجودة صنعه، وما نفعله بسرعة عادة لا نفعله بإتقان، أضف إلى ذلك تعلم بعض المهارات المتعلقة بضبطِ النفس، ولا تنس أهمية الانضباط والقدرة على التَركيز عند أدائك لعملك.
(3) السيطرة على تخوّفاتِك ومخاوفِك: من غير المُلائِم أن تَتدخّل ردودُ الأفعال العاطفية في أداءِ العملِ، فالتَوترات العامّة والمخاوف قد تؤدي إلى الشعور بالإعياء والطيش وسوء التقدير، أما الخوف من وضع أو جُزئية مُعينة في العملِ فقد يؤدي ذلك إلى تجنّبِ القيام بهذه الجزئية من العمل، وقَدْ يمنعُكَ ذلك مِنْ الإنجاز الكامل لأهدافِ عملِكِ.
يقول خالد محمد خالد: "إن أكثر الناس خوفا وجبنا، هم الذين يملئون قلوب الناس رعبا، ويسلبون أمنهم، فإذا أردت أن لا تخاف فلا تٌخف، وإذا أردت أن تحيا فلا تَخف".
ولكن علي أن أؤكد أن الانهماك في العمل الذي يمكننا القيام به هو أرخص دواء موجود على سطح الأرض؛ فالعمل بنشاط هو الذي يُنقِّي النفس ويُصقلها ويخلصها من أحزانها، والخلاصة هي أن العمل هو أعظم مصدر للسعادة، وحب ما تعمل حتى تعمل ما تحب، ونحن نُضيِّع أنفسنا و نَجِدُها في العمل، والعمال النشطون لديهم دائماً القليل من القلق والخوف؛ لأن عقولهم وأجسادهم منشغلة طيلة الوقت.
(4) حافظ على علاقات شخصية متميزة في عملك: يُجمِع أغلب الموظفين أو العمال أو المهنيين على أهمية وجود علاقات شخصية طيبة مع القريبين منهم في نطاق العمل، وقد ترى أكثر الأشخاص مهارةً في أداء أعمالهم مطرودين منها بسبب أنهم لا يَستطيعونَ الانسِجام مع زملائهم الآخرينِ، لذا يَجِبُ عليك أَنْ تَكُونَ قادراً على إقامة علاقات طيبة بزملاء العمل، والمرءوسين والرؤساء؛ وذلك لتجد من يساندك في وقت الشدة، وليصبح ذهابك إلى العمل رحلة يومية ممتعة تسمح لك بالإبداع في عملك، ولا تنس أن العمل عبادة لمن استحضر النية في عمله قاصداً بهذا العمل رضا الله تعالى، وطلب الرزق الحلال له ولأسرته، والاستعفاف عن سؤال الناس أموالهم، يقول سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "شتانَ بين عملين: عملٌ تذهب لذته وتَبقى تَبِِعتُه، وعمل ٌ تذهبُ مَئونَتُهُ ويبقى أجرَهُ".
(5) الفن في مفاوضة الإدارة: وهذا يَتطلّبُ منك معرفة مجتمع العمل جيداً، والمهارات المُعيّنة التي ستُمَكّنك من العَمَل ضمن أو خلال النظام الإداري الذي تعمل تحت مظلته لنَيْل أهدافِكَ المرجوُّة، ولا تنس القول الجميل لشوقي:
وما نيلُ المطالبِ بِالتّمني ولَكِن تُؤخَذ الدُنيا غِلاباً
يتبع >>>>>>>>>>> الذين لا يؤكدون ذاتهم